سياسة عربية

ما مكاسب "الحوثي" من هجماتها على السفن في البحر الأحمر؟

الحوثيون قطعوا طريق البحر الأحمر على السفن المتجهة للاحتلال- الأناضول
طرحت الهجمات التي تشنها جماعة "أنصار الله" (الحوثي) في اليمن، منذ نحو عام على السفن العابرة من باب المندب، حي ممر الملاحة الدولية والبحر الأحمر، في سياق تضامنها مع غزة، تساؤلات عدة عن المكاسب التي حققتها الجماعة من وراء ذلك.

وعلى الرغم من أن الجماعة اليمنية المدعومة من إيران تؤكد أن عملياتها ضد السفن المتجهة إلى دولة الاحتلال الاسرائيلي أو المرتبطة بها، إسناد لغزة التي تتعرض لحرب مدمرة للعام الثاني على التوالي، فإن تقريرا أمميا زعم "جني الحوثيين نحو 180 مليون دولار شهريا من وكالات شحن بحرية، مقابل عدم اعتراض سفنها التجارية في البحر الأحمر وخليج عدن".

وذكر التقرير السنوي الصادر عن لجنة الخبراء التابعة لمجلس الأمن الدولي في أكتوبر/ تشرين الأول، والذي تم الكشف عنه مطلع نوفمبر/ تشرين الثاني الجاري، أنه تلقى معلومات عن تنسيق وكالات شحن بحري مع شركة تابعة لقيادي حوثي رفيع المستوى، مضيفا أنه يتم إيداع الرسوم في حسابات مختلفة من خلال عمليات مصرفية وتسويات تنطوي على غسل الأموال القائم على التجارة.

 وقال : "تقدر المصادر مبلغ عائدات الحوثيين من الرسوم التي يفرضونها لقاء عمليات العبور الآمن غير القانونية هذه بحوالي 180 مليون دولار شهريا".

"فوائد مالية وعسكرية"
وفي السياق، يرى الكاتب والمحلل السياسي اليمني، عبدالعزيز المجيدي، أنه على المستوى الداخلي حصلت مليشيا الحوثي ـ حسب وصفه ـ بالتأكيد على مكاسب دعائية كشريك في دفع العدوان عن غزة، وهو الغطاء لدورها الإيراني في الملف.

وتابع المجيدي في حديث خاص لـ"عربي21" بأن أهم مكاسبها هو "أن هذه الأدوار منحتها القدرة على تجاوز إطارها كفاعل محلي إلى لعب دور إقليمي"..وقد ظهر ذلك جليا في العمليات العسكرية، سواء تلك التي استهدفت السفن أو تلك الموجهة للقدرات العسكرية للجماعة.

وأضاف أن هذه المكاسب انعكست أيضا في إبداء السعودية تقديرا أكبر للجماعة ومتابعة المشاورات لعقد صفقة سلام معها قد تكون على حساب حلفائها، وإن كان ذلك بدا جزءا من سياسة سعودية شاهدناها خلال الحرب من خلال تعمد إضعاف الشرعية وتفكيكها مع بناء مراكز نفوذ منقسمة، ما ساعد مليشيا الحوثي على الظفر بدور داخلي اكبر وتقوية مركزها.

وقال الكاتب المجيدي إن مليشيا الحوثي لم تباشر الانخراط تحت مسمى مساندة غزة إلا بعد أشهر من العدوان الوحشي على غزة، الذي جاء في سياق  أدوار رسمتها طهران لمليشياتها ضمن استراتيجية ملئ الفراغ العربي حيال القضية الفلسطينية وتوظيفه لخدمة أجندتها ومشاريعها الجيوسياسية في المنطقة.

كما أوضح أن إيران استخدمت دخول حزب الله اللبناني على خط العدوان على غزة لتحقيق مكاسب سياسية أو للحد من الخسارات من خلال دفع أي محاولة إسرائيلية أو أمريكية لضربها عسكريا بصورة مباشرة، مشيرا إلى أن طهران هي من منحت موافقتها لحزب الله لتوقيع اتفاق هدنة، ولا أظن أنها كانت بعيدة عن طاولة الترتيبات للاتفاق.

وفي كل الأحوال، وفق الكاتب والسياسي اليمني، "يتحول المال إلى هدف رئيس لمليشيا الحوثي، سواء في سعيها الداخلي أو الخارجي، فقد مارست أشكالا مختلفة غير أخلاقية لجباية المال على المستوى الداخلي من خلال فرض الفدى على المختطفين و مقايضتهم للإفراج عنهم".

وقال المجيدي: "يبدو أن هذا النهم للحصول على المال قد وظفته في عملياتها في البحر الأحمر لتحصل على أموال طائلة ضمن نشاط بدا أقرب لأعمال القرصنة، متابعا: "ولهذا بدت أعمال مليشيا الحوثي في البحر الأحمر مفيدة للجماعة سياسيا وماليا وربما عسكريا، من خلال مزاولة أنشطة عسكرية غير معهودة، وتقوية قوتها البحرية في ظل إضعاف أطراف الشرعية".

"تخلصت من السخط الشعبي"
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي اليمني، ياسين التميمي، إن الهجمات الحوثية في البحر الأحمر جاءت في إطار التزام حلف الساحات، الذي بنى نفوذه الإقليمي على أساس الممانعة والمواجهة مع إسرائيل والحلف الغربي الذي يقف وراءها.. فكان حلف الساحات مضطراً لتقديم الإسناد العسكري ضمن قواعد الاشتباك الذي يحول دون اندلاع مواجهة إقليمية شاملة.

وأضاف التميمي في حديث خاص لـ"عربي21"، أن الحوثيين الذين تصرفوا دون التقيد بهذه القواعد (للحلف الإيراني) بحكم موقعهم الجغرافي البعيد، كانوا أسرع أطراف حلف الساحات جنياً للأرباح المادية والسياسية والمعنوية.

وأشار إلى أن نشاط الجماعة العسكري "جاء ملبياً لحاجة ملحة للتخلص من موجة السخط الشعبية الناجمة عن سياساتهم الاقتصادية والمالية الكارثية التي عممت الحرمان بحق مئات آلاف الموظفين في الجهاز الحكومي المدني والعسكري بسبب عدم صرف المرتبات"، بالإضافة إلى سياسة فرض الجبايات، ومصادرة الممتلكات الخاصة والعامة، ومضايقة القطاع التجاري، وتكريس الشعور بالانسداد لدى اليمنيين الواقعين تحت سيطرة الجماعة.

وأكد الكاتب اليمني على أن هذا النشاط العسكري في البحر الأحمر "قد تحول إلى نقطة الاهتمام الرئيسية في أنشطة الجماعة"، وسرعان ما تحول إلى "ذريعة مناسبة لاستقطاب آلاف المقاتلين الذين تم الزج بهم في الجبهات، في وقت كان التحشيد يتم تحت عنوان إسناد غزة".

وحسب المحلل السياسي اليمني، فإنه لا يمكن التقليل من أهمية ما ورد في تقرير الخبراء بشأن "الفوائد المالية التي يجنيها الحوثيون جراء فرض إتاوات على السفن"، وقال أيضا، إن هذا الأمر يذكرنا بنشاط القرصنة الذي ساد لسنوات في خليج عدن بواسطة مسلحين صوماليين.

كما لفت التميمي إلى أن هذا الأمر أيضا، ربما ارتبط بخطوط الملاحة التجارية أو بالسفن التابعة لشركات تجارية وبعض الدول، وهو لاشك "يفرغ العملية العسكرية الحوثية الدعائية في جوهرها من مضمونها الأخلاقي المتصل بغزة، وحولها إلى وسيلة لبناء النفوذ وإحكام السيطرة على المجتمع".

"فرص سياسية واقتصادية"
من جهته، قال أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني، عبدالكريم غانم، إنه كما هو حال جماعة الحوثي في استثمار الأزمات وتحويلها إلى فرص سارعت الجماعة لاستغلال التعاطف الشعبي مع غزة، من خلال تدخلها الرمزي تحت عنوان "مساندة غزة"، رغم أن هذا التدخل لم يترتب عليه تأثير عسكري يذكر.

وأضاف غانم في حديثه لـ"عربي21" أن هذه الهجمات لم تؤذ أي جندي إسرائيلي، ولم تلحق أضرارًا تذكر بأي منشأة عسكرية إسرائيلية، وكل ما حدث هو ترميم صورة الحوثيين التي تعرضت للتشويه، جراء دورهم في تفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، وانتهاكاتهم لحقوق الإنسان، وامتناعهم عن دفع المرتبات وتوفير الخدمات الأساسية للمواطنين.

وأشار: "فبعد أن كانت جماعة الحوثي في مواجهة المطالب الشعبية في مناطق سيطرتها، قبيل حرب غزة، شكل التدخل العسكري الرمزي للجماعة في حرب غزة، واستهداف السفن في البحر الأحمر طوق نجاة لها، ومبررًا لاستمرار تدهور الوضع المعيشي للمواطن اليمني، بحجة مواجهة أمريكا وإسرائيل".

وتابع الاكاديمي اليمني بأنه تم إلهاء السكان في مناطق سيطرة الحوثي بمواجهة العدوان الإسرائيلي، ليس أكثر، إضافة إلى أن شعار الجماعة الذي كان مجرد صرخة، في نظر مؤيديها، صار شعارا قابلا للتصديق، وقدرة الجماعة على الحشد والتجنيد صارت أفضل من ذي قبل، لما تحظى به القضية الفلسطينية من أهمية محورية لدى المجتمع اليمني.

وحسب أستاذ علم الاجتماع السياسي اليمني، فإن القضية الفلسطينية وغزة لم تستفد من هجمات الحوثي بقدر ما شكلت "هذه الهجمات الحوثية التي رافقت حرب غزة فرصًا سياسية واقتصادية لجماعة الحوثي نفسها".

ومضى قائلا: "فعلى المستوى السياسي، استثمر الحوثيون هجماتهم على إسرائيل من خلال دفع المملكة العربية السعودية لاستئناف التفاوض معهم، وإبدائها الاستعداد لمنحهم المزيد من المكاسب مقابل التوقيع على (خارطة الطريق)".

 أما على المستوى الاقتصادي، "فقد فتحت هجمات الحوثيين ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن مصدرا جديدا للجبايات غير القانونية والتمويل غير المشروع أمام الحوثيين"، وفق للمتحدث ذاته

وفي الوقت الذي لم ترد الجماعة الحوثية على ما ورد في تقرير الخبراء الدوليين، لم ترد أيضا، على طلباتنا في التعليق على هذا الموضوع.

وتضامنا مع غزة التي تواجه حربا إسرائيلية مدمرة منذ 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، استهدف الحوثيون بصواريخ ومسيّرات سفن شحن إسرائيلية أو مرتبطة بها في البحرين الأحمر والعربي.

ومنذ 12  كانون الثاني/ يناير 2024، يشن تحالف تقوده الولايات المتحدة غارات يقول إنها تستهدف "مواقع الحوثيين" في مناطق مختلفة من اليمن، ردا على هجماتها البحرية، وهو ما قوبل برد من الجماعة من حين لآخر.