الأديان السماويّة قديمة في الأرض قدم
الإنسان، ومنذ أن نزل أوّل دين من السماء وهو دين آدم عليه السلام، وما تلاه من
بعثة لعدد كبير من الرسل والأنبياء؛ ونحن نسمع ونتابع الخطابات الدينيّة وتأثيرها
الواضح والمميّز في السلوك البشريّ والفكر الإنسانيّ!
والخطابات الدينيّة في
العراق بعد العام
2003 سارت في ثلاثة خطوط متباينة:
الخطّ الأوّل، وهو الأضعف عمليّا والأقوى
مناطقيّا، وهو الخطّ المعتدل الذي يمثّله غالبيّة سكّان العراق من السنّة والشيعة
والمسيحيّين وغيرهم.
والخطّ الثاني، وهو الخطّ المتشدّد الدمويّ،
وهذا الخطّ لم يعد وجوده واضحا في البلاد!
أما الخطّ الثالث فهو الخطّ السياسيّ
الدينيّ (المسلّح وغير المسلّح) الذي يَستخدم
الدين لتحقيق مآرب شخصيّة وحزبيّة!
سياسيّا، وبعد أن فشلت غالبيّة الكيانات في إقناع الجماهير ببرامجها الانتخابيّة، إن وجدت، فكّرت بعض الكيانات "السياسيّة الدينيّة" في التوجّه نحو الخطاب الدينيّ الخالص لتحقيق أهدافها! وصرنا نسمع بمحاولات سياسيّة، وليست عُلمائيّة، لتجديد الخطاب الدينيّ، وذلك بعد أن أثبتت السنوات الماضية أنّ معظم الخطابات "السياسيّة" و"الدينيّة السياسيّة" العراقيّة وقفت عاجزة عن جذب غالبيّة الناس
سياسيّا، وبعد أن فشلت غالبيّة الكيانات
في إقناع الجماهير ببرامجها الانتخابيّة، إن وجدت، فكّرت بعض الكيانات "السياسيّة
الدينيّة" في التوجّه نحو الخطاب الدينيّ الخالص لتحقيق أهدافها! وصرنا نسمع بمحاولات سياسيّة، وليست عُلمائيّة،
لتجديد الخطاب الدينيّ، وذلك بعد أن أثبتت السنوات الماضية أنّ معظم الخطابات
"السياسيّة" و"الدينيّة السياسيّة" العراقيّة وقفت عاجزة عن
جذب غالبيّة الناس، وهذا ليس طعنا بالدين الحنيف ولكن نتيجة متوقّعة لحالة التناقض
بين القول والعمل والشعارات والواقع، وهذه الحالة تسبّبت بعزوف مجتمعيّ عن القوى
"السياسيّة الدينيّة"، ممّا جعلها في موقف محرج وضيّق!
ومن هنا كانت دعوة رئيس تحالف قوى الدولة
الوطنيّة "عمار الحكيم"، في منتصف آب/ أغسطس 2024، إلى "تحديث
الخطاب الدينيّ ليواكب متطلّبات العصر دون أن يفقد جوهره الروحيّ والأخلاقيّ"!
وجاءت دعوة الحكيم وسط مجتمع يعاني من
آفات قاتلة، وأبرزها الأفكار المنحرفة عن الدين، والجريمة المنظّمة، وتعاطي المخدّرات
وتجارتها، وغيرها من السلوكيات والأفكار البعيدة عن الأديان السماويّة!
والتجديد هو "ترتيبٌ لسلّم الأوّليات
وتنظيم للأهم والمقاصد الكبرى للعلم والدعوة والإصلاح"!
وتجديد الخطاب قضيّة شرعيّة لا تتعارض مع
مبادئ الدين الإسلاميّ، ولكن يفترض أن يقوم بهذه المهمّة الشرعيّة والإنسانيّة مَن
يمتلكون القدرات العلميّة والفقهيّة الكافية، وليس كلّ من هبّ ودبّ يمكنه أن يتحدّث
بهذا الملفّ الحساس والخطير!
مَن يريد أن يجدد الخطاب الدينيّ في مجتمع
ما عليه أن يبني الأرضيّة الرصينة لهذا الخطاب، والتي يفترض أن تكون مليئة بالعدل
والتعاون وحماية الإنسان من الخراب الفكريّ والصحّيّ والنفسيّ، ولا يتحقّق ذلك
بالخطابات أو التصريحات المكتوبة للفت الانتباه ومن أطراف غير مؤهّلة أصلا للحديث
عن
التجديد!
إنّ الإسلام الذي يدعو لقبول الآخر
والتعايش السلميّ يرفض رفضا قاطعا الظلم الذي يطال الأبرياء بحجج واهية وبعيدة عن
حقوق الإنسان!
ولا ندري كيف يتكلّمون عن تجديد الخطاب
الدينيّ مع تنامي صور محاربة أصول الدين، والفساد الماليّ والأخلاقيّ وتعاطي الرشوة،
والدعارة، وتجارة المخدّرات، والأعضاء البشريّة وغيرها من المهلكات التي يتعامل
بها بعض العراقيّين؟
ثمّ ألا يفترض أن نجد ثمرات الخطابات
الدينيّة في الواقع الإنسانيّ، أم هي مجرّد دعوات إعلاميّة لا تحاول الكيانات
السياسيّة والدينيّة الفاعلة الحثّ على تطبيقها على أرض الواقع عبر توعية المجتمع
وحمايته من الآفات الفكريّة والأخلاقيّة والإنسانيّة، الداخليّة والوافدة؟!
وفي زمن التجديد المزعوم نجد تزايدا لحالات
الإلحاد واللا دينيّة في البلاد، وتنامي الجرأة غير الأخلاقيّة تجاه العقائد
الدينيّة وبالذات من بعض السياسيّين.
وقد سبق للنائب علي تركي أن لعن الخلفاء
الراشدين، رضي الله عنهم، في برنامج تلفزيونيّ في العاشر من أيّار/ مايو 2024،
ومرّ الأمر وكأن شيئا لم يكن!
وبعد ذلك بثلاثة أشهر شنّ "قاسم
ششو"، وهو زعيم لفصيل إيزيديّ مسلّح في سنجار، هجوما لاذعا ضدّ النبي محمد،
عليه الصلاة والسلام، ورغم إصدار مذكّرة اعتقال بحقّه إلا أنّها لم تنفّذ!
الاستهتار والاستخفاف بالباري سبحانه، والنبي الكريم وصحابته الكرام، والطعن بالدين الإسلاميّ، أولى بالمعالجة من قبل القوى المالكة للسلطة قبل حديثها عن "تحديث الخطاب الدينيّ"!
وهذه التجاوزات "شجّعت" رئيس
مجلس إنقاذ الأنبار "حميد الهايس"، خلال برنامج تلفزيونيّ عرض يوم 9 آب/
أغسطس تطرق لتعديل قانون الأحوال الشخصيّة، لوصف النبي الكريم (حاشاه) بـ"المجنون"!
وبعد أسبوعين، وتحديدا منتصف آب/ أغسطس
2024، تابعنا كيف أنّ السياسيّ "مشعان الجبوري" قد سبّ الله سبحانه
وتعالى في برنامج على قناة UTV العراقيّة.. وغيرها العشرات من التجاوزات!
وسبق لمحكمة جنح الموصل أن أصدرت، يوم 2
تمّوز/ يوليو 2024 حكما بالحبس ستّة أشهر على العراقي "علي الخالدي"
بتهمة "سبّ الذات الإلهيّة"، وفقا للمادّة (372) من قانون العقوبات
العراقيّ"! فلماذا لا يُطبّق القانون على السياسيّين الذين يسبّون الباري
سبحانه، ويطعنون بالنبي الكريم والدين الإسلاميّ الحنيف؟
إنّ إقحام "الدين" لتحقيق جملة
من الأهداف السياسيّة يُعدّ من المخطّطات الضاربة للدين والدولة؛ لأنّ الدين لم ينزل
لتحقيق غايات سياسيّة شخصيّة بل لعمارة الأرض وتحقيق
مصالح الناس في الدنيا
والآخرة.
وعليه، ينبغي عدم التلاعب بالأديان لتحقيق
بعض المصالح الحزبيّة والشخصيّة، ولتكن الأعمال الحقيقيّة والسعي لخدمة الوطن
والناس هي الخطابات العمليّة النافعة للوطن والناس!
هذا الاستهتار والاستخفاف بالباري سبحانه،
والنبي الكريم وصحابته الكرام، والطعن بالدين الإسلاميّ، أولى بالمعالجة من قبل
القوى المالكة للسلطة قبل حديثها عن "تحديث الخطاب الدينيّ"!
x.com/dr_jasemj67