أشار تقرير نشرته صحيفة "
الغارديان" البريطانية إلى أن قائد إدارة العمليات العسكرية في
سوريا أحمد الشرع الذي وصفه بـ"زعيم سوريا الجديد" يحمل هويتين، متسائلا عن أي واحدة ستدفع البلد للأمام؟
وقالت الصحيفة في التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إنه "سواء استخدم أحمد الشرع أم اسمه الحركي أبو محمد
الجولاني، فهذا علامة مهمة على المسار الذي ستتخذه سوريا في المستقبل. ففي صباح يوم الأحد، دخل رجل ملتح يبلغ من العمر 42 عاما يرتدي زيا عسكريا أخضر عاديا إلى المسجد الأموي في
دمشق وخاطب حشدا صغيرا من الناس، الشعب السوري والمنطقة والعالم".
وعلى خلفية الزخارف البراقة للمسجد، وصف أحمد الشرع سقوط حكم عائلة الأسد بأنه "انتصار للأمة الإسلامية" ودعا إلى التفكير والصلاة.
وقال في خطابه: "تركت هذه الأرض منذ أكثر من 20 عاما، وكان قلبي يتوق إلى هذه اللحظة". أضاف: "اجلسوا بهدوء يا إخواني واذكروا الله تعالى".
وقال معد التقرير جيسون بيرك، إن الحاكم الفعلي لسوريا اليوم، لم يستخدم وعلى مدى عقدين من الزمان اسمه الحقيقي، أحمد الشرع، الرجل الذي نشأ في عائلة دمشقية منفتحة وبحي مزدهر في العاصمة ودرس الطب. فقد اختفى ذلك الاسم وحل محله لقب أبو محمد الجولاني، متبعا طريقة الجهاديين الذين يحاولون تقديم هويات تذكر بالأمجاد الإسلامية وتكون درعا لإخفاء الهوية الحقيقية.
ولهذا فقد كان الجولاني هو الذي سافر إلى العراق وشارك ما بين 2003- 2006 في المعارك ضد الأمريكيين الذين احتلوا العراق وسجن لخمس سنوات في السجون الأمريكية هناك. وكان الجولاني نفسه هو الذي عاد إلى سوريا عام 2011 مع اندلاع الثورة السورية، وأخذ يلعب أدوارا مهمة في تنظيم الدولة الإسلامية والقاعدة.
وكان الجولاني هو من قاد "هيئة تحرير الشام" وأدار منذ عام 2017 محافظة إدلب التي عاش فيها أكثر من مليوني نسمة معظمهم من الفارين من مناطق سوريا الأخرى.
وفي الشهر الماضي، كان الجولاني هو من أعلن عن تحالف من المقاتلين الذين تهيمن عليهم "هيئة تحرير الشام" وقاد المعركة التي استمرت 12 يوما وانتهت صباح الأحد في العاصمة دمشق.
وتساءل الكاتب عن هوية الشخص التي ستحكم سوريا، هل الجولاني، الذي صنفته الولايات المتحدة وبريطانيا ودول أخرى بالإرهابي ووضعت مكافأة من 10 ملايين دولار لمن يأتي برأسه، أم الشرع، الذي بذل قصارى جهده على مدى السنوات الأخيرة للإشارة إلى أن منظمته لن تهاجم الغرب؟
ويرى الكاتب أن "الإجماع ليس واسعا بين المحللين، إلا أن قراره الدخول إلى دمشق باسمه الحقيقي والتخلي عن اسمه الحركي هو واحد من المؤشرات عن التحول من التطرف الجهادي إلى مسار أكثر اعتدالا وحقيقي".
وأشار الكاتب إلى أن هيئة تحرير الشام عرضت على الجنود السابقين في النظام العفو العام في مدينة حلب، وهي أولى المدن التي سيطرت الهيئة عليها مع تحالف من المعارضين الشهر الماضي. ويقول إن المقاتلين ذهبوا من بيت إلى بيت لطمأنة السكان المسيحيين وأرسلوا رسالة إلى الأكراد بأن "التنوع هو عنصر قوة نفخر به".
ويقال إن الشرع قاد جهودا لكسب زعماء الإسماعيلية وبالتالي تأمين دخول المقاتلين إلى المدن الرئيسية بدون قتال. ونقل الكاتب عن شيراز مهر، الخبير في الجماعات الجهادية بكينغز كوليج، "ما نراه هو أنه شخص تغير حقا، فهو في رحلة وقام في إدلب بتطوير عقيدة براغماتية".
ويرى الكاتب أن التحول في أفكار الشرع ليس مفاجئا، فقد انقلب ضد كل من القاعدة وتنظيم الدولة الإسلامية، وحارب مقاتلي الجماعتين وقام بعملية تطهير وحشية ضد أي شخص يشتبه بولائه المزدوج. وعلى الرغم من أنه قال مؤخرا إنه لا يندم على الاحتفال بهجوم القاعدة عام 2001 على الولايات المتحدة، إلا أن قلة من الناس يشكون في أن الزعيم السوري الجديد قد رفض حقا رؤية المتشددين لحملة عالمية، لا تقتصر على الوقت ولا المكان، ضد القوى الغربية أو غيرها من أعضاء ما يسمى التحالف الصليبي الصهيوني.
ويشير بعض الخبراء، حسب التقرير، إلى أن استخدام الجولاني كاسم حركي لم يكن يشير فقط إلى أن زعيم هيئة تحرير الشام، أو على الأقل عائلته، من مرتفعات الجولان، بل كان يعني أيضا التزاما شخصيا قويا بإنهاء احتلال إسرائيل لها. ويقولون إن التخلي عن الاسم يبعث برسالة، فهو مهتم الآن بالأمور المحلية والوطنية، إلى جانب تحقيق رفاه سوريا التي عانت وضربت وتعيش صدمة سنوات الحرب الأهلية.
وكانت الطريقة المثلى لتحقيق ذلك من خلال التحول المدروس في شخصيته وتخليه عن عمامته وملابس الجهاديين واستبدالها بزي عسكري بسيط خال من الرتب والميداليات الذهبية التي تزين صدور القادة بالمنطقة.
ويقول مهر إن النظام الذي سينشأ في سوريا لن يكون على شكل طالبان ولكن أقل وبالتأكيد لن يكون علمانيا، مشيرا للتحديات التي ستواجه النظام الجديد، وهي ضخمة.
ويعتقد محللون آخرون أن بعض كبار قادة "هيئة تحرير الشام" وأكثر مقاتلي الجماعة فعالية، ومن بينهم متطرفون قدامى من آسيا الوسطى، ما زالوا ملتزمين "بإيديولوجية جهادية أساسية"، على حد قول الصحيفة.
وأشارت الصحيفة أيضا إلى أن بعض المعلقين "يعتقدون أن أي اعتدال جديد هو مجرد تغيير في المظهر يخفي طموحات متطرفة، سواء محلية أو عالمية، على المدى الطويل، ويحذرون من أنه لا ينبغي للغرب ولا القوى الإقليمية أن تتخلى عن حذرها".
وسواء كان الشرع أم الجولاني، فقد كانت رسالته بمقابلة "سي أن أن": "لا تحكموا على الأقوال بل على الأفعال".