مدونات

فصل الخِطاب: ماذا بعد السقوط..؟!

"توصيل رسالة للعالم بأن سوريا تريد فقط بناء دولتها"- الأناضول
قامت ثورة سورية حقيقية، وذلك لتهدم الفساد وأفظع معاني الإجرام في التاريخ المعاصر، فهذا الإجرام فاق إجرام محاكم التفتيش تجاه مسلمي الأندلس، ولكن نجحت ثورة استخدمت القوة لفرض السلمية وهذا نوع من الذكاء السياسي في واقعنا الحالي. ولكي تنجح الثورة وتخرج سوريا من نفق المكر الدولي على الثوار أن يتعلموا من التاريخ وتجارب الآخرين، ولذلك أوجه لهم عدة نداءات مملوءة بنصائح غالية من مخلص ومحب للثورة السورية العظيمة وهي كالآتي:

- تشكيل حكومة رسمية استثنائية توافقية خالية من بقايا النظام الساقط والأيديولوجية والشللية والمحسوبية، مكونة من عناصر ذات كفاءات وليست شعارات، حكومة تتكون من كافة مكونات المجتمع السوري والشباب؛ فالسوريون تعلموا السياسة جيدا، فلا أحد يخاف عليهم، لأنهم تعلم السياسة نتيجة فقدان وألم وواقع مرير قد مروا به. وكذلك تشكيل الحكومة ليس تشكيل كفترة انتقالية بل فترة استثنائية، وتكون لديها كافة القرارات والشرعية، حكومة فيها رجال يمتلكون فكر الدولة وليست الطائفة أو الحزبية أو الفصائلية أو العاطفة، وذلك في أسرع وقت ممكن فإن الوقت استثنائي يحتاج رجال استثنائيين..

- أخطر أربع جبهات على الثورة هي: الأطماع السياسية، وسوء الخطاب السياسي غير المدروس المليء بالشعارات التي هي في غير محلها الآن، وكذلك جماعة قسد وإسرائيل، فلذلك يتم فتح جبهة وليست كل الجبهات في وقت واحد.

- لا بد أن يكون هناك خطاب سياسي لبناء الداخل، ومطمئن لفترة ما للجيران والجغرافيا المتجاورة، خطاب واع ومتزن، وأهم الأركان ضبط الخطاب السياسي من خلال جهة واحدة ومتحدث واحد للحكومة وكذلك للخارجية والدفاع.

- الخطاب السياسي نصف السياسة، ويمكن من خلاله كسب الحاضنة الشعبية الجامعة وتطمين الجيران الإقليميين والمجتمع الدولي.

- التخلص بأسرع وقت من كل من كانت يده ملطخة بدماء السوريين بمحاكمات ثورية علنية واضحة وقانونية وسريعة ونافذة.

- ملاحقة أموال المرتبطين بالنظام والمخدرات وغيرها وجعلها في صندوق للتعليم والصحة، لأنهم سيستخدمون الأموال في صناعة الدولة العميقة، فلذلك يتم تقصير أيديهم بتأميم أموالهم التي سرقوها من الشعب لتكون لخدمة الشعب لا لضربه مرة أخرى.

- وإذا لم يتم نزع السلاح وإنهاء الطابع الفصائلي المسلح دون اقتتال، ستتحول سوريا إلى مناطق معزولة ودولة مليشيات ومقسمة مثل ليبيا والسودان.. وعلى إثر ذلك يكون تجميع الفصائل بشكل احترافي وليس فيه إهانة لأحد فيهم، فيكون هناك جيش منظم وكل قائد فصيل يكون قائد لواء وله وضعه ومنصبه ومكانته، وذلك لاحتواء الجميع داخل دولاب الدولة، وكذلك توزيع عناصر الفصائل على كتائب مختلفة، وليس ككتل موحدة داخل الجيش الوطني، والقادة يكون لهم مواضع قيادية.. لقول النبي.. ارحموا عزيز قوم أذل.

- إثبات الكفاءة الدبلوماسية الدولية في الحكومة القادمة، والخطاب يكون لبناء سوريا داخليا، منعزلة عن كافة القضايا الإقليمية والدولية والشعارات الوطنية والقومية والبروباجندا، ولا يكون مثل خطابات صدام وناصر، ويجب أن يتم توصيل رسالة للعالم بأن سوريا تريد فقط بناء دولتها، وهي فترة الانغلاق على الداخل وبناء الداخل، وتوفير أمنها الغذائي والمائي والدوائي والسلاح والتكنولوجيا.. فحروب العصر الحديث تعتمد على المال والمعلومة والاكتفاء الغذائي.

- لا يحب الوقوع بنفس الخطأ الذي وقعت به الثورة المصرية (أخونة الدولة أو أدلجة الدولة أو الخطاب الضعيف أو الإقصائي أو الطائفي، يجب أن يكون خطاب دولة وليس خطابا أو فعلا شعبويا أو حزبيا أو أيديولوجيا، بل يكون فعلا جمعيا ودولتيا)، فالسعيدُ من اتَّعظ بغيرهِ، والشقيُّ من اتَّعظ بنفسهِ.

- من الممكن أن تكون الدولة أمام اختراق مخابراتي دولي خطير سيبرر لإسرائيل الدخول بحجة سوء إدارتها أو أيديولوجيتها أو الطائفية، وبحجة جعل منطقة عازلة لتعزيز حماية أمنها الإقليمي، وحينها ستولد ثورة جديدة طويلة الأمد قد تمتد لسنوات عديدة وهذا ما أخشاه. أيضا يجب كل من عليه علامة دولية أن ينسحب من المشهد السياسي تماما ويمكن أن يكون من خلف الكواليس وبصمت وفاق لمجلس شورى علمي ومراكز علمية استراتيجية، حتى لا تستغل أمريكا والغرب هذه العلامات وقتما تشاء بفرض عقوبات على سوريا اقتصادية وسياسية وعزلها عن المجتمع الإقليمي والدولي.

- يجب البعد عن معركة الدستور الآن، والتي من الممكن أن تكون مرحلة انقسام المجتمع وخلق حالة من الجدال يستغلها الماكرون والفاعلون الدوليون لاستقطاب فئات تجاهها، قادرة على إحداث خلل في الاستقرار السياسي، فيجب البعد عن ذلك بتعديل بعض المواد في الدستور القائم الذي يقف ضد المكون السني.

- تجميع الفصائل في مشروع الدولة أو الهدف الاستراتيجي للدولة الآن، وكذلك يتم توجيههم إلى منطقة الجنوب المجاورة للاحتلال، كهدف مقدس، ومنها حماية حدود الدولة، وكذلك يكونوا قوة على الأرض تساعد المفاوض مع الكيان الصهيوني لكسب بعض المكاسب السياسية. فالآن إيران سلمت سوريا لإسرائيل حتى تعيد بناء شكلها من جديد، وستكون من خلال معركة الدستور أو غيره. فلذلك يجب الضغط على إسرائيل بنشر الفصائل في الجنوب حتى يتم دمجهم في الجيش وفي مشروع قومي.. وأيضا التفاوض مع إسرائيل كحل مؤقت الآن يحافظ على حماية وبناء الدولة ومن ثم تعيد قوتها وسلطانها.. وهذه تسمى مرحلة الصبر الاستراتيجي.