صحافة دولية

الصراع يتصاعد في السودان.. هل يتحول إلى نسخة أسوأ من الصومال؟

الخبراء يؤكدون أن عواقب انهيار السودان ستكون بعيدة المدى- جيتي
توقع المبعوث الأمريكي الخاص للسودان، توم بيرييلو أن يكون السيناريو الأسوأ في السودان هو نسخة من الصومال لمدة 20 أو 25 سنة.

ونشرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية تقريرًا حول تحذيرات المبعوث الأمريكي الخاص للسودان من أن الحرب الأهلية في السودان يمكن أن تتصاعد إلى نزاع إقليمي وتكرر سيناريو الصومال.

وقالت المجلة، في هذا التقرير الذي ترجمته "عربي21"، إن المبعوث الأمريكي حذر من السرعة التي يمكن أن يتحول بها هذا الصراع من حرب ذات طرفين إلى حرب ذات سبعة أو ثمانية أطراف بتدخل من الدول المجاورة.

ورسم بيرييلو صورة قاتمة للحرب الأهلية الراهنة في السودان بين القوات المسلحة السودانية وميليشيا قوات الدعم السريع، التي دفعت البلاد إلى حافة الانهيار الإنساني والمجاعة بعد سنة من الحرب.

ولطالما حذّر محللون سودانيون وخبراء خارجيون من أن العالم يتجاهل الحرب إلى حد كبير إذ تلقي الصراعات في غزة وأوكرانيا بظلالها عليها، لكن تعليقات بيرييلو تقدم بعضًا من أشد التحذيرات حتى الآن من المسؤولين الغربيين بشأن التداعيات الجيوسياسية طويلة المدى التي يمكن أن تنتج عن استمرار الحرب الأهلية في السودان.

وأشارت المجلة إلى أن الرئيس الأمريكي جو بايدن كلف بيرييلو، وهو دبلوماسي سابق وعضو ديمقراطي في الكونغرس، بقيادة الجهود الأمريكية لمعالجة الأزمة في السودان في شباط/ فبراير الماضي. ومنذ ذلك الحين، حاول بيرييلو إحياء محادثات السلام في جدة بالسعودية، لكنه لم ينجح حتى الآن حيث أكد انخراط جميع الأطراف في محاولة إنهاء هذه الحرب كل يوم.

وأصبح احتمال إجراء محادثات سلام، رغم صعوبته، أكثر إلحاحًا مع تشديد قوات الدعم السريع الخناق حول مدينة الفاشر، وهي معقل مكتظ بالسكان للقوات المسلحة السودانية في منطقة دارفور غرب السودان. ومع تضخم عدد السكان إلى ما يصل إلى 2.8 مليون نسمة وفرار الناس من العنف في أماكن أخرى من البلاد، أصبحت الفاشر الآن شبه محاصرة بمقاتلي قوات الدعم السريع.

وتخشى جماعات الإغاثة من أن ترتكب قوات الدعم السريع فظائع واسعة النطاق، بما في ذلك الاغتصاب الجماعي والتعذيب والإعدام إذا سيطرت على المدينة كما فعلت في مدن أخرى سيطرت عليها. وخلصت وزارة الخارجية الأمريكية في كانون الأول/ديسمبر إلى أن طرفي الصراع ارتكبا جرائم حرب وأن قوات الدعم السريع والميليشيات المتحالفة معها ارتكبت تطهيرًا عرقيًا.

ويقول الخبراء إن عواقب انهيار السودان ستكون بعيدة المدى. فقد كان للصراع في ليبيا المجاورة، التي يبلغ عدد سكانها أكثر من 6 ملايين نسمة، آثار واسعة النطاق على تدفق المقاتلين المتطرفين والأسلحة إلى أجزاء أخرى من القارة، بما في ذلك منطقة الساحل، وآثار كبيرة على تدفق اللاجئين الذين يحاولون العبور إلى أوروبا. وبالمقارنة، يبلغ عدد سكان السودان نحو 50 مليون نسمة، ومن الممكن أن يمتد عدم الاستقرار فيه بسهولة إلى البلدان المجاورة التي تعاني بالفعل من عدم الاستقرار المزمن، مثل جنوب السودان وتشاد وجمهورية أفريقيا الوسطى.

وحسب كاميرون هدسون، الخبير في سياسة الولايات المتحدة في أفريقيا في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، فإن هذه الأزمة قد تكون أكبر بعشرة أضعاف من حجم الأزمة الليبية. وإذا انهار السودان فمن المستحيل السيطرة على التدفق غير القانوني للمخدرات والأسلحة والمهاجرين والمقاتلين عبر المناطق غير المستقرة في أفريقيا. وهناك عواقب وخيمة لتجاهل السودان أو فهم الأمر بشكل خاطئ.

وأفادت المجلة بأن السودان في أوائل التسعينيات، في عهد الدكتاتور عمر البشير آنذاك، كان بمثابة ملجأ لأسامة بن لادن، الذي استخدم قاعدته هناك لتحويل تنظيم القاعدة إلى شبكة إرهابية عالمية قبل هجمات 11 أيلول/سبتمبر. وكانت حماس وحزب الله وجماعات مسلحة أخرى تنشط هناك أيضًا خلال هذه الفترة حيث وفر لها البشير ملاذًا آمنًا.

ويحذر المسؤولون والخبراء من أن وجود دولة فاشلة في السودان قد يمنح الجماعات الإرهابية موطئ قدم جديدا في المنطقة. كما يخشون من أنه مع تزايد يأس القوات المسلحة السودانية في معركتها ضد قوات الدعم السريع، فإنها ستتجه بشكل متزايد إلى العناصر الإسلامية القوية من الحرس القديم التي ساعدت ذات يوم في حكم البلاد للحصول على مزيد من الدعم.

بعد الإطاحة بالبشير في سنة 2019، بدأ السودان طريقًا بدا واعدًا، وإن كان هشًا، نحو الديمقراطية. ولكن في أواخر سنة 2021، استولى قائد القوات المسلحة السودانية، الفريق أول عبد الفتاح البرهان، ورئيس قوات الدعم السريع، محمد حمدان "حميدتي" دقلو، بشكل مشترك على الحكومة الانتقالية المدنية في انقلاب.

وتدهورت العلاقات بين الجانبين بشكل مطرد مع تنافس الفصيلين المتنافسين على السلطة حتى اندلاع الحرب في نيسان/أبريل 2023، وهي أزمة يعزوها الخبراء جزئيًا إلى الأخطاء التي ارتكبتها سياسة إدارة بايدن تجاه أفريقيا.

ومنذ ذلك الحين، قُتل ما يصل إلى 150 ألف شخص وفقاً لبعض التقديرات، ونزح ما يقارب 9 ملايين شخص، ويحتاج ما يقارب نصف سكان السودان، البالغ عددهم 25 مليون نسمة، إلى مساعدات إنسانية منقذة للحياة، وفقا لبيانات الأمم المتحدة.

وأوضحت المجلة أن المشرعين في مجلس النواب يعدون قرارًا يعترف بوقوع إبادة جماعية في السودان، وذلك وفقًا لثلاثة موظفين في الكونغرس مطلعين على الأمر، في محاولة لجذب المزيد من الاهتمام للصراع والضغط على إدارة بايدن لتكثيف الجهود الدبلوماسية بشأن وقف إطلاق النار.

لقد تحول الصراع الآن إلى منافسة بالوكالة حيث تتنافس القوى الإقليمية المختلفة على النفوذ الجيوسياسي في السودان، وتدعم مصر والسعودية القوات المسلحة السودانية، بينما سعى البرهان أيضًا إلى تعزيز العلاقات مع روسيا وإيران لدعم الجهود الحربية المتعثرة التي تبذلها قواته. واتُهمت الإمارات العربية المتحدة بنقل الأسلحة والموارد إلى قوات الدعم السريع.

وادعى المسؤولون الإماراتيون علنًا أن البلاد لا تزود قوات الدعم السريع بأي أسلحة، ومع ذلك كان المشرعون الأمريكيون صريحين في إدانة توريد الإمارات السري للذخائر ودعم قوات الدعم السريع مع تزايد الأدلة على الفظائع التي ترتكبها قوات الدعم السريع في أنحاء السودان. وقدمت النائب سارة جاكوبس، وهي ديمقراطية تقدمية وعضو بارز في لجنة الشؤون الخارجية بمجلس النواب، مشروع قانون الشهر الماضي يحظر مبيعات الأسلحة الأمريكية إلى الإمارات حتى تشهد إدارة بايدن أن الدولة لم تعد تقدم الدعم لقوات الدعم السريع.

وفي أذار /مارس، سافرت جاكوبس ضمن وفد من الكونغرس، مع بيرييلو، إلى الحدود التشادية السودانية لزيارة مخيمات اللاجئين التي تؤوي المدنيين السودانيين الذين فروا من الصراع، وصرحت بأنها لم تر قط أطفالاً يعانون من الصدمة بشكل واضح كما كانوا هناك.

وأشارت المجلة إلى أن هناك نقاشًا نشطًا في واشنطن حول كيفية جلب القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع إلى طاولة المفاوضات. ويركز جزء من هذا النقاش على العقوبات حيث فرضت إدارة بايدن عقوبات على مجموعة من الشركات والقادة السودانيين على جانبي الصراع في محاولة لوقف تدفق الأموال التي تمول الحرب.

لكن واشنطن لم تفرض بعد عقوبات على حميدتي نفسه أو تنتقد الإمارات صراحةً علناً لدعمها قوات الدعم السريع، على الرغم أن مبعوثة بايدن إلى الأمم المتحدة، ليندا توماس غرينفيلد، أشارت علنًا إلى دور الإمارات بخطاب صيغ بعناية.

وانتقد بعض الخبراء العقوبات الأمريكية على السودان قائلين إنها متفرقة ومجزأة للغاية بحيث لا يمكن أن تؤثر وتدفع الجانبين إلى التفاوض.

وحسب هدسون، فإن الجدية بشأن إجراء محادثات سلام تستلزم إما تحفيز المجموعات على الحضور إلى تلك المحادثات، وهو ما لا نفعله، أو فرض تكاليف باهظة عليهم لعدم الحضور لدرجة أنهم يضطرون إلى ذلك.

ويؤكد بيرييلو أن الولايات المتحدة "قادت الطريق" فيما يتعلق بالعقوبات على السودان، وأن التهديد بفرض عقوبات وحده ساعد حتى الآن في الضغط على حميدتي لتأجيل شن هجوم واسع النطاق على الفاشر.

وقد ألقت المنافسة بين القوى العظمى أيضًا بظلالها على رد فعل الولايات المتحدة على الصراع حيث تتنافس مع روسيا على النفوذ في أفريقيا وعبر ما يسمى بالجنوب العالمي. وقالت الحكومة التي تديرها القوات المسلحة السودانية في بيان صدر مؤخراً إن نائب البرهان، مالك عقار، إلى جانب مسؤولين سودانيين كبار آخرين، سيسافرون إلى روسيا هذا الأسبوع للقاء الرئيس فلاديمير بوتين. ويأتي الاجتماع في الوقت الذي تتطلع فيه روسيا إلى فتح محطة وقود عسكرية على البحر الأحمر لتوسيع موطئ قدمها في الممر المائي ذي الأهمية الاستراتيجية.
الأكثر قراءة اليوم
الأكثر قراءة في أسبوع