1 ـ خطوط متباعدة
تلتقي بعد خمسة قرون
بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل
حكاية حبّ بعيدة الغور ينسجها قدر خفي. وعلى خلاف نزار القباني الذي يقول عند وصف
علاقة ما بين مثليتين: "وحكاية حب لا تُحكى** في الحبّ يغيب الإيضاح"،
نقدّر أن الحكاية بين الدولتين المارقتين يجب أن تُحكى، فلعلّها أن تفسّر شيئا من
تحالف الحروب والدّماء بينهما. لذلك تأخذنا هذه الورقة إلى وقائع بعيدة من
التّاريخ وإلى يد خفيّة تنسج من خيوطه المتنافرة الحلّة التي يرتديها العالم اليوم.
ظهر أوّل خيطي القصّة في العام 1492. فلمّا
كان أبو عبد الله محمد الثاني عشر، آخر ملوك الأندلس المسلمين، يُسلّم غرناطة إلى
الملك الإسباني، كان المستكشف الإيطالي كريستوفر كولومبوس يبحر برعاية إسبانية
متجها إلى الهند. ولا شكّ أنّ الحدثين متباعدان أشد التباعد أو منفصلان أشد
الانفصال عن كيانين هجينين لم يريا النور بعد هما الولايات المتّحدة وإسرائيل
ثانيا. ومن هنا توجّب الإيضاح !
تعود بدايات التحالف الرّسمي بين الصهاينة والولايات المتّحدة الأمريكية إلى المؤتمر اليهودي بنيويورك عام 1942. فقد اجتمعت 600 شخصية صهيونية وازنة في المؤتمر الذي ترأسه كل من حاييم وايزمن ممثلا للمنظمة الصهيونية ودايفد بن غوريون ممثلا للوكالة اليهودية. وقررت نقل التنسيق اليهودي من بريطانيا إلى الولايات المتحدة التي أضحت تتزعّم العالم.
يشاء النسّاج وهو يغزل الخيط الأول أن تسقط
الأندلس. ويدرك الغرب أن عدم تقديم الإمبراطورية العثمانية الغوث لمن استغاثوا بها
من المسلمين مؤشر على بلوغها درجة من الضعف والهوان. فيجعلها لاحقا هدفا لنزعته
الاستعماريّة بحثا عمّا تحتاجه ثورته الصّناعية من مواد أولية وأسواق. ويدرك بعدها
أن اليهود يمثلون عبئا على اقتصاده. فيتخلّص منهم بأن يمنحهم فلسطين وطنا قوميا.
ويشاء أن يضلّ كريستوفر كولومبوس الطريق وهو
يغزل الخيط الثّاني. فيكتشف العالم الجديد بالصدفة. ويشاء أن تنشأ الولايات
المتحدة الأمريكية بعد قرون ليستولي وافدوها البيض على أراضي الهنود الحمر، السكان
الأصليين، وليمارسوا ضدّهم عملية تطهير عرقي واسعة، وأن تتسيد العالم بجزئيه
القديم والجديد.
وحاصل نسج الخيطين أن نشأت
إسرائيل وطنا
قوميا لليهود، وأن أخذت تعيد تجربة الولايات المتحدة. فتتقمص الدور نفسه في الشرق الأوسط وتجعل من الفلسطينيين هنودا
حمرا جددا. وهذا ما سنعرض شذرات سريعة منه على نحو مقارن ونترك التّفصيل للقارئ،
فنحن لا نذكر إلا لنحفز ذاكرة لا تغيب عنها هذه المعارف بكل تأكيد.
2 ـ الهاربون من الجحيم يصنعون جحيم ضحاياهم
فضلا عن المغامرين الحالمين بالثروة من
أصحاب شركات الاستثمار والتجارة، يعدّ الأوروبيون الذين قصدوا العالم الجديد
غالبا، الأقلّ حظا في عالمهم القديم. فقد وصلوا إلى الأراضي الأمريكية عامّة
هاربين من اضطهاد رجال دين بيوريتان (طائفة المتطهرين) أو من اضطهاد الكنيسة
الإنغليكانية في عهد الملك شارل الأول. أما المهاجرون الألمان والبريسبتاريون
(بروتستانت الكنيسة المشيخية) من شمال أسكتلندا وأيرلندا فقد غادروا بلدانهم هرباً
من الفقر والحروب وممّا يتعرضون له من اضطهاد ديني، مستفيدين من قرار البرلمان
البريطاني منح الجنسية لكل بروتستانتي يهاجر إلى أمريكا .
والدّافع نفسه كان وراء هجرة اليهود إلى
فلسطين منذ نهاية القرن التاسع عشر. فقد كانوا عرضة لاضطهاد ديني يحمّلهم باستمرار
مسؤولية تسليم المسيح للرومان لصلبه. ولأنهم كانوا يسيطرون على أسواق المال والذهب
ويبسطون سلطانهم على الحياة الاقتصادية في المجتمعات التي يعيشون فيها وجدوا
أنفسهم مخيرين بين الذوبان في الكيانات المسيحية أو التعرّض إلى التمييز والإقصاء،
خاصّة في ظل تنامي النزعات القومية والتنافس الاقتصادي والحمّى الاستعمارية.
3 ـ الاستيلاء على الأراضي.. أوّل خطط الاستيطان
عمل الأوروبيون الوافدون إلى العالم الجديد
على الاستيلاء على المناطق الخصبة. ولمّا واجهوا مقاومة من مالكيها الأصليين دمروا
مزارعهم ورحّلوهم قسريا إلى المناطق الداخلية القاحلة. ولعلّ ما ورد في خطاب
الرئيس أندرو جاكسون عند تنصيبه في 4 مارس 1829، كاف لتلخيص ما تعج به كتب
المؤرخين من تفاصيل الاضطهاد والتهجير القسري والتطهير العرقي الذي تعرض له الهنود
الحمر. فقد أعلن أنه سيفعل ما هو ضروري
"لإفراغ" القارة الشرقية من الهنود واحتلال أراضيهم. وبالفعل ففي 28
مايو 1830، وقّع على ما يعرف بقانون إزالة الهنود، [l'Indian Removal Act] وهو القانون الذي يبيح
تهجيرهم من جميع ولايات الساحل الشرقي وتوطينهم في المحميات الواقعة غرب سهل
المسيسيبي. ورغم قرار المحكمة العليا الذي منع هذا الإجراء، تم ترحيل حوالي
100.000 من الأمريكيين الأصليين حتى عام 1850. ولقي أكثر من 4000 حتفهم في الرحلة،
بسبب المرض والجوع والتعرض لظروف الطقس القاسية فيما أصبح يعرف باسم درب الدموع.
وبعد نصف قرن من هذا القرار وما تبعه من
الإجراءات ظهرت فكرة تمكين يهود الشتات من وطن قومي. واستدرجوا من كل حدب ليحلوا
محل شعب قائم. فقد أسّس الأمريكي حييم وايتمن، عضو الحركة الصهيونية "شركة
تطوير أراضي فلسطين" في يافا عام 1907 لاستقطابهم. ثم ابتاع الصندوق القومي
اليهودي في 1910 أكثر 200.000 دونم من ضباط عثمانيين عبر وساطة لبنانين في سهل مرج
بن عامر شمال فلسطيني. فأخلاها من ستين ألف مزارع يعملون فيها وعوّضهم بيهود
أوروبا الشرقية ثم بآخرين من اليمن. وأمّن هربيرت صامويل، وصول نحو 34 ألف يهودي
ومنحهم الجنسية الفلسطينية في 1925 وأسهم في تأسيس 13 مستوطنة جديدة.
4 ـ من الممارسة العنصرية إلى التطهير العرقي: جرائم
الأمريكيين التي تبناها الصّهاينة
من منطلق الشعور بتفوق العرق الأبيض مارس
الوافدون إلى العالم الجديد عنصريتهم ضدّ السّكان الأصليين. فلم تصفهم الكتب
الإنجليزية بكونهم "وحوشا لا تعقل ويأكلون زوجاتهم وأبناءهم" إلا لتبرّر
ما سيرتكبون ضدّهم من الإبادة الجماعية والتطهير العرقي. وبعد تأسيس الولايات
المتحدة الأمريكية انخرطت حكوماتها المتعاقبة في حملات إبادة ضدّهم. فقد كان عددهم 12 مليونا في عام 1500. ولكن هذا
الرّقم وصل إلى أقل من 237 ألف عام 1900، ويبلغ حالياً حوالي الخمسة ملايين نسمة،
من أصل أكثر من 300 مليون نسمة، إجمالي سكان الولايات المتحدة. ويشمل الرّقم سكان
ألاسكا الأصليين.
في الشطر الآخر من العالم وقبل النكبة
بأشهر، كانت الاجتماعات التّنسيقية التي يشرف عليها الصهاينة تلتئم أسبوعيا.
فتخطّط لطرد الأهالي من قراهم جماعيا. وطبقت الخطة داليت (أو د) ، وهي خطة وضعتها
عصابة الهاجاناه في فلسطين بين خريف 1947 وربيع 1948 وأُقرت في سنة 1948، وكانت
تهدف إلى تأمين تأسيس دولة يهودية في فلسطين، عبر السيطرة على أكبر مساحة ممكنة من الأراضي الفلسطينة وطرد أكبر عدد ممكن من
الأهالي وفرض سياسة الأمر الواقع على الأرض. فطورت عصاباتهم صناعة قاذفات اللهب
لحرق القرى وقامت باختبارها ميدانيا في خمس منها. وتولت عصابة بالماخ التي يقودها
الضابط إسحاق رابين، الحائز على جائزة نوبل للسلام لاحقا، تدميرها وطرد 1500 قروي
منها. وفي مذبحة دير ياسين قتلت العصابات والهجاناه 100 قروي بأمر من ديفيد بن
غوريون الذي كتب في مذكراته لاحقا أنه كان يجب إيقاع ضربة حاسمة في كل هجوم ضد
الفلسطينيين.
وتواصل التطهير العرقي إثر النكبة. وتمّ
تنفيذ خطته في نحشون ودیر یاسین وحيفا وعكا وبيسان ويافا. فارتكبت المذابح ومات
الكثير من المهجرين عطشا. ومما تذكر المصادر الإسرائيلية نفسها أن الفلسطينيين
كانوا يُرغمون على حفر الخنادق التي سيدفنون فيها لاحقا. طُرد نحو مليون نسمة من
بيوتهم بقوة السلاح.
5 ـ طمس الثقافة الأصلية للاستيلاء على
العقول
أنتج سكان أمريكا الأصليون أرقى حضارات
العالم القديم مثل الإنكا والأزتك والمايا، واشتهرت بالزراعة والصناعة والصيد
والعمران. ولكن الأوروبي الغازي عمل على طمس ثقافتهم للسيطرة عليهم. ففرض عليهم
العزلة والتهميش بأن حشرهم في المحميات الخاصّة ومنعهم من ارتداء لباسهم التقليدي،
وممارسة تقاليدهم، وتكلم لغاتهم الأصلية. ثم أخذ أطفالهم بالقوّة إلى المدارس
المسيحية الخاصة؛ بغاية تمسيحهم وتربيتهم وفق المعايير والقيم البروتستانتية
الأنجلو-ساكسونية. وتولّت هوليوود ترسيخ الصورة التي يريدها لهم البيض: بدائيين
وهمجا وقتلة.
وهذه الصورة مطابقة لصورة الفلسطيني في
السينما الإسرائيلية تقريبا. فقد ["تمثلت الصورة السينمائية للعربي الفلسطيني
في الموجة الأولى من الأفلام الصهيونية بالذي "لا صورة له". فالحديث عنه
ضمنيٌّ وبرؤية مبتورة مشوهة وشاحبة ولا أهمية لها. "كانوا عشرة (1961)"
و"الخروج (1960)" نماذجٌ على تلك الأفلام. فمثلًا يحاكي فيلم "عمود
النار (1959)" نمط أفلام الغرب الأمريكي. ويحكي قصة كيبوتس صغير في الجنوب
يُصدم ساكنوه بمواجهة دبابات مصرية يعاونها مجموعة من الفدائيين الفلسطينيين لا
يظهرون بطريقة مباشرة. وتندلع المواجهة على طريقة مطاردة راعي البقر الأبيض للهندي
الأحمر الهمجي. ولم يفت على السينما الإسرائيلية صورة الفلسطيني الهمجي. إذ يُظهر
الفلم الوثائقي "قصة فلسطين (1962)" العرب في أعين المهاجرين الصهاينة
كقبيلة وثنية شديدة البدائية. ويعلق الراوي على جهلهم استخدام الآليات الزراعية،
ويطرَح بحسرة سؤاله: "أهذه هي أرضنا المشتهاة؟" فيجيب: "لا، ما دام
هؤلاء فيها".
وفي فيلم "لقد مشى عبر الحقول (1967)"
كان لا وجود للفلسطيني أصلًا. فقدم حرب 1948 كحرب تستهدف البريطانيين حصرًا. ويروي
الفيلم قصة أوري، أول طفل يولد في فلسطين. يصبح محاربًا في البالماخ، سلاح العاصفة
في الهاقانا [الهجاناه]، ويقع في حب فتاة مهاجرة"]. [والفقرة بأسرها مقتبسة
عن مصطفى علي، موقع https://thmanyah.com/)
6 ـ التقاء الخطين
المتوازيين عند الدّم الفلسطيني
تعود بدايات التحالف الرّسمي بين الصهاينة
والولايات المتّحدة الأمريكية إلى المؤتمر اليهودي بنيويورك عام 1942. فقد اجتمعت 600 شخصية
صهيونية وازنة في المؤتمر الذي ترأسه كل من حاييم وايزمن ممثلا للمنظمة الصهيونية
ودايفد بن غوريون ممثلا للوكالة اليهودية. وقررت نقل التنسيق اليهودي من بريطانيا
إلى الولايات المتحدة التي أضحت تتزعّم العالم. وفي مؤتمرها اللاحق بعد سنتين
طالبت بإخراج بريطانيا التي باتت تتراجع حضاريا وعسكريا وباتت الشمس تغرب عنها من
فلسطين توفير حماية دولية لليهود وإنشاء كومنويلث على كامل الأراضي الفلسطينية
"يكون مخلصا لمصالح الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط".
وليضمنوا ولاء الساسة الأمريكيين لفكرة الصهيونية ركزوا لوبي قويا واسع النفوذ
الاقتصادي والسياسي والإعلامي. فتمكّنوا من السيطرة على مفاصل الدّولة. وأقاموا
العلاقات المتينة بالحزبين الكبيرين. وهيمنوا على أصحاب القرار فيهما. وحولوا
الولاء إلى فكرة الوطن القومي لليهود إلى مصعد يعتمد عليه كل ذي طموح سياسي. وهذا
ما جعل العلاقة بين البلدين لاحقا قائمة على مفارقة. فالولايات المتحدة، البلد
الأقوى أصبحت تابعة لإسرائيل مرتهنة في قرارها الوطني لمصالحها. أما إسرائيل
فتتقمص باستمرار دور الولايات المتحدة في علاقتها بالسكّان الأصليين. فتمعن في
بطشها بهم بغطاء دولي تفرضه الولايات المتحدة وحلفاؤها فرضا.
7 ـ المرايا
المحدّبة
لهذه العلاقة القلّب ما يفسّرها موضوعيا.
فإسرائيل تمثل موطئ قدم لأمريكا يخوّل لها مراقبة الشرق عامة وفي الآن نفسه تمثّل
ضمانة لإخضاع العرب أعداء الغرب الحضاريين المحتملين.. والاستيلاء على فلسطين عمل
إمبريالي ذو عمق عسكري واقتصادي في جوهره يتخفى بالدين. ولكن في مفهوم التّقمص
الذي طوّره علم النّفس التّحليلي زاوية أخرى قد تفسّر هذه العلاقة. فقد أخرج علم
النفس التحليلي هذا المفهوم من خلفياته الميتافيزيقية لفهم نمو البناء النرجسي
للفرد. فاتخذه فرويد أداة لتفسير النمو النفسي والعقلي للأطفال. وقدّر أنّ الطفل
يتأثر بذات أخرى من محيطه، فيراقبها ويعجب بما تفعل أو بكيفية تفكيرها.
تواصل التطهير العرقي إثر النكبة. وتمّ تنفيذ خطته في نحشون ودیر یاسین وحيفا وعكا وبيسان ويافا. فارتكبت المذابح ومات الكثير من المهجرين عطشا. ومما تذكر المصادر الإسرائيلية نفسها أن الفلسطينيين كانوا يُرغمون على حفر الخنادق التي سيدفنون فيها لاحقا. طُرد نحو مليون نسمة من بيوتهم بقوة السلاح.
ثم يعيد
إنتاج حاصل هذه المراقبة. فيتجاوز الأمر تقليد هذه السّمات ومحاكاتها، لتصبح عنصرا
فاعلا في بناء شخصيّته هو، وفي اكتسابه لهويّته الخاصّة. ثم تكون النّرجسية
الثّانوية. فتمثّل مرحلة لاحقة، تنقطع فيها الذات عن اتّجاهها إلى ذاتها وتكتسب
القدرة على الاتّجاه إلى العالم الخارجي. ثمّ طوّر جاك لاكان هذه الآلية التفسيرية. فاصطلح على التّقمص
الأوّلي بمرحلة المرآة. وجعل مدارها على اكتشاف الأطفال لذواتهم وتمثّل هويّاتهم
الجسديّة عبر تقمّص شبيه بإدراك صورهم من خلال مرآة حقيقيّة أو ما يشبهها من
الآليات الرّمزية التي تسهم في إدراك الذات لذاتها.
ولا تُعدّ عنده المرآة مرحلة في حياة
الرّضيع تنتهي بتجاوزها، وإنّما يتواصل أثرها. فهي تسهم في توفير الهويّة المرئيّة
التي يتمّ الحصول عليها من المرآة باعتبارها "شكلًا" خياليًا لتجربة
حقيقية مجزّأة. وتتعلّق بإدراك الذّات انطلاقا من الآخر. وعلى هذا النّحو يتحوّل
التقمّص من خلق أنا مرآتية إلى إيجاد أنا اجتماعيّة. فيتحقّق البناء النرّجسي
لينطلق المرء من صورة الذّات حتّى يدرك الآخر ضمانا لبعده الاجتماعي.
ونحن نستعرض مسار تأسيس إسرائيل الذي قام
على الاستيلاء على أراضي السكان الأصليين واضطهادهم وممارسة التهجير القسري
والتطهير العرقي ضدّهم. فنجد فيه إعادة لمسار تأسيس الولايات المتحدة الأمريكية،
يطرح والسؤال: ألا يجوز أن نسحب مفهوم التقمّص من تشكيل الهوية الفردية إلى تشكيل
الهوية الجماعية؟ ألا نجد فيه ما يفسّر التركيبة النفسية للجماعات وما يجعلنا نفهم
شيئا من "العشق المتبادل" بين الولايات المتحدة وإسرائيل؟ فعلى نحو ما
تتقمص إسرائيل دور الولايات المتحدة وهي تعيد إنتاج تاريخها القذر. وتنظر الولايات
المتّحدة بالمقابل، إلى هذه القصّة وهي تتشكّل بكثير من الذاتية. فترى نفسها
وتاريخها في كل ما تفعله إسرائيل. ولا تملك إلاّ أن تصادق عليه لتضفي شرعية على
تاريخها الإجرامي.
ليس ما نذكره غير انطباع ما، بشأن أحداث من
التاريخ تبدو متباعدة وبشأن العلاقة المعقّدة بين الولايات المتحدة الأمريكية
وإسرائيل لا أكثر. ولكننا نميل إليه، وبه نبرّر اشتهار رقصة الهندي الأحمر
والفلسطيني إثر الغزو الإسرائيلي لغزة. ففي اشتهاره إقرار ضمني بتوازي مساري
المغتصبين على نحو مرآتي وتماثل مصير الضحايا على نحو درامي.