أكدت صحيفة "
ذا أوبزيرفر" أنه من المتوقع أن يكون لقرار المحكمة
الجنائية الدولية بإصدار مذكرات اعتقال رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي، ووزير حربه السابق يوآف
غالانت، بتهمة ارتكاب جرائم حرب في غزة، العديد من الآثار الضخمة على "إسرائيل" وفلسطين، وعلى العدالة الدولية والنظام العالمي القائم على القواعد الذي تعهدت المملكة المتحدة وحلفاؤها بدعمه.
وقال الصحيفة في افتتاحيتها الأسبوعية الأحد: إن "هذه المحاولة غير المسبوقة والضرورية والمحايدة فوق الوطنية لمقاضاة السياسيين الغربيين المنتخبين ديمقراطيا والمتهمين بارتكاب مخالفات جسيمة، تشكل اختبارا لا يجرؤ المجتمع الدولي على الفشل فيه".
وأضافت أن "رد فعل
نتنياهو على الاتهامات كان رفضها باعتبارها "سخيفة ومعادية للسامية وأن المحكمة الجنائية الدولية هيئة متحيزة ومسيسة، وأن أي قرار فاضح مناهض لإسرائيل لن يمنعه من الاستمرار في الدفاع عن إسرائيل بكل الطرق".
وأوضحت أنه "سيتعين على نتنياهو أن يفعل ما هو أفضل من ذلك، فهذه القضية لا تتعلق بمعاداة السامية عن بعد، إنها لا تتعلق بحق إسرائيل في الدفاع عن نفسها، وهو ما لا يجادل فيه أحد، بل إنها مسألة تتعلق بكيفية التعامل معها، والأمر يتعلق بالإفلات من العقاب والعدالة، ويتعين على نتنياهو وغالانت أن يستسلما طواعية للمحكمة ويدافعا عن قضيتهما".
وذكرت الصحيفة أن مذكرتي الاعتقال، بالإضافة إلى مذكرة أخرى بحق قائد كتائب القسام الجناح العسكري لحركة حماس، محمد الضيف، الذي تزعم "إسرائيل" أنها نجحت في اغتياله، ليست مفاجئة، فقد طلبها أولا المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، كريم خان، في أيار/ مايو بعد تحقيق طويل لم يتعاون فيه زعماء الاحتلال.
وأشار إلى أنه كان لدى نتنياهو وغالانت متسع من الوقت لتحدي الأدلة التي أدت إلى توجيه اتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بما في ذلك "القتل والاضطهاد وغير ذلك من الأعمال اللاإنسانية وجريمة الحرب المتمثلة في التجويع".
وكان بوسع نتنياهو أن يبادر ويقبل لجنة تحقيق مستقلة تابعة للدولة، لكنه عارض الفكرة، وربما يرجع ذلك إلى أن أي تحقيق من هذا القبيل من شأنه أن يفرض عليه فحص دوره في الإخفاقات الأمنية الكارثية في أحداث السابع من تشرين الأول/ أكتوبر 2023.
وأكدت الصحيفة أن "ادعاء إسرائيل بأن المحكمة الجنائية الدولية تفتقر إلى الاختصاص القضائي لا يصمد؛ فمثل الولايات المتحدة والصين والهند وروسيا، ليست إسرائيل طرفا في معاهدة روما التي أسست المحكمة، ولكن كما أشارت الدائرة التمهيدية للمحكمة الجنائية الدولية، فإنه تم الاعتراف بفلسطين كعضو في المحكمة في عام 2015، وتتركز التحقيقات ذات الصلة على الإجراءات المتخذة على الأراضي الفلسطينية".
وأضافت أنه "على نحو مماثل، فإن الاعتراضات على أن قضاة المحكمة الجنائية الدولية يخلقون "تكافؤا أخلاقيا" بين القادة الإسرائيليين وحماس هي في حد ذاتها غير أخلاقية. فالقاتل قاتل، بغض النظر عن وضعه أو سياسته أو أيديولوجيته".
وقالت في وقت سابق، إن المحكمة الجنائية الدولية تعرضت لانتقادات بسبب تركيزها الواضح على الزعماء الأفارقة، والآن أصبح الزعماء الغربيون في قفص الاتهام، فلا ينبغي أن يكون هناك تردد، ولا ينبغي لكل الضجيج والغضب الذي أحاط بإعلان أوامر الاعتقال أن يحجب القضية الأساسية، وهي ما إذا كانت القيادة والقوات المسلحة الإسرائيلية قد شرعت، رداً على أحداث تشرين الأول/ أكتوبر، التي قتل فيها عناصر حماس نحو 1200 إسرائيلي وأسروا نحو 250 رهينة، في شن حملة عسكرية غير متناسبة في غزة أسفرت عن قتل عشوائي وغير قانوني لنحو 44 ألف فلسطيني، معظمهم من المدنيين، وما زالت تتسبب في معاناة هائلة لمئات الآلاف غيرهم".
وأضافت: "يُزعم أن نتنياهو وغالانت يتحملان المسؤولية الجنائية عن هذه الحملة باعتبارهما شريكين في ارتكابها، فهل هذا صحيح أم لا؟ هذا هو السؤال الذي تطالب المحكمة الجنائية الدولية والعالم خارج إسرائيل بالإجابة عليه، وفي غياب حكم عادل وموثوق وملزم قانونا، فإنها لن تتحقق العدالة أبدا ــ وقد لا يتوقف القتل أبدا".
وبينت أن "أولئك الذين يخشون الحقيقة، أو يجدونها غير ملائمة سياسيا، يسرعون مع ذلك إلى محاولات تشويه سمعة المحكمة الجنائية الدولية، ومن المؤسف أن هجمات نتنياهو على المحكمة ومدعيها العام تكررت من قبل الساسة الإسرائيليين من جميع الأطياف".
وجاء في افتتاحية صحيفة هآرتس: "ربما كان المرء يأمل أن يثير إعلان المحكمة الجنائية الدولية تساؤلات محددة في إسرائيل حول أخلاقيات الحرب الجارية في غزة. ولكن للأسف، يرفض كل من الحكومة والرأي العام، بدعم من معظم وسائل الإعلام".
وأكدت الصحيفة البريطانية أن "الإنكار والاستثناء الإسرائيلي المتعمد يجد صدى في الولايات المتحدة، الحليف الوثيق للبلاد والمورد الرئيسي للأسلحة، فقد وصف الرئيس جو بايدن أوامر الاعتقال بأنها شائنة، ومرة أخرى، تتسع الفجوة بين مثل هذه التصورات المنحرفة والطريقة التي ينظر بها معظم بقية العالم إلى حرب غزة".
ولم تدعم الولايات المتحدة المحكمة الجنائية الدولية قط - إلا عندما تفعل أشياء توافق عليها، مثل توجيه اتهامات جرائم الحرب ضد الرئيس الروسي فلاديمير بوتن والزعيم السوداني السابق عمر البشير، والواقع أن الأمريكيين يخشون أن تكثف المحكمة تحقيقاتها في أفعالهم في العراق وأفغانستان.
ومن المتوقع أن يحمي دونالد ترامب نتنياهو و"إسرائيل" بمجرد توليه منصبه، فقد هاجم المحكمة الجنائية الدولية مرارا وتكرارا، وفي عام 2020، فرض عقوبات تستهدف مسؤولي المحكمة وأسرهم، وحتى بين الدول الـ 124 الموقعة على معاهدة روما، سيكون هناك من يتراجع عن موقفه.
وفي أوروبا تماطل ألمانيا في إبداء موقفها، بينما وعد رئيس وزراء المجر فيكتور أوربان بفرد سجادة حمراء لنتنياهو إذا أراد الزيارة. وعن هذا قالت الصحيفة إن ذلك "غير مقبول، وفي السنوات الماضية، تعرضت المحكمة الجنائية الدولية لانتقادات كثيرة لأنها تبدو وكأنها تركز جهودها على الزعماء الأفارقة فقط، والآن بعد أن أصبح الزعماء الغربيون في قفص الاتهام، فلا ينبغي أن يكون هناك تردد، وقد يعتمد التزام البلدان النامية في المستقبل بمجموعة مشتركة من القواعد والقوانين العالمية على هذه القضية.. والعالم يراقب".
وختمت الصحيفة بأن مسؤولية خاصة تقع في هذا الصدد على عاتق
بريطانيا، التي ساعدت في إنشاء المحكمة الجنائية الدولية عندما كان روبن كوك من حزب العمال وزيرا للخارجية، وكان ذلك إنجازا مهما وقيما لا ينبغي تقويضه الآن.
وأكدت أنه يتعين على كير ستارمر أن يوضح بشكل قاطع لا لبس فيه أنه إذا اتخذ نتنياهو أو غالانت خطوة واحدة على الأراضي البريطانية، فسيتم اعتقالهما وتسليمهما إلى المحكمة لمحاكمتهما، قائلة إنها "ليست سياسة.. إنها ليست مسألة شخصية.. إنها العدالة".