كشف الأكاديمي
والخبير الإعلامي مايك بيري عن الانحياز وعمليات شرعنة الإبادة الجماعية على يد
قوات الاحتلال الإسرائيلي في
غزة.
وأكد عضو هيئة
التدريس في كلية الصحافة والإعلام والدراسات الثقافية بجامعة كارديف البريطانية، أن
المؤسسات الإعلامية الأوروبية تتستر على مرتكبي جرائم الإبادة في غزة، عبر نشر معلومات
مضللة ودعاية لـ"إسرائيل"، بل إنها تحاول إضفاء الشرعية على جرائم الحرب والجرائم
ضد الإنسانية التي ترتكبها، وتتجاهل أي تصريح يدينها.
وقال بيري، بحسب
وكالة الأناضول، إن أبحاثه عن الأخبار المنشورة في الغرب منذ بدء الحرب
في 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، تؤكد انحياز وسائل الإعلام الغربية في تعاملها مع الصراع.
وأضاف أن
"بعض الكلمات العاطفية مثل ’القتل’ و’المذبحة والوحشية’ كثيرا ما يستخدمها الصحفيون
لوصف مقتل إسرائيليين، ولكنهم لا يستخدمونها أبد لوصف مقتل الفلسطينيين".
وتابع: "كثيرا
ما يصور الصحفيون أحداث 7 أكتوبر 2023 على أنها هي التي أشعلت الصراع، وهو ما يعترض
عليه الفلسطينيون بشكل واضح، لأنهم يرون أنفسهم الجانب الذي يتعرض لعنف إسرائيل منذ
عقود طويلة".
وفي ذلك اليوم،
هاجمت حركة حماس قواعد عسكرية ومستوطنات بمحاذاة غزة، فقتلت وأسرت إسرائيليين؛ ردا على
"جرائم الاحتلال اليومية منذ عقود بحق الشعب الفلسطيني ومقدساته، ولا سيما المسجد
الأقصى"، وفق الحركة.
وأردف الأكاديمي
البريطاني أن وسائل الإعلام الغربية تتجاهل السياق التاريخي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي.
وأوضح أن
"البحث الأولي لأحداث 7 أكتوبر يظهر أن وسائل الإعلام الغربية لم تتطرق إلى حصار
غزة المستمر منذ 17 عاما، أو إلى احتلال إسرائيل للأراضي الفلسطينية منذ 57 عاما، واللذين
كانا من أهم الأسباب وراء هجمات 7 أكتوبر".
"أمثلة فاضحة"
ومن الممكن تتبع
الموقف المؤيد لـ"إسرائيل" في الأخبار التي تنشرها المؤسسات الإعلامية الرائدة
في دول أوروبية عديدة.
فبينما تصف صحيفة
"الغارديان" البريطانية ومجلة "الإيكونوميست" هجوم حركة حماس بأنه
"دموي" و"متعطش للدماء"، فإنهما تتجنبان استخدام مثل هذين التعبيرين في
وصف هجمات "إسرائيل" على غزة.
ومنذ 7 تشرين
الأول/ أكتوبر 2023، تشن "إسرائيل" بدعم أمريكي مطلق حرب إبادة جماعية على
غزة، أسفرت عن 143 ألف شهيد وجريح فلسطينيين، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على الـ10
آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين، في إحدى أسوأ الكوارث
الإنسانية بالعالم.
وتصف "الغارديان"
الهجمات الإسرائيلية على غزة بأنها "عملية عسكرية"، فيما تعتبر أي رد من حركة حماس "هجوما إرهابيا".
وفي 16 تشرين
الأول/ أكتوبر 2023، نشرت قناة "دويتشه فيله" الحكومية الألمانية على موقعها
الإلكتروني مقالا بقلم كلير روث، تحت عنوان "ما الأفعال التي تعتبر جرائم حرب؟"،
زعم فيه أن هجمات "إسرائيل" لا يمكن اعتبارها "جرائم حرب".
وفي حين أن مؤسسات
إعلامية دولية، مثل "بي بي سي"، تقول عن إسرائيليين "قُتلوا"،
فإنها تستخدم كلمة "أموات" للقتلى الفلسطينيين.
وتصور "بي
بي سي" الصراع الإسرائيلي-الفلسطيني على أنه "نزاع ثنائي"، ونادرا
ما تسلط الضوء على واقع الاحتلال الإسرائيلي.
كما أنها تصف المستوطنات
في الضفة الغربية المحتلة بأنها "مناطق متنازع عليها"، وتتجاهل حقيقة أنها
غير قانونية بموجب القانون الدولي.
"نهج تشكيكي"
وتزعم وسائل الإعلام
الغربية أن "حماس" هي التي تقود وتسيّر المؤسسات الفلسطينية، مثل وزارة الصحة في غزة.
ويُظهر تصريح الرئيس
الأمريكي جو بايدن، الذي قال فيه إنه "لا يثق بالأرقام التي يعلنها الفلسطينيون
(للقتلى والجرحى)"، أن هذا النهج التشكيكي معتمد ويستخدمه السياسيون ووسائل الإعلام.
وعلى إثر هذا التشكيك
المتعمّد، فقد بدأت وزارة الصحة في غزة بنشر قائمة مفصلة بأسماء الشهداء.
وبينما تتضمن تقارير
وسائل الإعلام الغربية معلومات دقيقة ومفصلة عن القتلى والجرحى في "إسرائيل"، فإنه يتم تقديم الضحايا الفلسطينيين غالبا في هيئة إحصاءات وأرقام فقط.
وردا على هذا النهج
الذي يستهدف إيجاد تعاطف مع الإسرائيليين وتجريد الفلسطينيين من إنسانيتهم، أطلق شبان
في غزة مبادرة بعنوان "لسنا أرقاما"، بهدف نقل حياة الفلسطينيين اليومية
ومعاناتهم إلى العالم.
ويؤكد مراقبون
وخبراء إعلام أن موقف الصحافة الغربية هذا يؤدي إلى إخفاء الأبعاد الحقيقية للصراع
وانتهاكات حقوق الإنسان التي يتعرض لها الفلسطينيون، عن الرأي العام في
أوروبا.
ضغوط على إعلاميين
واستقال الصحفي
الإيطالي رافائيل أورياني من صحيفة "لا ريبوبليكا"، وانتقد سياستها التحريرية
بقوله إن "هذه المذبحة (الإسرائيلية بحق الفلسطينيين في غزة) لها حماية إعلامية
تجعلها ممكنة. نحن من نوفر هذه الحماية".
فيما جرى فصل إعلاميين
أعربوا عن دعمهم لفلسطين أو انتقدوا "إسرائيل"، منهم مراسل لدى "بي
بي سي" كتب منشورات مؤيدة للفلسطينيين على وسائل التواصل الاجتماعي.
وفصلت "دويتشه
فيله" إعلاميين انتقدوا تصرفات "إسرائيل"، وطالبت موظفيها بدعم ما تزعم
أنه "حق إسرائيل في الوجود".
ووفق خبراء فإنه
رغم تجاوز عدد الصحفيين الذين قتلتهم "إسرائيل" في غزة الـ170 صحفيا، فإن وسائل
الإعلام الغربية لم تتفاعل بشكل كافٍ مع هذا الوضع.
وكشفت مداهمة القوات
الإسرائيلية لمكاتب قناة "الجزيرة" القطرية في الضفة الغربية وإغلاقها عن
بُعد آخر للعنف الإسرائيلي ضد العاملين في مجال الإعلام.
وتواصل "تل أبيب" حرب الإبادة متجاهلة قرار مجلس الأمن الدولي بإنهائها فورا، وأوامر محكمة العدل الدولية
باتخاذ تدابير لمنع أعمال الإبادة الجماعية وتحسين الوضع الإنساني الكارثي بغزة.
وتتحدى "إسرائيل"
طلب المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية كريم خان إصدار مذكرتي اعتقال بحق رئيس
وزرائها بنيامين نتنياهو ووزير حربها يوآف
غالانت؛ لمسؤوليتهما عن جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في غزة.
وحوّلت "تل أبيب" قطاع غزة إلى أكبر سجن في العالم، إذ إنها تحاصره للعام الـ18، وأجبرت حرب "الإبادة
الجماعية" نحو مليونين من مواطنيه البالغ عددهم حوالي 2.3 مليون فلسطيني، على
النزوح في أوضاع كارثية، مع شح شديد ومتعمد في الغذاء والماء والدواء.