قال الباحث في مجلس
العلاقات الخارجية الأمريكي، ستيفن كوك، إن العديد من الأفكار والافتراضات التي كانت بمثابة ركائز
لسياسة واشنطن في
الشرق الأوسط على مدى العقود الثلاثة الماضية لم تكن أكثر من
مجرد أوهام يغذيها الطموح، وبعد سنوات من النجاح في المنطقة، وصلت السياسة
الخارجية الأمريكية إلى نقطة تقاطع الخيال والفشل.
وأوضح كوك في مقال له
بموقع فورين بوليسي، ترجمته
"عربي21" أن هناك انجذابا قويا ومفهوما داخل مجتمع السياسة الخارجية
الأمريكية بما في ذلك بين المسؤولين في إدارة
بايدن للانسحاب من المنطقة، وفي
الواقع، فإن الاستمرار في الابتعاد عن المنطقة سيكون بمثابة هزيمة ذاتية للولايات
المتحدة.
وقال إنه "تستند الرغبة في الانسحاب من الشرق
الأوسط إلى حد كبير على رواية غير تاريخية حول مواجهة الولايات المتحدة في
المنطقة - ولا سيما أن واشنطن لم تكن قادرة على تحقيق أهدافها هناك. لقد كانت
الولايات المتحدة ناجحة بالفعل في المنطقة طوال فترة الحرب الباردة: فالقوة
الدبلوماسية والاقتصادية والعسكرية الأمريكية حالت دون انقطاع تدفق النفط،
وساعدت إسرائيل على درء التهديدات لأمنها، ومنعت الاتحاد السوفييتي، طالما كانت
موجودة، من محاولة السيطرة على المنطقة".
وأشار إلى أن حظوظ واشنطن في الشرق الأوسط، بدأت تتغير
بعد وقت قصير من انتصارين جيوسياسيين كبيرين: هزيمة قوات الزعيم العراقي صدام
حسين في الكويت عام 1991 وانهيار الاتحاد السوفييتي في وقت لاحق من ذلك العام،
وبدءا بالرئيس بِل كلينتون، سعى المسؤولون في واشنطن ومجتمع السياسة الخارجية
إلى إحداث تحول في السياسة والمجتمع في الشرق الأوسط. لقد كانت هذه الأجندة
المفرطة في الطموح هي التي أدت إلى
فشل السياسات، ما دفع كبار المحللين
والمسؤولين والصحفيين والنقاد إلى التمسك بفكرة الانسحاب أو تخفيض النفقات في
المنطقة.
ومع ذلك، فإن الافتراض الأساسي أن التخفيض الأمريكي من
شأنه أن يترك المنطقة في وضع أفضل هو افتراض معيب، بحسب الكاتب، وقال إنه من بين
السياسات المفضلة لدى أولئك الذين يدعمون التقشف اليوم "التوازن
الخارجي"، إذ تزود الولايات المتحدة شركاءها في الشرق الأوسط بالأسلحة
والعتاد اللازم لإقامة نظام إقليمي مستقر.
وشدد كوك على أن انعدام الثقة هذا له عواقب في العالم
الحقيقي. فعلى سبيل المثال، عندما توغل الجيش الروسي في أوكرانيا في أوائل عام
2022، لم تكن السعودية والقوى الإقليمية الأخرى تميل إلى الانضمام إلى الجهود
الأمريكية لمعاقبة موسكو على غزوها.
ورفضت الرياض بثبات مناشدات واشنطن لضخ المزيد من
النفط، وهو ما كان يعني الانفصال عن شريكتها روسيا في أوبك+. وقال وزيرا النفط
السعودي والإماراتي إن استقرار سوق النفط أكثر أهمية من ممارسة السياسة مع أوبك+. كان هذا بمثابة انتقاد دبلوماسي ملحوظ لبايدن، الذي أراد الإضرار بالمجهود
الحربي الروسي من خلال انخفاض أسعار النفط والذي كان سيستفيد من الانخفاض المصاحب
في الأسعار في محطات الوقود للأمريكيين.
وكانت الاتهامات المتبادلة مؤسفة لأن الشرق الأوسط كان،
وسيظل مهما بالنسبة للولايات المتحدة. وبعيدا عن النفط وإسرائيل اللذين دارت
حولهما سياسة الولايات المتحدة منذ فترة طويلة فإن المنطقة، معرضة لخطر كونها على
مفترق طرق. ومن وجهة
نظر الولايات المتحدة، يعد الشرق الأوسط حقا مركزا لمصالحها العالمية الأساسية،
حيث يربط استثمارها في استقرار أوروبا بالفرص المتاحة في آسيا.
وقال الباحث: "إذا نظرنا إلى السنوات الثلاثين
الماضية من سياسة الولايات المتحدة، فإنه يتعين على الأمريكيين أن ينبذوا السياسات
الخيالية التي تنتهجها بلادهم لتحويل الشرق الأوسط، والرغبة في الانسحاب من
المنطقة، ردا على فشل تلك السياسات، لم يحن الوقت للتقشف، بل لتجديد هدف واشنطن
في الشرق الأوسط".