أثارت المعلومات الواردة بشأن تورط دولة
ليبيا في تسهيل هروب
مهاجرين غير شرعيين إلى الولايات المتحدة الأمريكية بعض الأسئلة حول الجهات المتورطة في ذلك وعلاقة الأمر باللواء الليبي خليفة
حفتر وأبنائه وكذلك روسيا.
وأظهرت عدة تقارير قيام رحلات نظامية من مطارات رسمية في شرق وغرب ليبيا بنقل عدد كبير من المهاجرين غير الشرعيين من جنسيات مختلفة إلى مطار "ماناغوا" عاصمة "
نيكاراغوا" بعدما رفعت الأخيرة التأشيرة واستبدلتها بدفع رسوم عند الوصول ما ساهم في زيادة عدد المهاجرين وتغيير وجهتهم من أوروبا لأمريكا.
"رحلات رسمية منتظمة"
وكشف تقرير استقصائي لصحيفة "لوموند" الفرنسية وصول طائرة من نوع "بوينغ 777" تابعة لشركة الطيران الليبية "غدامس" إلى مطار ماناغوا قادمة من مطار بنينا الدولي شرق ليبيا في 18 من آيار/مايو الماضي، وعلى متنها 367 راكبا هنديا، وكذلك قيام نفس الطائرة برحلة مماثلة في الـ23 من الشهر ذاته وعلى متنها 298 هنديا.
في حين أكدت الوكالة الألمانية، أن مطار "أوجوستو ساندينو" في نيكاراغوا تحول إلى أحدث الخيارات البديلة لدخول المهاجرين غير الشرعيين الولايات المتحدة الأمريكية عبر حدودها الجنوبية.
وأكد تقرير حديث لمنظمة الأمم المتحدة أن "ليبيا تؤوي قرابة 704 آلاف مهاجر من 43 جنسية، بحسب بيانات جُمعت من 100 بلدية ليبية، وأن أغلب هؤلاء المهاجرين إما يتم تسهيل هروبهم إلى أوروبا أو استغلالهم محليا وابتزاز ذويهم أو حتى قتلهم، وبالفعل عثرت إدارة البحث الجنائي الليبي على أكثر من 60 جثة لمهاجرين غير قانونيين في مقبرة جماعية جنوب غربي ليبيا".
"تورط حفتر والفاغنر"
وفي تقرير سابق كشفت مجلة "دير شبيغل" الألمانية عن تورط "صدام نجل اللواء الليبي خليفة حفتر في القبض على مهاجرين في طريقهم إلى أوروبا وإعادتهم إلى شرق ليبيا ووضعهم في سجون ومراكز إيواء"، وأن الاتحاد الأوروبي متورط أيضا في دعم كتيبة "طارق بن زياد" التي يقودها صدام خليفة حفتر.
في حين أكد موقع "ويست فرانس" الفرنسي والمتخصص في تتبع حركة الطيران أن "هذه الرحلات غريبة عبر المحيط الأطلسي، واكتشفها المسافرون على خلفية هبوط طائرة بوينغ 777-200 تابعة لشركة طيران غدامس مرتين في عاصمة نيكاراغوا، قادمة من بنغازي، وعلى متنها مسافرون هنود مستبعد أن يكونوا سائحين، إذ من غير المرجح أن يكون لديهم تذكرة عودة في جيوبهم".
كما أكد الموقع أن لروسيا دورا في هذه الرحلات والتحركات التي تزعزع استقرار الإدارة الأمريكية حيث يتزايد تواجد المرتزقة الروس من الفيلق الأفريقي، الذي تولى المسؤولية من فاغنر، في شرق ليبيا وهم المسيطرون على المطارات هناك".
وتابع: "أضف إلى ذلك الرحلات الغريبة من سوريا والخليج إلى بنغازي لشركة أجنحة الشام السورية، المملوكة لشخص مقرب من عشيرة الأسد، حليفة الكرملين، وتتخصص شركة أجنحة الشام في نقل المرتزقة والأسلحة، ويُشتبه في أنها أضافت المهاجرين"، حسب الموقع الفرنسي.
ما سبق يؤكد تورط حفتر والمرتزقة الروس في شبكات الهجرة غير الشرعية وأنهم اتفقوا مع جمهورية "نيكاراغوا" التي تخوض حربا سياسية مع الإدارة الأمريكية بهدف إزعاج الولايات المتحدة، على أن تملأ نيكارغوا خزائنها بأموال جديدة عبر الرسوم التي تحصلها من القادمين إليها وتحقق موسكو وحفتر مكاسب سياسية".
أما بالنسبة لشركة "طيران غدامس" الليبية فقد تأسست في العام 2021 وهي تابعة لرجل أعمال ليبي ولا تقوم بتشغيل أي رحلات جوية مجدولة، ولم تسجل إلا رحلات إلى نيكاراغوا وأخرى إلى أوزبكستان جلبت على متنها هنودا أيضا إلى بنغازي ثم إلى مطار "ماناغوا" بنيكاراغوا.
وبحسب الموقع الفرنسي سالف الذكر والذي تتبع المسار الجديد للهجرة غير النظامية بين بنغازي وأمريكا الوسطى فإن "تكلفة السفر جوا بين آسيا ونيكاراغوا، عبر ليبيا تتراوح بين 10 آلاف و20 ألف يورو للرحلة الواحدة".
ولم يكن شرق ليبيا وقوات حفتر فقط المتورطون في الاتجار بالبشر والمهاجرين، فميليشيات متواجدة في غرب ليبيا وبعضهم يتبع جهات رسمية يقودها ضابط يدعى "البيدجا"، متورطة أيضا، حيث تقوم باختطاف المهاجرين وإجبار ذويهم على دفع فدية لإعادتهم أو تسفيرهم إلى إيطاليا.
فمن يقف وراء هذه الشبكات الضخمة التي بدأت تزعج إدارة "بايدن" فعليا؟.. وهل تتورط روسيا وحليفها حفتر في الأمر؟
"تنسيق ليبي إيطالي"
من جهته، قال وزير الدفاع الليبي الأسبق، محمد البرغثي إن "ملف الهجرة غير الشرعية مقلق لليبيا ولأوروبا، أما بالنسبة للتقارير الواردة عن تحول الوجهة لأمريكا فلا توجد معلومات دقيقة ومؤكدة عنها حتى الآن، وقد استفسرت من بعض المسؤولين بمطار بنينا الدولي وقد نفى قيام رحلات تخص هذا الملف إلى نيكاراغوا".
وأشار الوزير الليبي في تصريحات لـ"عربي21" إلى أن "أغلب رحلات الهجرة غير الشرعية كانت تتم عن طريق البحر المتوسط بواسطة قوارب صغيرة من الساحل الغربي لليبيا وخاصة قبالة مدينة زوارة الليبية إلى السواحل الجنوبية لإيطاليا وبالذات جزيرة "لامبيدوزا" الإيطالية، وهذا تابعته عندما كنت وزيرا للدفاع"، وفق قوله.
وتابع: "كانت تتعرض مثل هذه المحاولات إلى الغرق أو يتم ضبطها من قبل حرس السواحل الليبية، لكن مؤخرا تم عقد عدة لقاءات رسمية بين الجانبين الليبي والإيطالي حول تنسيق السيطرة لمنع تكرار عمليات التهريب والاتجار بالبشر من ليبيا إلى أوروبا عبر إيطاليا"، كما قال.
"استراتيجية برلمانية"
في حين أكدت رئيسة اللجنة الوطنية لرسم سياسات واستراتيجيات الهجرة بمجلس النواب، ربيعة بوراس أن "ملف الهجرة غير الشرعية أحد الملفات المزعجة والمؤرقة للدولة الليبية، ورغم عقد عدة مؤتمرات رسمية لمناقشة هذا الملف ووضع استراتيجيات للحل إلا أنه لا زال من الملفات المؤرقة، لذا اتخذنا خطوة في مجلس النواب لمحاولة معالجته".
وأوضحت في تصريحات لـ"عربي21" أن "مجلس النواب عمل من خلال اللجنة الوطنية لرسم سياسات واستراتيجيات الهجرة على وضع استراتيجية وطنية لإدارة ملف الهجرة على المستوى الوطني ونتج عن هذه الاستراتيجية المرصد الوطني للهجرة، وهذه الخطوة سوف تسهم بشكل بناء في الحد من ظاهرة الهجرة غير القانونية، وستضع حدا للكثير من الممارسات الخاطئة وغير القانونية التي تؤثر سلبا على وضع الدولة الليبية دوليا وإقليميا، لكن هذا يحتاج إلى تعاون من جميع الجهات التنفيذية والأمنية".
"شبكات إجرامية وعجز حكومي"
الباحث المشارك في المعهد الملكي للخدمات المتحدة لدراسات الدفاع والأمن، جلال حرشاوي أكد من جانبه أن "شبكات إجرامية هي التي تُمكّن المهاجرين السريين من الوصول إلى أوروبا وأمريكا، وأن أخذ المهاجرين من أوزبكستان أو الهند، وتقديم الوعود لهم بأنهم سيصلون إلى جنوب الولايات المتحدة، عبر العديد من البلدان والقارات بشكل غير نظامي، لا يمكن أن يتم إلا بفضل الشبكات الإجرامية العابرة للحدود الوطنية، وبتواطؤ بعض الدول، التي لم يسمها"، بحسب تصريحات صحفية.