قضايا وآراء

أخلاقيات البيانات: لماذا تواجه تيك توك تدقيقا غير متكافئ؟

حملة ضد حظر تيك توك في أمريكا- جيتي ألطاف موتي
حملة ضد حظر تيك توك في أمريكا- جيتي
أشعلت الحملة الأخيرة لحظر تيك توك في الولايات المتحدة جدلا ساخنا حول التوازن الدقيق بين مخاوف الأمن القومي والحريات المدنية الفردية، وبينما يتصارع المشرعون مع الآثار المترتبة على هذا القرار، من الضروري دراسة السياق الأوسع والنظر في العواقب المحتملة على حرية التعبير والخصوصية وحقوق المواطنين الأمريكيين.

البعد العنصري للمراقبة

تتمتع المراقبة الداخلية الأمريكية بتاريخ مقلق في استهداف المجتمعات المهمشة، وفي ستينيات القرن العشرين، واجه النشطاء السود تدقيقا مكثفا، وفي فترة ما بعد 11 أيلول/ سبتمبر، خضع الأمريكيون المسلمون للمراقبة بشكل غير متناسب. تستمر الخطوة الأخيرة لحظر تيك توك في هذا النمط، فقد وقع الرئيس بايدن مؤخرا على مشروع قانون يمنح بايت دانس تسعة أشهر (أو ما يصل إلى عام، في ظل ظروف معينة) لتجريد نفسها من أعمالها في الولايات المتحدة، وإذا فشلت بايت دانس في القيام بذلك، فسيصبح من غير القانوني للكيانات الأمريكية تقديم خدمات استضافة الويب إلى تيك توك، مما سيؤدي إلى حظر التطبيق فعليا في عام 2025.

وتعتزم بايت دانس الطعن في هذا القانون في المحكمة بحجة أنه غير دستوري، وتهدف الشركة إلى حماية مصالحها ومنع البيع القسري أو الحظر الكامل لتيك توك في الولايات المتحدة.

في آب/ أغسطس 2020، أصدر الرئيس آنذاك دونالد ترامب أمرا تنفيذيا لحظر التطبيق فعليا في الولايات المتحدة، من خلال منع الكيانات الأمريكية من إجراء معاملات مع بايتدانس. وكان من المقرر في البداية أن يدخل هذا الأمر حيز التنفيذ في أواخر أيلول/ سبتمبر، ومع ذلك، استمرت المعركة القانونية، وظلت تيك توك تعمل في الولايات المتحدة.

صعود تيك توك
الاعتراف بعيوب تيك توك، من الضروري أن ندرك أن النظام البيئي للبيانات بأكمله استغلالي وضعيف، بغض النظر عن جنسية ملكية التطبيق. ويبدو أن الاندفاع لحظر تيك توك مدفوع بالرغبة في حماية بيانات المستخدم من الحكومات الأجنبية

تيك توك، منصة لمقاطع الفيديو القصيرة، اجتاحت العالم عن طريق العاصفة. ومع وجود أكثر من مليار مستخدم على مستوى العالم، فقد أصبحت ظاهرة ثقافية تسمح للأشخاص بالتعبير عن أنفسهم من خلال الموسيقى والكوميديا والمحتويات الإبداعية الأخرى. ومع ذلك، فإن صعودها السريع أثار أيضا الدهشة بين صناع السياسات، خاصة بسبب ملكيتها الصينية.

ما بعد تيك توك: استغلال البيانات ونقاط الضعف

مع الاعتراف بعيوب تيك توك، من الضروري أن ندرك أن النظام البيئي للبيانات بأكمله استغلالي وضعيف، بغض النظر عن جنسية ملكية التطبيق. ويبدو أن الاندفاع لحظر تيك توك مدفوع بالرغبة في حماية بيانات المستخدم من الحكومات الأجنبية، ويعرب كل من المشرعين الديمقراطيين والجمهوريين عن مخاوفهم بشأن احتمال مشاركة تيك توك لبيانات الأمريكيين مع الحكومة الصينية، وغالبا ما يتم تأطير "تهديد الأمن القومي" هذا من خلال إشارات غامضة إلى اتصالات الشركة المحتملة مع الحزب الشيوعي الصيني.

واتساب وميتا والمراقبة العسكرية الإسرائيلية

ومع ذلك، لم نشهد نفس الغضب من جانب السياسيين الأمريكيين بشأن التقارير التي تفيد بأن البيانات الواردة من تطبيق واتساب، المملوكة لشركة ميتا الأمريكية، ربما تكون قد استخدمت من قبل الجيش الإسرائيلي في استهداف الفلسطينيين. وقد نفت واتساب هذه التقارير، مشيرة إلى أنها غير دقيقة. ومع ذلك، وفقا لتقرير الشفافية الأخير المتاح من ميتا، قدمت حكومة إسرائيل 1,088 طلبا للشركة بين كانون الثاني/ يناير وحزيران/ يونيو 2023، وتم تصنيف أكثر من نصف هذه الطلبات على أنها طلبات إفصاح طارئة. وأنتجت ميتا بيانات المستخدم استجابة لأغلبية الطلبات المقدمة من الحكومة الإسرائيلية (78 في المائة).


ويشير قرار الحكومة الأمريكية بتمييز تيك توك مع تجاهل ممارسات مشاركة البيانات لشركات التكنولوجيا الأمريكية؛ إلى أن سياسة البيانات والمراقبة الأمريكية مدفوعة جزئيا بالعنصرية.

حجة الأمن القومي

تتمحور الحجة الأساسية ضد تيك توك حول الأمن القومي، ويزعم النقاد أن الشركة الأم للتطبيق، بايت دانس، من المحتمل أن تشارك بيانات المستخدم مع الحكومة الصينية. وفي حين لا يوجد دليل ملموس يدعم هذا الادعاء، فإن الخوف من النفوذ الأجنبي أدى إلى دعوات لحظرها.

دور شركات التكنولوجيا الكبرى
تتمتع فيسبوك وتويتر والمنصات الأخرى بسلطة هائلة على الخطاب العام، وغالبا ما تتخذ قرارات تحريرية تؤثر على ملايين المستخدمين. وتركيز هذه السلطة في أيدي عدد قليل من الشركات يثير المخاوف بشأن الرقابة، والتحيز، وتآكل القيم الديمقراطية

بينما نتصارع مع حظر تيك توك، يتعين علينا أيضا أن ندرس الدور الذي تلعبه شركات التكنولوجيا الكبرى في تشكيل مشهدنا الرقمي. تتمتع فيسبوك وتويتر والمنصات الأخرى بسلطة هائلة على الخطاب العام، وغالبا ما تتخذ قرارات تحريرية تؤثر على ملايين المستخدمين. وتركيز هذه السلطة في أيدي عدد قليل من الشركات يثير المخاوف بشأن الرقابة، والتحيز، وتآكل القيم الديمقراطية.

السياق العالمي

من الصعب عدم استنتاج أن حظر تيك توك تتم متابعته في هذه اللحظة بسبب تأثيره في تمكين الأصوات التي تم تهميشها سابقا، وهو وضع يضر بالرواية الأمريكية الرسمية. كما ألمحت رئيسة المفوضية الأوروبية أورسولا فون دير لاين إلى إمكانية حظر تيك توك في الاتحاد الأوروبي، مما يعكس الخطوات التي تم اتخاذها بالفعل ضد المنصة الموجودة على هواتف شركات المفوضية.

يسلط النقاش العالمي حول تيك توك الضوء على التوتر بين الأمن القومي والحقوق الفردية، وتتصارع الحكومات في جميع أنحاء العالم مع كيفية تنظيم المنصات الرقمية دون خنق حرية التعبير.

المعايير المزدوجة
يشكل حظر تيك توك سابقة قانونية لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي، فإذا تمكنت الحكومة من حظر تطبيق بناء على مخاوف تتعلق بالأمن القومي، فما هي المنصات الأخرى التي قد تواجه تدقيقا مشابها؟

من المفارقات أن التركيز على ممارسات بيانات تيك توك يسلط الضوء على المعايير المزدوجة، وتقوم شركات التكنولوجيا الأمريكية بشكل روتيني بجمع كميات هائلة من بيانات المستخدم، وغالبا دون موافقة صريحة. وقد واجهت شركات وسائل التواصل الاجتماعي العملاقة مثل فيسبوك وجوجل التدقيق بسبب ممارساتها المتعلقة بمشاركة البيانات، ومع ذلك فهي تواصل العمل بحرية.

ويكشف الغضب الانتقائي بشأن مشاركة تيك توك المحتملة للبيانات عن تحيز يقوض مبادئ المساواة في المعاملة والإنصاف.

السابقة القانونية

يشكل حظر تيك توك سابقة قانونية لتنظيم منصات التواصل الاجتماعي، فإذا تمكنت الحكومة من حظر تطبيق بناء على مخاوف تتعلق بالأمن القومي، فما هي المنصات الأخرى التي قد تواجه تدقيقا مشابها؟ إن التوازن الدقيق بين الأمن والحقوق الفردية يتطلب تشريعات مدروسة ورقابة قضائية، وستشكل قضية تيك توك المناقشات المستقبلية حول تنظيم التكنولوجيا.

وبينما نتعمق في تعقيدات حظر تيك توك، يجب علينا أن نأخذ في الاعتبار هذه الجوانب الإضافية. القرار يتجاوز تطبيقا واحدا؛ إنه يعكس التوترات المجتمعية الأوسع حول التكنولوجيا والحرية والحكم. دعونا ننخرط في مناقشات مستنيرة تحمي الحريات المدنية، وتعالج في الوقت نفسه المخاوف المشروعة.