أراد
نتنياهو أن يحقق خارج
غزة ما عجز عن تحقيقه داخلها، فبعد جرائم مروعة وضغط هائل
ومعركة طويلة؛ توصل إلى قناعة ثابتة مؤداها أن كل ذلك لن يدفع الحاضنة الشعبية
لحماس للثورة عليها، ولن يقود الحركة إلى الانكسار والاستسلام، وبالتالي لا بد من
البحث في خيارات أخرى تحقق له ما لم يحققه من قبل، وهو صورة النصر التي يريد،
وإضعاف
حماس أكثر، وعزلها عن مناصريها الأكبر تأثيرا.
وقد
يتساءل البعض عن سر التهور الكبير لنتنياهو في مواجهة
إيران ومحور المقاومة، ولهذا
في تقديري ثلاثة أسباب، وتتمثل في التجربة التاريخية لإيران في مواجهة الاحتلال،
حيث غلب على سلوكها تجاهل جرائمه، وعدم المسارعة للرد عليها بكل قوة، والشعور
الصهيوني بالخطر الوجودي، وهو ما يدفعه لتهور كبير على أمل تجاوز المعضلة التي
صنعها نجاح المقاومة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، ورغبة نتنياهو والمؤسسة
العسكرية في تحقيق إنجازات فاقعة تمحو سوأة إخفاقها السابق.
نتنياهو سيواصل خلال الفترة القادمة ما بدأه بقصف ميناء الحديدة، ثم الاغتيالين في بيروت وطهران، وسيكثف ضرباته التي ستزداد قوة وتأثيرا، ليضع المحور أمام لحظة الحقيقة القاسية
ويبدو
أن نتنياهو يريد وضع محور المقاومة أمام واحد من خيارين، إما أن يتخلى عن قطاع
غزة، ويترك حماس لمصيرها، وإما سيصعد بشكل كبير أمام المحور، ليجبي منه أثمانا
كبيرة وقد يخطط لتكون لاحقا ضربات استراتيجية، وإما أن يختار المحور التصدي
للاحتلال وعقابه، وبالتالي سيكون الذهاب إلى حرب إقليمية يتصور نتنياهو أن
الولايات المتحدة وحلفاءها قد تحسمها لصالح كيانه.
ولذا
يغلب على تقديري أن نتنياهو سيواصل خلال الفترة القادمة ما بدأه بقصف ميناء
الحديدة، ثم الاغتيالين في بيروت وطهران، وسيكثف ضرباته التي ستزداد قوة وتأثيرا، ليضع
المحور أمام لحظة الحقيقة القاسية، فإما
الحرب الواسعة وإما التخلي عن غزة، وذلك
ما لم يفاجئ المحورُ الاحتلالَ برد كبير وغير متوقع، ورادع. والحقيقة أن الاحتلال
هو أكثر من يستجيب للردع، ويخضع له، وما كان له أن يتجرأ على قصف طهران واغتيال
ضيوفها لو أنها تصرفت سابقا بطريقة مختلفة.
وتقديري
أن إيران سترد على الإهانة الكبيرة التي وجهت لسيادتها وكرامتها، كما سترد جماعة
أنصار الله على قصف الحديدة، وحزب الله على اغتيال القيادي فؤاد شكر، وغالبا سيكون
الرد موحدا ومنسقا، وأكثر قوة من الرد الإيراني على قصف القنصلية في دمشق، لكن ذلك
الرد لن يكون في الأغلب ردا واسعا يقود إلى حرب إقليمية واسعة، وهو ما سيشجع
الاحتلال على القيام بعمليات نوعية جديدة.
الحرب الإقليمية قادمة لا محالة ما لم يغير أحد الطرفين موقفه، بمعنى ما لم ينهِ نتنياهو الحرب على غزة، أو يتخلى المحور بكل مكوناته عن الفلسطينيين
وفي
المقابل، سيستمر إسناد المحور للمقاومة الفلسطينية، وربما يتوسع أكثر، وسيتواصل موقفه
الرابط بين وقف المواجهة بوقف العدوان على قطاع غزة، وستواجه كل جريمة صهيونية برد
لا يصعد الأمور إلى حرب.
لكن
الحرب الإقليمية قادمة لا محالة ما لم يغير أحد الطرفين موقفه، بمعنى ما لم ينهِ
نتنياهو الحرب على غزة، أو يتخلى المحور بكل مكوناته عن الفلسطينيين، لكن ما لا
يدركه نتنياهو أنه يقود كيانه إلى خطأ استراتيجي كبير، فحالة الاستنزاف والإنهاك
والاستنفار التي يعيشها حاليا، تستهلك طاقته بشكل كبير، وهو ما يستمر خلال الأشهر
القادمة، فإذا ما انتهت حرب الاستنزاف الحالية بمواجهة إقليمية كبرى فإنه سيخوضها
في أضعف حالته -مع التأكيد على أنه يملك قوة هائلة دون شك- لكن طاقته البشرية
المحدودة نقطة ضعفه الكبرى، حيث يفقد جنوده كل يوم مزيدا من استعدادهم للقتال وقدرتهم
على الاستمرار في ظل استنفارهم الواسع، وتعطيل حياتهم الاجتماعية والاقتصادية.