قال المفاوض الإسرائيلي السابق، دانيال ليفي، "إن الدبلوماسية الأمريكية في
غزة فاشلة، وكل ما تقوم به هو تقوية نتنياهو الذي يفضّل استمرار الحرب وليس التوصل إلى صفقة"، وذلك عبر مقال، نشرته صحيفة "
الغارديان" البريطانية.
وتابع ليفي: "لا تزال إدارة بايدن في مرحلة مكثفة من النشاط الدبلوماسي في
الشرق الأوسط، ولمنع اندلاع حرب إقليمية ومواصلة جهودها متفائلة بالتوصل إلى صفقة في غزة".
وأضاف عبر
المقال نفسه، الذي ترجمته "عربي21" أنه "بعد الجولة الأخيرة من عمليات القتل الإسرائيلية خارج القانون، في بيروت وطهران، والتبادل المكثف في إطلاق النار بين حزب الله وإسرائيل؛ بدا أن المنطقة تتّجه نحو الحرب الشاملة، ومنع هذا هو في حدّ ذاته قضية جديرة بالاهتمام".
"في ظل الحملات الانتخابية السياسية التي ينتهجها الديمقراطيون تجاه غزة، إسرائيل والشرق الأوسط وأثر هذا على صناديق الاقتراع في الولايات الرئيسية، هناك أسباب سياسية ملحّة لتجنّب الإدارة الديمقراطية المزيد من الحرب والسعي إلى تحقيق اختراق دبلوماسي" يسترسل المفاوض الإسرائيلي السابق.
وأبرز أنّ التصدي للانتقادات السياسية المحلية، كان من خلال التعويل على صفقة أثناء المؤتمر الديمقراطي الذي عقد هذا الشهر في
شيكاغو، وسوف تظل هناك حاجة إلى هذه الأداة حتى الخامس من تشرين الثاني/ نوفمبر. مشيرا إلى أن "فريق بايدن يحاول التصدّي لثلاثية صعبة، أولها هو بذل إدارة بايدن الجهود لردع محور إيران من القيام برد على هجمات إسرائيل الأخيرة على طهران وبيروت".
وأردف: "لا شك أن جو بايدن يرغب بتحقيق صفقة لوقف إطلاق النار، وهو ما تفضل إيران عدم حدوث تغيير فيه، وشراء الوقت في نفس الوقت لحشد القوات العسكرية الأمريكية بالمنطقة كورقة نفوذ ضد إيران؛ فيما تحاول الولايات المتحدة، وهي الحليف الرئيسي لإسرائيل في المنطقة، استعادة قوة الردع وحرية القيام بعمليات عسكرية بعدما انحرف ميزان القوة ضدها بسبب النزاع الحالي".
"ثانيا، تريد إدارة بايدن الوصول إلى يوم الانتخابات بإنجازات إيجابية ووقف الحرب المثيرة للانقسام أو التداعيات الناجمة عنها، أو على الأقل تجنب مزيد من التصعيد الذي يهدد المنطقة بشكل عام ويجبر الولايات المتحدة للدخول من أجل الدفاع عن إسرائيل" يضيف المتحدث نفسه.
وتابع: "ثالثا، وعلى نحو أكثر تخمينا، ربّما رغبت إدارة بايدن بوضع نهاية للدمار الوحشي وقتل المدنيين الفلسطينيين في غزة والتصدي للأزمة الإنسانية والعذاب الجهنمي الذي مارسه الإسرائيليون على غزة وعائلاتها. وعليه فوقف إطلاق النار قد يجلب المنفعة لأمريكا ويجنبها مزيدا من الضرر على مصالحها وسمعتها بسبب الغطاء السياسي الذي قدمه بايدن لإسرائيل واستمراره بإرسال الأسلحة إليها طوال هذه الحرب".
واستدرك أنه: "لو استطاعت إدارة بايدن تحقيق هدفين من الثلاثة، فإنّها تكون حققت إنجازا مقبولا. فقد أصبح تحقيق هذا الهدف سهلا لأن إيران ومحور المقاومة يرفضان الوقوع في فخ الحرب الشاملة"، مؤكدا في الوقت نفسه، أنه: "يظل الفشل في تحقيق وقف إطلاق النار، يعني تداعي كل شيء واستمرار المنطقة على درجة الغليان".
وأوضح: "ستجد الإدارة الأمريكية صعوبة في الحفاظ على مستويات خفض التوتر والهدوء السياسي الداخلي، حالة انهارت محادثات وقف إطلاق النار وبخاصة في ظل التوقعات العالية التي تحدثت عنها الإدارة"، مشيرا إلى "الدفعة الدبلوماسية الأمريكية غير المرتبة والمخادعة أو كليهما".
ويضيف أن "إنهاء المعاناة الإنسانية وإعادة الأسرى الإسرائيليين لدى حماس، هما بلا شك، سبب كاف لبذل كل الجهود الممكنة لتحقيق وقف إطلاق النار. لكن إدارة بايدن كانت عاجزة بشكل لا يصدق عن التعامل مع الفلسطينيين على قدم المساواة بنفس الطريقة الإنسانية واحترام الكرامة التي عاملت فيها اليهود الإسرائيليين، وهو أحد الأسباب التي جعلت هذا الأمر يؤثر بشكل سيئ للغاية على قاعدة الناخبين الديمقراطيين".
إلى ذلك، يعتقد ليفي أن "القُصور المذهل في نهج إدارة بايدن، والتي فاقمتها مهمة وزير الخارجية، أنطوني بلينكن الأخيرة، لها عواقب وخيمة وتستحق النظر والتفكيك"، مضيفا أنه "كان ينبغي أن تدق أجراس الخطر عندما أعلن بلينكن في مؤتمره الصحافي الأخير في القدس، أن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، قبل المقترح الأمريكي لـ "ردم الهوة"".
"بعد ذلك أعلن نتنياهو أن أمرا كهذا لم يحدث. واتضح بعد ساعات أن المفاوض الإسرائيلي الرئيسي، نيتزان ألون، لن يشارك في المفاوضات احتجاجا على تقويض نتنياهو الصفقة" أوضح ليفي، مسترسلا: "تبع ذلك قيام كبار المسؤولين الأمنيين الأمريكيين والإسرائيليين بالحديث مع الصحافة دون الكشف عن هويتهم، قائلين إن نتنياهو يمنع التوصل إلى اتفاق. وتم التوصل إلى استنتاجات مماثلة ونشرتها المنتديات الرئيسية التي تمثل أسر المحتجزين الإسرائيليين".
وأضاف: "في زيارته التاسعة لإسرائيل منذ هجوم السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، فشل بلينكن مرة أخرى، ليس فقط في التوسط بين إسرائيل وحماس، بل وحتى في سد الفجوات بين المعسكرات المتنافسة داخل إسرائيل"، مفيدا أن "رفض الولايات المتحدة التعامل بجدية مع مواقف حماس التفاوضية المشروعة، وأنها يجب أن تكون جزءا من الصفقة التي توافق عليها الولايات المتحدة ظاهريا من حيث الجوهر، مثل الانسحاب الإسرائيلي الكامل ووقف إطلاق النار الدائم، مما أدى إلى الحكم على المحادثات التي تقودها الولايات المتحدة بالفشل المتكرر".
ويرى الكاتب أن "إعادة صياغة المقترحات الإسرائيلية وتقديمها على أنها موقف أمريكي، وترك آثاره السلبية، ولا يجعله جذابا. كما لن يؤدي ذلك إلى إحراز أي تقدم، بل إنه لا يستطيع حتى الحفاظ على تأييد إسرائيل نظرا لتغيير نتنياهو المستمر لأهدافه لتجنب التوصل إلى اتفاق".
ويتابع ليفي أن "حقيقة عدم تمتّع الولايات المتحدة بأي مصداقية كوسيط هي مشكلة في حد ذاتها. وحقيقة أنها تآمرت لجعل مساهماتها ليس فقط غير فعالة بل وأيضاً عكسية الإنتاج هي أمر مدمر".
وفي السياق ذاته، وصف إيتمار آيشنر، وهو المراسل الدبلوماسي لصحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية، زيارة بلينكن بأنها "كشفت عن سذاجة وعدم حرفية، بل وكانت تخريبا فعليا للاتفاق من خلال التحالف مع نتنياهو"؛ فيما يرى ليفي أن "أسلوب تعامل الحكومة الأمريكية مع نتنياهو معروف، ويقع في المجال الذي يفضله".
ويضيف: "يعرف نتنياهو أنه منتصر حالة إقناعه الوسيط الأمريكي ودفعه للوم الجانب الفلسطيني، مهما كانت الحقائق، سواء كان عرفات أثناء أوسلو وحماس الآن. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة غيّرت اقتراحها الخاص لاستيعاب نتنياهو الذي لا يزال ينأى بنفسه عن الشروط ويتعرّض للضغوط من جانب مؤسسته الدفاعية، إلا أن بايدن وكبار المسؤولين الأمريكيين يواصلون حملتهم التضليلية العامة التي تزعم أن حماس وحدها هي المشكلة ويجب الضغط عليها".
وقال ليفي إن "الحكومات الأمريكية التي تشعر بإحباط من نتنياهو، تعمل على تقويته في الداخل. وكان الخط الأساسي لنتنياهو ومنذ بداية الحرب الحالية، هو أنه في حين توجد ضغوط داخلية لتأمين صفقة، وبالتالي استعادة الأسرى ووقف الحرب، فإن الجانب الآخر من هذا هو الموقف الأكثر شؤما، هو أن الصفقة لو حدثت فستقلب الائتلاف الحاكم المتطرف لنتنياهو وتجلب نهاية لأهم درع صنعه لنفسه سياسيا: عباءته المزعومة كزعيم إسرائيل الذي لا غنى عنه في زمن الحرب".
وأكد أن "نتنياهو يتبنّى نهجا أيديولوجيا لتهجير الفلسطينيين وسلب حقوقهم، إلى جانب جر الولايات المتحدة وبنشاط إلى صراع إقليمي مع إيران. ويتمثّل هدفه السياسي على الأمد القريب بالحفاظ على حرب مفتوحة يمكن أن تستوعب درجات متفاوتة من الشدة، ولكن ليس التوصل إلى اتفاق".
واستفسر ليفي، "من أين ينتهي التغيير في نهاية المطاف؟ ففي ظل التوترات الحالية، قد تندلع حرب إقليمية شاملة، فإلى جانب المخاطر والخسائر التي قد تترتب على ذلك، فإن اندلاع حرب أوسع نطاقا إلى دفع خارجي أكثر جدية نحو التوصل إلى وقف شامل لإطلاق النار".
"إن السياسة الائتلافية الإسرائيلية قد تضع نتنياهو في مأزق أيضا، نظرا للتوترات بين حلفائه في الحكم، وخاصة مع الأحزاب الأرثوذكسية المتطرفة بشأن قضية التجنيد العسكري. مع أن الطريقة الأكثر أمانا لتهدئة التوتر في المنطقة وإنهاء أهوال غزة لا تزال تتمثل في استخدام النفوذ الأمريكي بطرق ذات مغزى" استرسل ليفي.
وختم بالقول: "أي من خلال الضغوط والعقوبات القانونية والسياسية والاقتصادية، وبخاصة حظر الأسلحة. وفي المحصّلة فإن نتنياهو مدفع لا يمكن التحكم به، وليس لكامالا هاريس مصلحة في إعادة حشوه بالذخيرة وقبل عشرة أسابيع من الانتخابات".