لا يزال مهنيو الصحة في
المغرب، بمختلف فئاتهم، يتصدّرون المشهد العام، حيث يواصلون احتجاجاتهم، ما بين الميدان ومُختلف مواقع التواصل الاجتماعي، ويصرّون على مطالبهم، منذ شباط/ فبراير المنصرم.
وباستثناء خدمات أقسام الإنعاش والمُستعجلات؛ عاشت عدّة مؤسسات صحّية بمختلف مستوياتها، على إيقاع تعطيل الخدمات، من إلغاء جُملة مواعيد للفحوصات والمواعيد الجراحية، وتتبع
الأمراض المزمنة والعلاج الكيميائي، وكذا خدمات التلقيح والترويض..
وتعود بوادر الأزمة الحالية، إلى نهاية كانون الأول/ ديسمبر 2023، إذ توصّلت لجنة وزارية مكوّنة من وزارة الصحة والحماية الاجتماعية ووزارة المالية والأمانة العامة للحكومة إلى اتّفاق مع الهيئات النقابية لموظفي الصحة بالمغرب. تضمّن الاتفاق زيادة عامة في أجور المهنيين وتحفيزات مالية، إلى جانب الالتزام بتنظيم لقاءات تواصلية لإصلاح المنظومة الصحية، في أجل لا يتعدى نهاية كانون الثاني/ يناير الماضي.
ورغم توقيع اتفاق "كانون الثاني/ يناير 2024" الذي تضمن زيادة الأجور بمقدار 1500 درهم (ما يناهز 150 دولارا) للممرضين ومهنيي الصحة و1200 درهم (ما يناهز 120 دولارا) للإداريين والتقنيين، مع الإبقاء على صفة "موظف عمومي" لمهنيي القطاع، إلا أن الحكومة لم تلتزم بتنفيذ أي من بنود هذه الاتفاقات.
وفي الوقت الذي برّرت فيه
الحكومة المغربية، أن الاتّفاق المُبرم غير مُلزم لأنه وُقّع فقط من طرف وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، تصرّ فيه النقابات الصحّية على ضرورة التزام الحكومة بتعهداتها، فاشتدّ الخلاف وطال مداه.
مُقاطعة.. احتجاج مُستمر
دعا "البيان رقم 09 للتنسيق النقابي" الشغّيلة الصحية في المغرب، لخوض إضراب شامل، من الاثنين الماضي إلى غاية 26 تموز/ يوليوز، باستثناء أقسام الإنعاش والمستعجلات، بالإضافة إلى تنفيذ وقفات أو مسيرات احتجاجية، إقليمية وجهوية، حسب شروط كل منطقة.
كذلك، دعا البيان نفسه، إلى "مقاطعة تنفيذ كل البرامج الصحّية، ومقاطعة تقاريرها، ومقاطعة الوحدات المتنقلة والقوافل الطبية. ومقاطعة برنامج العمليات الجراحية باستثناء المستعجلة منها. ومقاطعة الفحوصات الطبية المتخصصة بالمستشفيات. ومقاطعة عمليات تحصيل مداخيل فواتير الخدمات المقدمة، وكل المداومات ذات الطابع الإداري. بالإضافة إلى الاستمرار في مقاطعة تقارير البرامج الصحية والحملات والتغطيات والاجتماعات مع الإدارة".
وفي سياق متّصل، خلال ندوة صحفية، انعقدت الأسبوع الماضي، في الرباط، طالب طلبة الطب والصيدلة، رئيس الحكومة المغربية، عزيز أخنوش، بضرورة التدخّل العاجل لحل الملف، ووقف الاحتقان بالكليات، المستمر منذ سبعة أشهر.
ودعا الطلبة، إلى "إعفاء الأفواج من السنة الأولى إلى السنة الخامسة من الهيكلة الجديدة لأنهم سيكونون ضحايا وفئران تجارب"، مُعبّرين عن أملهم في الوساطة الجديدة من طرف مجلس النوّاب (غرفة برلمانية) في حل الأزمة.
إلى ذلك، أكّد الطلبة أنّهم قدّموا عدّة تنازلات وإشارات من أجل بيان حسن النية، غير أنّهم ووجهوا بسوء النية، في وقت يعيش فيه قطاع الصحة أحلك فتراته، وفق تعبيرهم؛ مشيرين إلى المنع الذي لحق مسيرتهم الاحتجاجية، الأربعاء الماضي، حيث جرى استخدام القوة وخراطيم المياه لتفريق المحتجين.
وبحسب اللّجنة التنظيمية للتنسيق النقابي، فإنه تم توقيف 10 مشاركين في المسيرة الاحتجاجية، التي أتت تلبية لدعوة التنسيق: "لرفع وتيرة الاحتجاج بأشكال نضالية غير مسبوقة".
هل فشلت الحكومة؟
يقول عدد من متابعي الأحداث في القطاع الصحي، إن حكومة عزيز أخنوش، فشلت في إقناع النقابات الصحّية في إيقاف برنامجها النضالي، في إشارة إلى اجتماع وُصف بـ"المُطوّل"، الجمعة، بين الحكومة، والتنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، في مقر وزارة الصحة والحماية الاجتماعية، بالعاصمة الرباط.
وفي هذا السياق، جاء في بلاغ وزارة الصحة، عقب الاجتماع، أن خالد آيت طالب، وهو وزير الصحة والحماية الاجتماعية، عقد بتكليف رسمي من رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، اجتماعا، مع ممثلي الهيئات النقابية، أبلغ خلاله النقابات الصحية بـ"حصيلة المعالجة التي قامت بها الحكومة للملف المطلبي للشغيلة الصحية المرتبطة بالجانب الاعتباري والوضعية القانونية لمهنيي الصحة".
ووفق تعبير البلاغ نفسه، أعرب الوزير، لممثلي الهيئات النقابية، عن قناعته في "مواصلة إعمال المقاربة التشاركية لإيجاد الحلول، لمختلف الصعوبات التي يمكن أن تعترض التنزيل السليم لمضامين الاتفاق، بما ينعكس إيجابا على تثمين الموارد البشرية، باعتبارها رافعة لإنجاح مختلف الأوراش الإصلاحية".
من جهتها، قالت مكونات التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، عبر بلاغ، الأحد الماضي، إنها تُصرّ على كل النّقط المتضمنة في الاتفاق وفي المحاضر الموقعة، موضّحة: "سوف يتابع عن كثب وسوف يسهر على التنزيل الفعلي والسليم والسريع لكل بنود الاتفاق وكل المحاضر الموقّعة في شقيها المادي والاعتباري/ القانوني".
وفي إطار تجاوب التنسيق النقابي الوطني بقطاع الصحة، مع رئيس الحكومة، تابع البلاغ، أنه: "ستُسلّم خلال الساعات القليلة القادمة لوزير الصحة والحماية الاجتماعية، جواب التنسيق بخصوص النقط العالقة، ليقوم بتسليمها رئيس الحكومة".
كذلك، قدّم المهنيون الصحيون، اعتذارهم لكافة المواطنين المغاربة، جرّاء تعطّل الخدمات الصحية، مشدّدين على اضطرارهم لمواصلة محطّاتهم النضالية، وذلك بعد استنفاذهم كافة الحلول البديلة أمام صمت وتنكّر الحكومة، بحسب تعبيرهم.
وأكّد المهنيون، استئنافهم الفوري لعملهم، وقتما توصّل التنسيق النقابي الوطني والحكومة للتنزيل الفعلي لكافة مضامين ما أصبحوا يصفونه بـ"المحضر المغيّب"، بشروط تضمن حقوق الأطر الصحية بكل فئاتها ومكتسباتهم، وتُلبي مطالبهم المادية والاعتبارية المنصوص عليها بالاتفاق.