سلط
معهد واشنطن الضوء على
التحديات التي يواجهها النظام في
إيران، لتحديد بديل للرئيس الإيراني الراحل، إبراهيم
رئيسي، عبر انتخابات مبكرة ستجري الشهر القادم.
وقال تحليل للمعهد؛ إنه "على غرار ما حدث في
الانتخابات الإيرانية الماضية، فإن المنافسة لتحديد بديل للرئيس الراحل رئيسي، لن تتعلق بخيارات الشعب بقدر ما تتعلق بالاتجاه الذي يريد المرشد الأعلى أن تسلكه إيران".
وتستعد إيران لإجراء انتخاباتها الرئاسية الطارئة في 28 حزيران/ يونيو، فيما يواجه النظام تحديا كبيرا، إذا كان يريد جذب ما يكفي من الاهتمام العام بالانتخابات، بما يجعلها تبدو ذات مصداقية. وفقا للمعهد.
وزعم كاتب التحليل، أن "لدى المرشد الأعلى عادة قديمة بالتلاعب بالانتخابات الرئاسية لتحقيق النتيجة المرجوة، حتى عندما تكون أهدافه مخالفة لما قد تتوقعه الأطراف الخارجية. ففي عام 2013 على سبيل المثال، فاجأ الكثيرين بعدم إقدامه على أي خطوة لتقليص عدد المرشحين المحافظين المسموح لهم بخوض الانتخابات، مما مكّن المعتدلين من التوحد لدعم مرشح واحد هو حسن روحاني، بينما توزعت أصوات المتشددين على عدة مرشحين".
وتاليا نص تحليل المعهد الذي كتبه پاتريك كلاوسون:
على غرار ما حدث في الانتخابات الإيرانية الماضية، فإن المنافسة لتحديد بديل للرئيس الراحل رئيسي لن تتعلق بخيارات الشعب، بقدر ما تتعلق بالاتجاه الذي يريد المرشد الأعلى أن تسلكه الجمهورية الإسلامية.
بينما تستعد إيران لإجراء انتخاباتها الرئاسية الطارئة في 28 حزيران/يونيو، يواجه النظام تحديا كبيرا إذا كان يريد جذب ما يكفي من الاهتمام العام بالانتخابات، بما يجعلها تبدو ذات مصداقية.
في السنوات الماضية، نظّمت الجمهورية الإسلامية الانتخابات بتأن لإعطاء الانطباع بالمنافسة، ويهدف ذلك جزئيا إلى إقناع الإيرانيين الذين يريدون التغيير بأنهم قادرون على تحقيقه من خلال العمل ضمن النظام. ولكن في هذه الأيام، يبدو أن النخبة غير مهتمة بالحفاظ على هذا الوهم.
على سبيل المثال، في الجولة الثانية من الانتخابات البرلمانية لهذا العام، التي جرت في 10 أيار/مايو، اعترفت الحكومة الإيرانية بأن أقل من 8 في المائة من الناخبين المؤهلين في طهران قد شاركوا في الانتخابات، وهو انخفاض كبير عن نسبة 41 في المائة المسجّلة على مستوى البلاد في الجولة الأولى، التي أجريت في 1 آذار/مارس.
ومن المفترض أن يشارك عدد أكبر من الناخبين في الانتخابات الرئاسية، لكن نسبة المشاركة في المدن الكبرى قد تكون أقل بكثير من نسبة 60 في المائة، التي اعتبرها المرشد الأعلى علي خامنئي في السابق الحد الأدنى "لإثبات" الدعم الشعبي للنظام. ففي انتخابات عام 2021، زعمت الحكومة أن نسبة المشاركة بلغت 49 في المائة، في انخفاض حاد عن نسبة 70 في المائة المعلنة في عام 2017، و76 في المائة في عام 2013، و85 في المائة في عام 2009. حتى إن هذا الرقم المنخفض المزعوم كان مرتفعا بشكل غير معقول، وفقا لعدة محللين. وإذا أصبحت نسبة المشاركة أقل أهمية بالنسبة للنظام، فما هي أولوياته في الدورة الانتخابية الحالية؟
سجل خامنئي في إدارة مرحلة الانتخابات
لدى المرشد الأعلى عادة قديمة بالتلاعب بالانتخابات الرئاسية لتحقيق النتيجة المرجوة، حتى عندما تكون أهدافه مخالفة لما قد تتوقعه الأطراف الخارجية. ففي عام 2013 على سبيل المثال، فاجأ الكثيرين بعدم إقدامه على أي خطوة لتقليص عدد المرشحين المحافظين المسموح لهم بخوض الانتخابات، مما مكّن المعتدلين من التوحد لدعم مرشح واحد هو حسن روحاني، بينما توزعت أصوات المتشددين على عدة مرشحين.
ولتعزيز حظوظ تحقيق النصر المعتدل، تحاشى دعوته المعتادة للناخبين للإدلاء بأصواتهم كوسيلة لإظهار دعمهم للجمهورية الإسلامية. وبدلا من ذلك، طلب من جميع الإيرانيين، حتى أولئك غير الداعمين للنظام، التصويت. وسمح بمناظرات حرة أطاح فيها روحاني بالمرشح المتشدد البارز سعيد جليلي. بعبارةٍ أخرى، ضمن خامنئي فوز روحاني، تماما كما استخدم تغيير القواعد وغيرها من التكتيكات، لضمان فوز المرشحين المتشددين في انتخاباتٍ أخرى.
ويتمثل هدف خامنئي من هذا التلاعب بدفع السياسة الإيرانية في الاتجاه الذي يريدها أن تسلكه. فالانتخابات هي بمنزلة مؤشر، وليست فرصة للناخبين للتعبير عن تفضيلاتهم. ففي عام 2013، رأى خامنئي أنه من الضروري رفع العقوبات الأمريكية عن الاقتصاد الإيراني المتعثر، أي السعي إلى التوصل إلى اتفاق نووي؛ ولذلك، سمح بإجراء محادثات مع الولايات المتحدة حتى قبل تلك الانتخابات.
وتم استكمال الاتفاق النووي في فترة رئاسة روحاني، ولكن القرار الأساسي بسلوك هذا المسار، اتخذه خامنئي الذي مهّد الطريق لفوز الرئيس المعتدل في الانتخابات، من أجل تسهيل التوصل إلى اتفاق. وكذلك، خلال الدورة الانتخابية لعام 2005، أراد المرشد الأعلى إلغاء النخبة القديمة، فقام بتدبير هزيمة صانع الملوك، الذي حكم البلاد لفترة طويلة، وهو هاشمي رفسنجاني.
وفي الانتخابات الأخيرة، بما في ذلك انتخابات البرلمان و"مجلس خبراء القيادة" في الأول من آذار/مارس، استبعد "مجلس صيانة الدستور" الذي يسيطر عليه خامنئي أي مرشح كان ينتقد ولو بشكل طفيف السياسات المتشددة. ومن بين هؤلاء روحاني، الذي خدم لفترة طويلة في "المجلس"، ولكن مُنع من الترشح هذا العام. وردا على ذلك، حذّر روحاني من أن القرار "المتحيّز سياسيا"، "يقوّض ثقة الأمة في النظام" ويُظهر أن النخبة الحاكمة تحاول "الحد من المشاركة العامة في الانتخابات، [و] إملاء مصير الشعب". وقد يصدر المزيد من هذه التصريحات النقدية في الفترة التي تسبق انتخابات 28 حزيران/يونيو، مما يمنح الحكومة الأمريكية فرصا لتسليط الضوء على أمثلة عن مسؤولين إيرانيين ينتقدون الانتخابات التي أصبحت زائفة.
سيناريوهات الانتخابات الحالية
سيكون المنتصر الأكثر ترجيحا في انتخابات 28 حزيران/يونيو، مرشحا ملتزما بإبقاء إيران على مسارها الحالي. فطوال الأشهر الأخيرة، أظهرت خطابات خامنئي المتكررة، التي تُعَدّ أفضل مؤشر على اتجاه السياسة الإيرانية، درجة كبيرة من الرضا، وليس القلق بشأن العقوبات أو التضخم أو غيرها من المشاكل. فهو يعد أنه يجب مواصلة الضغط على الغرب وإسرائيل في الوقت الحالي؛ لأنهما معزولان وخاسران. حتى إن رسالته حول حادث تحطُّم مروحية الرئيس إبراهيم رئيسي في 19 أيار/مايو، أكدّت هذا الموضوع، حيث صرّح خامنئي قائلا: "لا داعي للقلق، فشؤون الدولة لن تتعطّل أبدا".
وبناء على ذلك، فمن غير المرجح أن تنطوي الحملة المقبلة على أي مناقشة جادة لبدائل سياسية، بل قد يروّج النظام لمرشّح توافقي. ومن المفترض أن يكون شخصا غير متحيّ،ز وضعيفا إلى حدّ ما؛ بحيث لا يشكّل أي تهديد لأي مركز قوة، مثل رئيسي إلى حدّ كبير، وهذا من شأنه أن يقلل من حظوظ بعض المرشحين الدائمين البارزين مثل رئيس البرلمان محمد باقر قاليباف، الذي سجّل أداء ضعيفا في الانتخابات الرئاسية لعامَي 2005 و2013، وانسحب من حملة عام 2017 لصالح رئيسي (الذي خسر أمام روحاني)، والذي لا يتمتّع بشعبية تُذكر اليوم بعد عدة فضائح فساد. وفي انتخابات "المجلس" التي أجريت في الأول من آذار/مارس، لم يحصل سوى على 35 في المائة من عدد الأصوات الذي حصل عليها في عام 2020.
ويقينا، من المحتمل أن يفاجئ المرشد الأعلى المحللين من خلال تسهيل فوز شخص سيدفع باتجاه القيام بالتنازلات اللازمة للتوصل إلى اتفاق مع الغرب. لكن ذلك لن يتوافق أبدا مع حجة خامنئي المعتادة بأن "المقاومة" هي الطريق إلى النصر.
وفيما يتعلق بوزير الخارجية المقبل، ومن ثم باحتمال قيام الحكومة المقبلة بإطلاق محادثات مثمرة مع واشنطن، ربما يكون خامنئي قد أشار إلى نواياه من خلال اختيار علي باقري كني ليشغل المنصب بصورة مؤقتة، بعد مقتل حسين أمير عبد اللهيان في حادث تحطّم المروحية. فقد توقع العديد من المحللين أن يتم تعيين باقري كني وزيرا للخارجية بعد انتخاب رئيسي عام 2021، لكن تم استبعاده وفقا لبعض التقارير، بسبب علاقته الوثيقة مع سعيد جليلي، التي شملت إدارة الحملة الرئاسية الكارثية لعام 2013 التي عارض فيها جليلي أي تنازلات على الجبهة النووية. وعندما طُرِح الاتفاق النووي للموافقة عليه في عام 2015، عارضه باقري كني بشدّة، مجادلا مرارا وتكرارا، بأن المفاوضات مع الولايات المتحدة كانت خطأ. ويبدو أنه غيّر موقفه منذ ذلك الحين، حيث قاد المفاوضات بشأن الرهائن مع واشنطن في العام الماضي والمحادثات غير المباشرة هذا العام في سلطنة عُمان، وهو شخصية تتمتع ببعض النفوذ، لا سيما نظرا لانتمائه للأسرة الحاكمة، إذ إن شقيقه متزوّج من ابنة خامنئي. وإذا انطلقت أي مفاوضات جديدة، فسوف يطرح موقفا متشدداً مناهضا للغرب على الطاولة، ولكنه سيحظى أيضا بقدرة أكبر على الإنجاز، نظرا لعلاقته الوثيقة مع المرشد الأعلى.
الخطوات التالية لواشنطن
على الرغم من أن التصريحات الأمريكية بأن الإيرانيين يستحقون الديمقراطية بدلا من الانتخابات الزائفة، لا يمكنها بأي شكلٍ من الأشكال أن تؤثّر على سياسات طهران على المدى القصير، إلّا أن تكرار مثل هذه التصريحات بشكل متواتر وبصوت عال، لا يزال مهما من حيث التواصل مع الشعب الإيراني، والتأكيد أن الولايات المتحدة تدعم رغبته في التحكم بحياته بشكل أكبر. وفي الأسابيع المقبلة، ستبرز مناسبات عديدة للإدلاء بهذا النوع من التصريحات، وهي: في أثناء تسجيل المرشحين الرئاسيين (عندما يُفترض أن يتم استبعاد الإصلاحيين والمعتدلين بشكلٍ جماعي)، وخلال الحملة الانتخابية (عندما سيعمد النظام إلى قمع كل من ينتقد كيفية إدارته للانتخابات)، وفي يوم الانتخابات نفسه (عندما سيكون الإقبال محدودا على الأرجح)، وعند استلام الفائز منصبه (إذا فاز متشدد آخر من شأنه إدامة الوضع الراهن)، يجب على واشنطن أن تغتنم جميع هذه الفرص لإيصال رسالة، مفادها أن الجمهورية الإسلامية ليست جمهورية فعليا، بل دولة استبدادية بعيدة كل البعد عن الشعب الإيراني.
وكانت مثل هذه المشاعر واضحة أساسا في بيان وزارة الخارجية الأمريكية بعد وفاة رئيسي، حيث جاء فيه: "بينما تختار إيران رئيسا جديدا، نؤكد من جديد دعمنا للشعب الإيراني ونضاله من أجل حقوق الإنسان والحريات الأساسية". ويتوافق ذلك مع رسائل واشنطن بشأن الانتخابات الإيرانية الأخيرة، ولا بدّ من تكراره مرارا.
وتُعدّ وسائل التواصل الاجتماعي (مصدر الأخبار الرئيسي للعديد من الإيرانيين)، والبث الأجنبي من أفضل السبل لإيصال هذه الرسالة، بما في ذلك القنوات المموّلة من الحكومة الأمريكية، والإطلالات الإعلامية الخارجية للمسؤولين الأمريكيين. فمن خلال هذه السبل، تستطيع الأصوات الأمريكية أن تسلّط الضوء للإيرانيين على ما سوف تخفيه وسائل الإعلام التي يسيطر عليها نظامهم في الداخل، وعلى وجه التحديد التناقض بين الدعم الشعبي السابق للجمهورية الإسلامية واللامبالاة الشعبية اليوم، إن لم تكن المعارِضة. ولا يشكّل انخفاض نسبة إقبال الناخبين تهديدا لقبضة النظام الحديدية على السلطة، إلا أنه يدحض أي ادعاء بأن قادة إيران يتمتّعون بدعم شعبهم.
وإلى جانب تعزيز القيم الديمقراطية الأمريكية، يُعدّ استفزاز طهران بشأن ما إذا كانت هي أو واشنطن تحظى بدعم أكبر من الشعب الإيراني وسيلة جيدة لاكتساب بعض النفوذ الضروري؛ لأن النظام شديد الحساسية تجاه التصوّرات الدولية.