لم يعد نظام الرئيس السوري بشار
الأسد مالكا لنفسه، في ظل وجود عشرة جيوش أجنبية وأكثر من 66 مليشيا طائفية عابرة
للحدود على الأرض السورية، وفي ظل تفسخ النظام بشكل خطير، حتى غدا هذا التفسخ ينعكس
على دول الجوار، لكنه ومع هذا يسعى إلى الاستثمار في حالة تفسخه، كي يؤذي جيرانه
أكثر مما آذاهم. لكن يبقى أن النظام السوري ميّت سياسيا، ومرتبط ارتباطا عضويا
بالدول التي أبقته على قيد الحياة السياسية طوال سنوات
الثورة، بعد أن أكد غير مرة
المسؤولون الروس والإيرانيون أنه لولاهم لسقط النظام منذ بداية الثورة. وتلك حقيقة
لا يمكن نكرانها، إذ كانت قوات المعارضة بدية الثورة على أبواب دمشق، لكن ما حال
دون تقدمها هو التدخل الإيراني ثم الروسي.
تأخر النظام السوري في الرد على
العروض التركية الأخيرة في عقد مفاوضات مباشرة بين الرئيسين أكد هذه الحقيقة، وهي
أن النظام ليس ملك نفسه، ولا قراره من عندياته، فقد كان الفيتو الإيراني أقوى حتى
من الفيتو الروسي الذي ظن البعض أنه سيفرضه على النظام، بعد أن تمكنت إيران من
مفاصل الدولة السورية، ونجحت في تغيير ديمغرافية
سوريا عبر تشريد أكثر من 14 مليون
سني، فلا يمكن لها أن تتسامح اليوم بعد هذا النجاح الذي حلمت به؛ مع عودة اللاجئين
السوريين إلى أراض ابتلعتها مع مليشياتها.
تأخر النظام السوري في الرد على العروض التركية الأخيرة في عقد مفاوضات مباشرة بين الرئيسين أكد هذه الحقيقة، وهي أن النظام ليس ملك نفسه، ولا قراره من عندياته، فقد كان الفيتو الإيراني أقوى حتى من الفيتو الروسي الذي ظن البعض أنه سيفرضه على النظام
ونحن نرى ونتابع مشاهد الإذلال
والتعذيب والقتل الهمجي الذي تمارسه مليشيات النظام السوري مع العائدين إلى سوريا،
وتقارير منظمات حقوق الإنسان العربية والدولية عن سجن العائدين، واختفاء الكثيرين
وراء القضبان، فضلا عن تصفية العشرات منهم. كل هذا ليؤكد أن ما تطمح به الدول
المجاورة والمفاوضة للنظام من إعادة اللاجئين هو حلم، لن يقبل به النظام وحلفاؤه،
ودليله هو رفضه لذلك مع الدول التي سعت للتطبيع معه خلال السنوات الماضية، فلم يعد
لاجئ واحد.
المتابع للنظام السوري وخطابه، ومعه
خطاب حلفائه الإيرانيين والروس، يجد أن الجميع لم يُغير حرفا واحدا في خطابهم تجاه
الثورة السورية أو تجاه الدول التي دعمت الثورة السورية، خطاب اقتصر على أن ما جرى
في سوريا إرهاب وتدخل خارجي، وأن الأوضاع ينبغي أن تعود إلى ما قبل عام 2011، بل
ويطالبون داعمي الثورة بالاعتذار عن كل ما فعلوه من دعم خيارات الشعب السوري، في
مقابل تراجع حلفاء الثورة السورية عن خطاباتهم التي ظهرت متماهية في كثير من
جانبها مع خطاب النظام وحلفائه، مما يعني استحالة التوصل إلى نقاط مشتركة مع هذا
النظام، الذي يصر على مواقفه وحكمه وتشبثه بالسلطة، فضلا عن التمسك بخياراته وكأن
شيئا لم يحصل طوال 13 عاما من قتل وتعذيب وتشريد واستخدام للكيماوي والبراميل
المتفجرة، ونحو ذلك من الجرائم المخيفة بحق الإنسانية.
المتابع للنظام السوري وخطابه، ومعه خطاب حلفائه الإيرانيين والروس، يجد أن الجميع لم يُغير حرفا واحدا في خطابهم تجاه الثورة السورية أو تجاه الدول التي دعمت الثورة السورية
اللافت أنه مع كل تنازل تقدمه الدول
التي دعمت الثورة السورية نرى تصعيدا على الأرض من قبل النظام السوري وحلفائه، كما
حصل مؤخرا في التصعيد الذي لجأت إليه القوات الروسية والإيرانية وحتى قوات النظام
السوري بقصف مناطق إدلب؛ إما عبر طائرات الدرون الانتحارية الإيرانية، أو من خلال
قصف الشمال السوري المحرر بالصواريخ الفراغية الروسية شديدة الانفجار، ومعها قذائف
المدفعية والصواريخ المتخصصة بها مليشيات النظام السوري. كل ذلك يؤكد على أن هذا
المحور يستغل تنازل وتقرب الدول الداعمة للثورة باتجاه النظام، في ممارسة مزيد من
الضغوط على الثورة السورية وحاضنتها.
بقي أن نقول حقيقة مهمة قد تغيب عن
أذهان الكثيرين، وهي أن حالة المنطقة بشكل عام حالة سيولة، لم تتشكل، واتخاذ
قرارات استراتيجية لها آثارها البعيدة والاستراتيجية على المنطقة خطأ فاحش، ولعل
ذلك تجلّى بشكل واضح وجلي في حرب غزة، فكل من راهن على أن الوضع قبل السابع من تشرين
الأول/ أكتوبر في صالح الصهاينة، فراح يتقرّب إليهم بالتطبيع واللقاءات الحميمة،
تكشف له بعد السابع من أكتوبر أن ظاهر الحياة السياسية مختلف عن باطنها. وهذا في
حالة الكيان الصهيوني البغيض الذي يرى الجميع قوته وجبروته، فكيف يمكن التعويل على
نظام متفسخ ميت سياسيا، غدا جيفة سياسية، تقضي على كل من يقترب منها، تقضي عليه
فيزيائيا أو سياسيا، أو شعبيا وسط الأمة المسلمة التي تضامنت ودعمت وساندت ولا
تزال الثورة السورية؟
فإياكم من الاقتراب من جيفة سياسية
برقبتها أكثر من مليون شهيد ومليوني معتقل وجريح، و14 مليون جريح، وبرقبتها
استخدام لسلاح الدمار الشامل الكيماوي لـ217 مرة.