سياسة عربية

عام على طوفان الأقصى | كيف تغلب سكان غزة على المصاعب؟

سكان غزة لجأوا إلى وسائل تقليدية للتنقل وقضاء احتياجاتهم بسبب انعدام مقومات الحياة- جيتي
مر على سكان قطاع غزة سنة كاملة من الإبادة الجماعية الإسرائيلية والظروف الكارثية التي لم تقتصر على القتل والإصابات وسط تعطل شبه تام للمنظومة الصحية، إنما أيضا مع انقطاع سبل العيش الأساسية.

وتسببت الحرب حتى الآن بأكثر من 137 ألف شهيد وجريح معظمهم من الأطفال والنساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، بينما يعيش نحو مليوني فلسطيني في ظروف إنسانية غير مسبوقة بدون مأوى حقيقي ولا ماء نظيف أو كهرباء أو اتصال بالإنترنت، إضافة إلى انعدام شبه تام للوقود والمواصلات والمواد التموينية ومختلف الحاجيات الأساسية.

وطوال سنوات من الحصار المستمر من عام 2007 على قطاع غزة، واجه الفلسطينيون مختلف هذه الأزمات بشكل منفرد وبشدة متفاوتة وأوجدوا لها العديد من البدائل، إلا أن الحرب الحالية جمعتها ضمن أزمة إنسانية واحدة كبرى.




"مرت سنة"

يقول أبو فادي (55 عاما) الذي أمضى الأشهر الأولى من الحرب كأسير لدى الاحتلال بعد احتجازه والتنكيل به برفقة المئات من العمال الفلسطينيين الذين كادوا داخل الأراضي المحتلة، إن "هذه الحرب وأيامها الأولى تبدو كأنها منذ ألف سنة مضت".

ويضيف أبو فادي لـ"عربي21" أن ما يعرفه عن الحياة الطبيعية يبدو بعيدا جدا في ذاكرته ويعود لما قبل السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، نظرا إلى أن آخر زيارة لغزة كانت قبل ذلك بأسبوعين، وقال: "نسيت تفاصيل بيتي ورائحته والجيران وكل شيء له علاقة بالبيت".

ويكشف أنه "بعدما خرجت من الاعتقال وصلت إلى مدينة رفح والتقيت بعائلتي التي نزحت من غزة، وكانت تلجأ إلى إحدى المدارس، بدأت من الصفر، شعرت أني في عالم مواز، كل شيء غير موجود حتى ما يُلبس في القدم أعزكم الله".

ويوضح أنه "رغم الشعور بأن ما قبل الحرب من زمن بعيد جدا، إلا أن الأيام تمر بسرعة كبيرة غير معقولة، تبدأ من الصباح بتدبير ما يمكن إشعال النار به من حطب أو كراتين أو شيء قابل للاشتعال، ثم بإعداد العجين وعملية الخبز، وشراء حاجيات والمشي لمسافات طويلة".

ويبين أن "هذه العملية تأخذ فترة من الصباح حتى ما بعد الظهر، بعد ذلك نخرج لنسعى على أي عمل نوفر فيه قوت عملنا، سواء بيع بعض الحاجيات الزائدة عن الحاجة أو البحث عن مؤسسات توزع مساعدات إنسانية".




"بسطة طاقة"

يقول أحمد (32 عاما) والذي كان يعمل في مجال شبكات الإنترنت المحلية (شبكات خاصة يتم تمديدها عبر أعمدة الكهرباء بخلاف الشركات الرسمية) أنه بعدما نزح من مدينة غزة وخسر فرصة عمله فقد عمل على شراء لوح للطاقة الشمسية كمصدر دخل جديد له ولعائلته.

ويضيف أحمد لـ"عربي21" إن لوح الطاقة الذي كان سعره بسيط ما قبل الحرب أصبح سعره يتجاوز الثلاثة آلاف شيكل حاليا (800 دولار) بعدما عمل الاحتلال على تعمد استهداف هذه الألواح المثبتة على أسطح المنازل ومختلف المنشآت.

ويشرح أن عمله الحالي يتمثل في توفير إمكانية شحن الهواتف النقالة وأجهزة الكومبيوتر وبعض البطاريات والكشافات، وذلك مع وسط عيش سكان قطاع غزة لعام كامل بدون كهرباء، ومع شبه انعدام الوقود من أجل تشغيل مولدات الكهرباء الصغيرة.

ويوضح أحمد أن عمله يبدأ مع أولى لحظات ظهور ضوء الصباح وتوافد النازحين من أجل شحن هواتفهم والبطاريات التي يستخدمونها للإضاءة ليلا، قائلا: "نفس لوح الطاقة أخدمه كمظلة من الشمس الحارقة طوال فترة الظهر، حيث يضطر للبقاء بالقرب من الأجهزة التي يقوم بشحنها".

ويضيف أن أسعار الشحن تتفاوت بحسب نوع الجهاز المراد شحنه وسعة بطاريته، إلا أن كل الأسعار تتفاوت ما بين 2 إلى 6 شواكل ( نصف دولار إلى دولار ونصف)، قائلا إن ما يجنيه من دخل يومي بالكاد يكفي لسد احتياجات عائلته الأساسية من طعام وشراب.




"مواصلة العمل"

تكشف دانة (36 عاما) أنها واصلت عملها كمصممة غرافيك خلال الحرب المستمرة منذ سنة كاملة من التحديات المتخلفة التي تواجه أي عمل له علاقة بالتقنية والتكنولوجيا، مؤكدة أن مواصلة العمل ضرورة ليست لأي شيء آخر له علاقة بالتحقق، إنما لتوفير دخل أساسي لأسرتها في ظل الحرب.

وتقول دانة لـ"عربي21" إنها تعمل على مغادرة خيمتها في وقت مبكر في الصباح من أجل التوجه إلى "مساحة عمل"، وهي مكان متواضع يتوفر فيه اتصال إنترنت إمكانية شحن جهاز الكمبيوتر المحمول الخاص بها.

وتضيف: "أنا أعمل مع زبائن وعملاء من مختلف أنحاء الوطن العربي، سواء في مجالات التعليم أو التسويق أو حتى التغذية والعناية بالبشرة.. أشعر لساعات قليلة في اليوم بالانفصام والانفصال عن الواقع وكيف أن العالم يمضي بحياته ونحن نموت كل يوم".

وتشير إلى أنها مضطرة لمواصلة العمل مع هذه الجهات حتى لو كانت منفصلة عن فلسطين أو التضامن معها، وذلك فقط من أجل ضمان الحصول على دخل شهري يعينها على الصمود في قطاع غزة، وسط الغلاء الكبير في أسعار المنتجات السلع الأساسية بفعل الحصار الإسرائيلي.




"طفلة بوظيفة جديدة"

تكشف زينة (10 أعوام) أن وظيفتها الأساسية يوميا هي ترقب وصول المياة إلى المنطقة التي تنزح عائلتها فيها، سواء المياه الصالحة للشرب أو حتى المياه العادية غير المنقاة المستخدمة في الغسيل ودورات المياه.

تقول زينة لـ"عربي21" إن هناك "كارات (عربات يجرها حمار أو حصان) تبيع المياه الصالحة للشرب تبدأ تتجول من حين إلى آخر في الشوارع، وأن وظيفتها هي رصدها والركض نحولها من أجل تعبئة غالون ثمنه شيكلان أو 3 شيكلات (نصف دولار).

وتضيف أن وجود هذه العربات يوفر جهد المشي لمسافة طويلة من أجل تعبئة المياه من بعض الأماكن المخصصة لذلك، وطبعا توفير جهد حمل هذه المياه في طريق العودة مرة أخرى إلى مكان نزوح عائلتها.