تسلط
المقابر الجماعية التي عثر عليها الفلسطينيون في قطاع
غزة، بعد
انسحاب قوات الاحتلال، من مستشفيي الشفاء وناصر، الضوء على فداحة جرائم الاحتلال،
وأهمية الكشف عنها في تعزيز أدلة
الإبادة الجماعية.
وتعد المقابر الجماعية، جزءا من أدوات القتل، وركنا مهما في الإبادة
الجماعية، ويلجأ إليها الطرف المعتدي، من أجل إخفاء أعمال الإبادة الجماعية، عبر
دفن الضحايا بشكل جماعي، لتدمير الجثث وإخفائها، باعتبارها الدليل الواضح على
ارتكاب هذه الجرائم.
وتتم عملية القتل الجماعي والدفن في مقابر جماعية، بطرق وحشية ومروعة،
وقد يجري على الضحايا إطلاق نار جماعي، أو قتل بالأسلحة البيضاء، أو القتل
بالغازات أو الضرب أو الموت نتيجة التعذيب الشديد.
ويعمد مرتكبو جرائم الحرب، إلى عمل مقابر
جماعية، بشكل سري، لإخفاء جريمتهم وطمس الأدلة، عبر إخفاء أعداد الضحايا،
والحيلولة دون التعرف على هوياتهم لمنع أي محاسبة مستقبلية للمسؤولين عنها.
وعلاوة على هدف طمس الجريمة والأدلة عليها،
تستخدم المقابر الجماعية، كواحدة من أدوات الإرهاب والرعب، وتصديرها كرمز للقوة
والتهديد للمجتمعات أو الشعوب المستهدفة، لزيادة الخوف وتعزيز القمع والتطهير
العرقي أو الديني.
كيف يصنف القانون الدولي المقابر الجماعية؟
القانون الدولي، لا يصنف المقابر الجماعية، في خانة منفصلة، إنما تندرج في إطار القانون الإنساني الدولي والقانون الجنائي الدولي، ضمن الجرائم ضد الإنسانية
أو جرائم الحرب، أو الإبادة الجماعية.
ووفقا للتصنيفات الثلاثة السابقة، فإنه يمكن فهم موقعها كالآتي:
جرائم الحرب: بموجب اتفاقيات جنيف
وبروتوكولاتها الإضافية، يشكل القتل العمد أو التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية
للأشخاص المحميين، بمن فيهم المدنيون وأسرى الحرب، جرائم حرب، ويمكن أن تكون
المقابر الجماعية دليلا على مثل هذه الجرائم، خاصة إذا كانت تحتوي على جثث أفراد قتلوا
بشكل غير قانوني أو تعرضوا لمعاملة لاإنسانية أثناء النزاع المسلح.
الجرائم ضد الإنسانية: غالبا ما ترتبط المقابر
الجماعية بجرائم ضد الإنسانية، مثل القتل والإبادة والاختفاء القسري وغيرها من
الأعمال اللاإنسانية المرتكبة كجزء من هجوم واسع النطاق أو منهجي ضد السكان
المدنيين، يحدد نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية الجرائم ضد الإنسانية
وينص على الاختصاص القضائي لمحاكمة الأفراد المسؤولين عن مثل هذه الأفعال.
الإبادة الجماعية: تعرف اتفاقية منع جريمة
الإبادة الجماعية والمعاقبة عليها الإبادة الجماعية بأنها أفعال معينة ترتكب بقصد
التدمير، كليا أو جزئيا، لمجموعة قومية أو إثنية أو عنصرية أو دينية، ويمكن أن
تكون المقابر الجماعية بمثابة دليل على الإبادة الجماعية عندما تحتوي على رفات
أعضاء مجموعة مستهدفة قتلوا كجزء من حملة إبادة جماعية.
أشهر المقابر الجماعية:
مقابر الطنطورة:
تعد المقبرة الجماعية، الناتجة عن مجزرة الطنطورة، واحدة من أهم
الجرائم التي ارتكبت بحق الفلسطينيين، والتي كشفت عنها شهادات لناجين من المجزرة،
فضلا عن شهادات لباحثين يهود مناهضين للاحتلال، كشفوا عن وقوعها.
وارتكبت مجزرة الطنطورة، وهي القرية الواضعة، على ساحل البحر المتوسط
قرب حيفا، بعد نحو أسبوع على إعلان قيام دولة الاحتلال، عام 1948، ونفذها لواء
إسكندروني، والذي بدأها بحملة قصف مدفعي من البحر باتجاه القرية، قبل أن يداهمها،
ويبدأ عمليات قتل واسعة بحق كافة السكان.
وخلال يوم واحد تم احتلال القرية، بسبب ضعف
تسليح السكان، والقصف العنيف، وجرى تجميع الرجال في الشوارع، وإطلاق النار عليهم
بشكل جماعي، وإلقاؤهم في حفر بصورة جماعية، وأجبر عدد من السكان على حفر خنادق، من
أجل إعدامهم فيها.
ووفقا لشهادات الناجين من المجزرة، ودراسات قام
بها باحثون يهود، فقد وصل عدد ضحايا المجزرة إلى نحو 290 شهيدا، دفنوا في مقابر
جماعية بثلاث مناطق، تقع كلها حاليا تحت موقف سيارات شاطئ ما يعرف بموشاف دور
الاستيطاني، الذي أنشئ عقب المجزرة في المنطقة.
مقابر البوسنة الجماعية:
تعد المقابر الجماعية التي عثر عليها، عقب
مذبحة البوسنة والهرسك على يد الصرب والكروات في مطلع تسعينيات القرن الماضي،
واحدة من أبرز الأمثلة على الجرائم البشعة في هذا الإطار.
ووفقا للجنة الدولية للصليب الأحمر، فإن 40 ألف
شخص، سجلوا في عداد المفقودين، ويعتقد أنهم قتلوا في مجازر ودفنوا في مقابر جماعية
متفرقة، ولذلك تم جمع عينات الحمض النووي من أقاربهم، من أجل مقارنتها بالرفات
الذي لا يزال يعثر عليه حتى يومنا هذا في أماكن دفن جماعية بالبوسنة.
ووفقا للجنة المفقودين في البوسنة، فقد تم
اكتشاف 91 مقبرة جماعية في سريبرينيتسا وحدها، ما أدى إلى تحديد هوية 6877 شخصا
من أصل 8100 شخص عثر على رفات لهم.
وبحسب اللجنة، فإن صعوبة العثور على الضحايا في
المقابر الجماعية، تمثل في أن بقايا رجل واحد، عثر عليها في 4 مقابر جماعية،
بمسافة فاصلة بينها تبلغ 50 كيلومترا عن بعضها البعض، ولتأكيد رفات هذه الضحية
وحدها، أجري 13 فحصا منفصلا للحمض النووي للتعرف عليه.
المقابر الجماعية في رواندا:
تعد مذابح رواندا التي وقعت عام 1994، واحدة من
أسوأ المجازر في تاريخ البشرية، والتي ارتكبتها عصابات متطرفة من قبائل الهوتو،
بحسب الأقلية من قبائل التوتسي في البلاد.
وعلى مدار 100 يوم من أعمال العنف والقتل
والاغتصاب الجماعي، كانت الحصيلة وصلت إلى 800 ألف قتيل، جرى التخلص من جثثهم بطرق
شتى من أبرزها المقابر الجماعية، التي تناثرت بصورة كبيرة في مناطق المجازر،
واكتشف عدد كبير منها بطريق الصدفة.
ومنذ ذلك الوقت لا يزال يعثر على مقابر جماعية
متفرقة، وكان أحدثها في عام 2020، في شرق رواندا والتي قدر المحققون أنها تضم رفات
5 آلاف إنسان قتلوا خلال المجازر.
وكان الضحايا يحتمون بكنيسة كيزيجورو
الكاثوليكية، وقامت العصابات التي ارتكبت المجزرة، بحفر قبر جماعي بعمق 30 مترا،
وألقوا الجثث بداخله، وطمروه بالتراب لإخفاء الإبادة.
ورغم جهود البحث المضني، على مدار تلك العقود،
إلا أنه من أصل 800 ألف ضحية، فإن سجلات السلطات في رواندا، وثقت العثور على قرابة الـ118 ألفا فقط من ضحايا الإبادة.