على الرغم من التحول
الاستبدادي الذي شهدته
تونس وتقرّبها من روسيا والصين، إلّا أن المسؤولين
الغربيين
لا يريدون المخاطرة بالتعاون القيّم بشأن قضيتَي الهجرة والأمن، بحسب تقرير لمعهد
واشنطن.
وجاء في
التقرير، الذي أعدته الباحثة سابينا هينبرج المهتمة بالتحولات السياسية في شمال أفريقيا، أن علاقات تونس الراسخة تقليديا مع الغرب تضعضعت في عهد الرئيس قيس
سعيد؛ فعلى مدى
السنوات القليلة الماضية، نفّذ سعيّد إصلاحات استبدادية شاملة لمؤسسات البلاد، مما
جعل العواصم الغربية في حيرة من كيفية الرد؛ فمن ناحية، يشير خفض دعمها المادي إلى
عدم رضاها عن هذه الإجراءات غير الديمقراطية، ومن ناحية أخرى، نجحت اتهامات سعيّد بـ"التدخل"
و"المؤامرة" الغربيَين في تجريد أوروبا والولايات المتحدة من نفوذهما.
لكن هينبرج تقر أن الشراكة بين تونس والغرب على قدم وساق. فقد
قادت إيطاليا، على وجه الخصوص، الجهود نيابة عن الاتحاد الأوروبي لإشراك تونس في المسائل
المتعلقة بالهجرة على وجه التحديد، ولكن أيضا في إطار "نهج من 360 درجة"
للمساعدة في تنمية أفريقيا يُعرف باسم "خطة ماتي".
وقد أثارت مذكرة
التفاهم الموقعة بين الاتحاد الأوروبي وتونس في تموز/يوليو 2023 انتقادات (بما في ذلك
من داخل البرلمان الأوروبي)، بالإضافة إلى الارتباك عندما أعادت تونس دفعة أولية بقيمة
60 مليون يورو إلى بروكسل. وفي الواقع، أدت هذه السلسلة من الأحداث في النهاية إلى
إنفاق الاتحاد الأوروبي مبلغ 150 مليون يورو لدعم الميزانية.
كما أن واشنطن
وجدت أن شركاء المجتمع المدني التونسي، لا سيما الشركاء المحليين، ومن بينهم المؤسسات
الصغيرة، لا يريدون تفويت فرصة الحصول على التمويل الأمريكي، وذلك بالرغم من الدعم
اللامحدود الذي تقدمه واشنطن لـ"إسرائيل" في حربها على قطاع غزة.
ويبدو أن المبدأ
العام بين الجهات الفاعلة الغربية هو الحفاظ على الانخراط، حتى لو كان ذلك صعبا. ووفقا لهذا المنطق، فإن مثل هذا السلوك العملي، سيساعد في نهاية المطاف العلاقة على تجاوز
الأوقات الصعبة، ويمنع تونس من الدخول بشكل كامل في دائرة النفوذ الروسي والصيني على
المدى الطويل.
الحفاظ على العلاقات
بأي ثمن؟
تواصل حكومة سعيّد
اتخاذ الخطوات اللازمة لإثبات أنه، على الرغم من تعاونه مع الغرباء في مجال الهجرة، ما يزال هو المسيطر. ففي أوائل شهر أيار/ مايو، في أعقاب زيارة رئيسة الوزراء الإيطالية
جورجا ميلوني، التي أُعلن فيها عن عدد من اتفاقيات التعاون الجديدة والوعود بدعم الميزانية،
عمدت قوات الشرطة، وفقا لبعض التقارير، إلى استخدام العنف لإزالة مخيمات المهاجرين
من العاصمة التونسية وطردهم إلى الحدود. وفي اليوم نفسه، اعتقلت السلطات سعدية مصباح،
رئيسة منظمة مناهضة للعنصرية، والحائزة على جائزة من وزارة الخارجية الأمريكية. وتشكل
هذه الإجراءات جزءا من حملة أكبر لتصوير المهاجرين على أنهم أعداء خارجيين - مرتبطين
إلى حد ما بالغرب -، الأمر الذي يمكّن سعيّد من حماية البلاد منهم، ومن ثم يبرر قمعه
للمعارضة.
وهكذا، فإن تعاون
إيطاليا مع حكومة سعيّد المستمر، بغض النظر عن هذه المعاملة الوحشية، يضع الولايات
المتحدة في موقف صعب نوعا ما. فتحدي روما لن يؤدي إلا إلى التسبب بانقسامات بين الدول
الغربية، الأمر الذي سيسعى سعيّد إلى استغلاله. يجب على واشنطن أن تحاول تحقيق التوازن
بين التحدث علنا ضد انتهاكات حقوق الإنسان، وعدم معارضة حلفائها الأوروبيين.
وبحسب هينبرج، فإن
الولايات المتحدة تواصل العمل بشكل وثيق مع
الجيش التونسي، الأمر الذي يشكل علاقة مربحة
للجانبين. وتَعد واشنطن تونس شريكا أمنيا قيّما في القارة الأفريقية، حيث يشكل
"النشاط الجهادي" المتزايد وضعف النفوذ الغربي في منطقة الساحل المجاورة
مصدر قلق متزايد.
وفي الوقت نفسه،
يقدر الجيش التونسي التدريب والمعدات التي يتلقاها من الولايات المتحدة وسيعاني ماديا بدونها. وعلى الرغم من بعض الخطوات التي فُسرت على أنها محاولات لتسييس الجيش، إلّا أنه من المرجح أن سعيّد غير مستعد لتعريض هذا التعاون للخطر، بما أن ذلك قد يكلفه دعم الجيش.
وهكذا، مثلما يقبل المساعدة من إيطاليا والاتحاد الأوروبي، بينما يُظهر في الوقت نفسه
أنه سيتعامل مع المهاجرين كيفما يختار، فإن سعيّد يسمح بهدوء باستمرار التقليد طويل
الأمد، المتمثل بالنفوذ الأمريكي على الجيش التونسي، بينما يصر على أنه لن يسمح بتدفق
التدخل الأجنبي إلى البلاد.
ومن الناحية العملية،
يعني ذلك أنه على الرغم من سوء معاملة المهاجرين، يواصل الغرب تعاونه مع تونس، ويشمل
ذلك تحسنا ملحوظا في الكفاءة المهنية لقوات الأمن وأنشطة مثل إصلاح العدالة الجنائية.
كما تقود إيطاليا، باستثمارات من ألمانيا والاتحاد الأوروبي و"البنك الدولي"،
مشروع "الربط الكهربائي بين تونس وإيطاليا (الماد)" الذي ينطوي على مد كابل
كهرباء تحت الماء في البحر المتوسط، في إطار التحول العالمي بعيدا عن النفط والغاز.
لكن قدرة الغرب على التأثير في مستقبل الديمقراطية وحقوق الإنسان في تونس، تظل غير واضحة
إلى حدّ كبير.