تصنف معظم
الأحزاب السياسية التركية على أنها أحزاب "جماهيرية"
لا أيديولوجية، بما يعني أن هوية هذه الأحزاب وشروط عضويتها ليست مرتبطة
بأيديولوجيا معينة، وإن كانت متأثرة ببعضها أو أقرب لإحداها. ويعني ذلك أن هذه
الأحزاب تضم بين جنبيها وفي عضويتها عدة تيارات سياسية و/أو فكرية، وليست نسيجا
واحدا متناغما. ينطبق ذلك مثلا على أكبر حزبين في البلاد، حزب العدالة والتنمية
الحاكم وحزب الشعب الجمهوري؛ أكبر أحزاب المعارضة.
الاستثناءات التي يمكن ذكرها لهذه القاعدة العامة قليلة، يأتي في مقدمتها
الأحزاب الإسلامية مثل السعادة وبدرجة أقل الرفاه مجددا؛ حديث التأسيس، والأحزاب
القومية مثل الحركة القومية، بينما يمكن النظر لباقي الأحزاب على أنها أحزاب
جماهيرية تخاطب الكل التركي وليس شريحة أيديولوجية معينة، مثل حزبي الديمقراطية
والتقدم والمستقبل وحتى حزب الجيد المنشق عن الحركة القومية، بل كذلك الأحزاب
"الكردية" اليسارية التي تضم تقليديا القوميين الأكراد الأقرب للعمال
الكردستاني، وكذلك تيارات يسارية تركية وآخرين.
ولذلك، فإن ظاهرة الانتقال من حزب لآخر حاضرة في الحياة السياسية التركية
بشكل كبير ومتكرر، وخصوصا بين الأحزاب الشبيهة أو القريبة لبعضها البعض، بينما
يندر أن تكون هناك انتقالات من حزب لنقيضه السياسي والأيديولوجي. ولعل فترات
الانتخابات، ما قبلها وما بعدها، هي الفترات الأكثر خصوبة بالنسبة لـ"موسم
الانتقالات" بين الأحزاب، حيث يستقيل الكثيرون من أحزابهم للانتقال لأحزاب
أخرى،
ظاهرة الانتقال من حزب لآخر حاضرة في الحياة السياسية التركية بشكل كبير ومتكرر، وخصوصا بين الأحزاب الشبيهة أو القريبة لبعضها البعض، بينما يندر أن تكون هناك انتقالات من حزب لنقيضه السياسي والأيديولوجي. ولعل فترات الانتخابات، ما قبلها وما بعدها، هي الفترات الأكثر خصوبة بالنسبة لـ"موسم الانتقالات" بين الأحزاب
وتنشط الأحزاب السياسية -ضمن حملاتها الانتخابية- لضم أكبر عدد ممكن من
السياسيين والناشطين في أحزاب أخرى إليها، كجزء من الحملة الانتخابية والإيحاء
بأنها قوية ومنتشرة ومرغوبة من الجميع.
ولعل حزب العدالة والتنمية، بما هو حزب مستمر في حكم
تركيا منذ 2002، صاحب
حصة الأسد من هذه الانتقالات، وهو أمر منطقي ومتوقع في ظل المعادلات السياسية
والحزبية في البلاد، وأهمية الاستحقاقات الانتخابية عموما.
مؤخرا، وخلال احتفاله بذكرى تأسيسه الـ23، انضم لحزب العدالة والتنمية
(المؤسَّس في 14 آب/ أغسطس 2001) نائبان برلمانيان و13 رئيس بلدية في عموم البلاد
(
بلديات فرعية أو أحياء في المدن الكبرى)، وهو أمر أثار جدلا واهتماما واسعين، لا
سيما وأنه يأتي بعد الانتخابات المحلية التي تراجع فيها الحزب للمركز الثاني للمرة
الأولى في تاريخه، ما أنعش تقييمات تراجع حضوره وشعبيته وطرح علامات استفهام حول
مستقبله.
والحقيقة أن موضوع انتقال نواب
البرلمان أو رؤساء البلديات أو غيرهم من
السياسيين من حزب لآخر له عدة أسباب مرتبطة بالشخصيات والأحزاب السياسية في آن
معا، وأهمها:
أولا، الخلافات مع الأحزاب وقياداتها. ولا فرق هنا بين الخلافات الحقيقية
على الرؤى والبرامج والخطاب والممارسة السياسية وخياراتها ومنظومة التحالفات، وبين
الخلافات المدّعاة للتغطية على الأسباب الحقيقية. ومن المهم الإشارة إلى أن هذا
السبب ليس مقتصرا على فترات الانتخابات وإنما يحصل في أيِّ وكلِّ وقت.
ثانيا، حسابات المصالح والسعي للمناصب، وهو السبب الأكثر حضورا في
الانتقالات المقصودة، إذ ينتقل السياسي عادة لحزب يضعه في وضع أفضل مما كان عليه
في حزبه السابق، فيرشحه (هو أو أحد أقاربه) لانتخابات ما أو يعينه في منصب رفيع في
هيئات الحزب القيادية أو غير ذلك. ولا يمنع هنا أن تلتقي حسابات المصالح والمناصب
في الحزب الجديد المنتقل إليه مع خلافات في الحزب السابق المنتقل منه. كما أنه من
المنطقي والمتوقع أن تكون الأحزاب المنتقل إليها أقوى وأكثر حضورا عادة من الأحزاب
المنتقل منها، لكن لهذه القاعدة استثناءات كما سنفصّل بعد قليل.
أهم المصالح المتوخاة من الانتقال هو الترشح للانتخابات، البرلمانية أو المحلية، حيث ينتقل السياسي الطموح الراغب بالترشح من حزبه الذي ارتأى ترشيح غيره لحزب آخر وعده بالترشح، لا سيما إذا ما كانت فرصه في الفوز معقولة
ولعل معظم الأمثلة على هذا النوع من الانتقالات في السنوات الأخيرة مرتبط
بحزب العدالة والتنمية تحديدا. فقد ضم الحزب إليه الكثير من الأسماء والشخصيات
المعارضة والمنتقدة له، واضعا إياهم في مناصب وأماكن رفيعة داخله، وفي مقدمة هؤلاء
نعمان كورتولموش الذي كان رئيسا لحزب صوت الشعب المعارض (بعد حزب الفضيلة الذي خرج
منه)، ثم أصبح نائبا لرئيس الحكومة ونائبا لرئيس الحزب ثم وكيلا له ثم رئيس
البرلمان حاليا، وسليمان صويلو الذي أصبح نائبا لرئيس الحزب ثم وزيرا للداخلية لسنوات
طويلة.
ثالثا، التكتيكات الانتخابية، وعلى وجه التخصيص فإن أهم المصالح المتوخاة
من الانتقال هو الترشح للانتخابات، البرلمانية أو المحلية، حيث ينتقل السياسي
الطموح الراغب بالترشح من حزبه الذي ارتأى ترشيح غيره لحزب آخر وعده بالترشح، لا
سيما إذا ما كانت فرصه في الفوز معقولة. وهنا يستوي في الأمر مدى قوة الحزب الجديد
أو ضعفه مقارنة بالحزب السابق، إذ أن المعيار هنا هو فرصة الترشح لا قوة الحزب.
هذه الظاهرة المتكررة كان أبرز مثال لها في الانتخابات الأخيرة حزب "الرفاه
مجددا" برئاسة فاتح أربكان، الذي اتبع تكتيكا انتخابيا غريبا في عدة محافظات،
حيث استمال وضم إليه عددا من الشخصيات المعروفة في حزب العدالة والتنمية التي رفضت
قيادة الحزب ترشيحها، فاستقالت منه وانضمت للرفاه مجددا وترشحت باسمه وفاز بعضها
بهذه الطريقة. وهذا ما حدا بالرئيس أردوغان لتركيز انتقاداته وهجومه على هذا الحزب
تحديدا في مرحلة ما بعد الانتخابات واتهامه بالانتهازية السياسية.
الانتقالات تأتي بقرارات أصحابها وليس أصوات الناخبين، فإنها أولا تتعرض لانتقادات من قبيل "خيانة أصوات الناخبين" الذين اختاروا الشخص الفلاني المرشح على قوائم الحزب الفلاني ليقرر هو بعد الفوز الانتقال لحزب آخر
ومن هذه التكتيكات الانتخابية أن الذي خرج من حزبه فقط للترشح يمكن أن يعود
له بعد أن يهدأ غبار معركة الانتخابات وتتحدد النتائج، فاز أم خسر، وتحديدا إذا ما
فاز حيث سيكون حزبه السابق مرحبا به غالبا. وهذا تحديدا ما حصل مع حزب الرفاه
مجددا، الذي استقال منه بعد الانتخابات وحتى اللحظة 13 رئيس بلدية من أصل 63 رئيس
بلدية فازوا على قوائمه.
وفي الخلاصة، فإن انتقال السياسيين بين الأحزاب ظاهرة متكررة ومتوقعة،
ولكنها ظهرت بحجم أكبر نسبيا بعد الانتخابات الأخيرة بسبب سياقها المميز واختلاف
نتائجها، ولذلك فقد تمحورت في معظمها حول حزب العدالة والتنمية نفسه، الذي تراجعت
نتيجته في الاستحقاق الأخير.
وعليه، ولأن الانتقالات تأتي بقرارات أصحابها وليس أصوات الناخبين، فإنها
أولا تتعرض لانتقادات من قبيل "خيانة أصوات الناخبين" الذين اختاروا الشخص
الفلاني المرشح على قوائم الحزب الفلاني ليقرر هو بعد الفوز الانتقال لحزب آخر؛
ربما لم يكن الناس لينتخبونه فيما لو ترشح على قوائمه. ولذلك أيضا، وبشكل مفهوم،
فليس للأمر علاقة أو تأثير مباشر على شعبية الأحزاب في الشارع وحضورها وفرصها في
الانتخابات التالية. ما يحصل، عادة، هو استكمال "التكتيكات الانتخابية"
وعودة بعض المياه لمجاريها كما يقال، فهي في جوهرها مناورات سياسية وليست ظواهر
انتخابية أو شعبية.
x.com/saidelhaj