نشرت مجلة "
فورين بوليسي" مقالًا، للكاتب ديفيد بولانسكي، تحدّث فيه عن كتاب "فخ أخيل" للكاتب ستيف كول، وهو الذي يعتبر أن غزو
العراق عام 2003 كان كارثة، وأن الحرب نفسها كانت من صنع وسائل الإعلام بقدر ما كانت من صنع الحكومة؛ إذ ساعدت وسائل الإعلام الكبرى، بدءًا من صحيفة نيويورك تايمز مرورً بـ"أتلانتيك" وانتهاء بـ"نيويوركر"، في إضفاء الشرعية على الحرب.
وأوضح الكاتب، في مقاله الذي ترجمته "عربي21"، أن كول، حدّد العديد من الإخفاقات الأمريكية في العراق، من بينها ما وصف بـ"فشل التفاهم"؛ حيث إن الرئيس العراقي السابق
صدام حسين، لم يستطع قط فهم نوايا الولايات المتحدة.
وتابع بأنه على الرغم من دهائه؛ فقد ظل مذعورًا بشكل أساسي من الولايات المتحدة، سواء كان ذلك خلال سنوات التحالف الضمني خلال الثمانينيات أو فترة العداء اللاحقة، ما دفعه إلى الخداع عندما كان من الممكن أن تخدمه الصراحة بشكل أفضل. وقد أدى ذلك إلى نتائج مأساوية في نهاية المطاف عندما شنت الولايات المتحدة غزوها على العراق سعيًا وراء أسلحة الدمار الشامل التي لم تكن موجودة آنذاك.
وأضاف الكاتب أن تركيز كول الرئيسي على العلاقة الثنائية بين الولايات المتحدة والعراق يوفر رؤية ثاقبة، إلا أنه يخاطر أيضًا باستبعاد دور النظام العالمي ككل، والذي تمتعت الولايات المتحدة بهيمنة لا مثيل لها عليه في فترة ما بعد الحرب الباردة، خلال السنوات التي سبقت غزو العراق سنة 2003. لذلك فإنه في حين أنه من الصحيح أن صدام حسين ضلّل الولايات المتحدة وأخطأ في قراءة نواياها، إلا أنه من الصحيح أكثر أن الولايات المتحدة، بقدراتها والتزاماتها العالمية، اختارت جلب الكثير من الاهتمام والقلق إلى العراق.
وأشار الكاتب إلى أنه منذ نهاية الحرب الباردة؛ أثبت صناع السياسات في الولايات المتحدة أنهم غير قادرين على تحديد المصالح الوطنية وتحديد الأولويات العالمية، وكانت النتيجة أنه لم يكن هناك أي طريقة لتوضيح سبب استحقاق منطقة أو بلد ما اهتمامًا أكبر من أي منطقة أو بلد آخر.
واستمر هذا الغموض الاستراتيجي على أعلى المستويات في ما يتعلق بالأهمية النسبية للشرق الأوسط وأهداف الولايات المتحدة فيه طوال التسعينيات. وبحلول الوقت الذي وقعت فيه أحداث 11 أيلول/ سبتمبر، كان الاعتماد على المسار وحده قد رفع بالفعل من أهمية العراق بالنسبة للحكومة الأمريكية إلى ما هو أبعد من أي نسبة معقولة. وحلّ الوضوح الزائف محل الأمل الغامض في ما يتعلق بأهدافها.
وأفاد الكاتب بأنه لا يمكن أن يُعزى أي من هذا إلى مغامرات صدام الخطيرة أو إلى الديناميكية الدبلوماسية بين البلدين. لذا، فرغم أنه من الصحيح أن كلاً منهما أخطأ في قراءة النوايا الأساسية للآخر، فإن مشكلة الفهم الخاطئ في نهاية المطاف ليست كافية ولا ضرورية لتفسير ما حدث في ربيع عام 2003.
وقال الكاتب إن تفسير "سلسلة الأخطاء" يفسِّر بشكل أفضل حرب الخليج سنة 1991، والتي لم يكن أي من الطرفين راغبًا فيها حقًا. ويقدم كول وصفًا واضحًا لذلك التاريخ أيضًا، والذي، من بين نقاط قوته، يدافع بحق عن السفيرة آنذاك آبريل غلاسبي من اللوم غير العادل الذي تحملته في أعقاب غزو صدام حسين للكويت.
وذكر الكاتب أن الولايات المتحدة فشلت في ردع العراق عن غزو الكويت. لكن بصرف النظر عن حقيقة أن أحدًا تقريبًا، بما في ذلك الزعماء العرب الآخرين، لم يتوقع ذلك؛ فإن النظرة التلسكوبية لكول تجعل العراق عشية قرار صدام حسين بالغزو يبدو أكبر بكثير وأكثر أهمية من وجهة نظر عالمية مما كان عليه في الواقع.
وأشار إلى أنه في آب/ أغسطس 1990، لم يكن قد مضى على مذبحة ميدان السلام السماوي سوى سنة واحدة بالكاد، ولم يكن الاتحاد السوفييتي قد تفكك بعد، وكانت عملية إعادة توحيد ألمانيا لا تزال جارية. وحتى بعد غزو الكويت، لم يكن من البديهي أن تستنتج إدارة بوش (الأولى) أن العملية تستحق ردًا أمريكيًا بهذا الحجم.
وعلى النقيض من ذلك، كان الدافع إلى الحرب خلال فترة الثمانية عشر شهرًا بين هجمات 11 أيلول/ سبتمبر وبداية عملية حرية العراق كبيرًا لدرجة أنه من الصعب تصور واقع مضاد معقول يمكن من خلاله تجنب الحرب.
وفي الواقع، توضح تقارير كول، في بعض النواحي على الرغم من أطروحته الأكبر، أنه لم يكن هناك معيار أدلة معقول من شأنه أن يرضي قادة الولايات المتحدة في ما يتعلق بصحة ادعاءات صدام حسين، وكان هذا صحيحًا بالفعل خلال رئاسة كلينتون، بحسب الكاتب.
وتابع الكاتب قائلًا إنه على الرغم من أن هذه كانت إلى حد ما قصة سوء قراءة النوايا والتحيز التأكيدي، إلا أنها في الأساس قصة حول المعتقدات التي كان صناع السياسة الأمريكيين يؤمنون بها حول العالم، والتي تكثفت جميعها بشكل كبير في أعقاب هجمات 11 أيلول/ سبتمبر. وعلى وجه التحديد؛ اعتقدوا أن الأنظمة السيئة والقادة السيئين يمثلون المصدر الأكبر للتهديدات الدولية، وأن سياسة الولايات المتحدة يجب أن تركز على استبدال كليهما بحسب الحاجة، وأن فوائد القيام بذلك قد تتجاوز التكاليف.
وبيّن الكاتب أنه من خلال التأكيد على الأخطاء الإجرائية بشأن الإخفاقات الأكثر جوهرية في الاستراتيجية والتفكير الجيوسياسي، فإن كول يخفف من قوة انتقاداته في البداية. فهو يتيح لنا أن نرى مدى الشك الذي كانت عليه تحليلات قدرات صدام حسين ونواياه، لكن ليس إلى الدرجة التي جعلها تبدو مقنعة للغاية لكل من صناع القرار في الولايات المتحدة وغالبية الجمهور الأوسع في ذلك الوقت.
وأضاف الكاتب أن كول أجاب بشكل مفيد عن أسئلة "كيف“ و"ماذا" حدث بالنسبة لغزو العراق، بينما يبقى سؤال "لماذا" بدون إجابة. ويسلط كول الضوء بحق على دور كل من المروجين للديمقراطية من المحافظين الجدد (بول وولفويتز) والعسكريين العدوانيين (ديك تشيني، ودونالد رامسفيلد، وآخرين) في قرار الغزو في نهاية المطاف، ولكن حتى هنا تتجاهل روايته مدى شعبية هذا القرار في الواقع، على الأقل في البداية.
ووجد العديد من الأشخاص داخل الحكومة وخارجها أنفسهم يدعمون الغزو على الرغم من قلّة معرفتهم بالمتطلبات الفنية لبرنامج أسلحة الدمار الشامل الفعال أو تحريفات صدام حسين لذلك.
واختتم الكاتب مقاله قائلًا إن معالجة سؤال "لماذا" سوف يتطلب فحصًا أكثر شمولاً للعيوب التي تصيب الكيفية التي ترى بها مؤسسة
صنع السياسات، وربما لا تزال ترى من نواحٍ عديدة، العالم ومكانة أمريكا فيه. وبعبارة أخرى، فإن الاعتراف بمدى الجنون، ومدى قلة الحواجز الجيواستراتيجية التي كان عليها لتقييد تلك الدوافع، هو أمر آخر.