نشرت صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، تقريرًا، تحدثت فيه عن ارتفاع الديون الأمريكية بمقدار تريليون دولار، خلال أول 100 يوم من ولاية الرئيس الأمريكي الجديد، مشيرة إلى أن هذا الارتفاع الهائل في الديون يثير مخاوف بشأن استدانة الحكومة الأمريكية وتأثيراتها المحتملة على الاقتصاد العالمي.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن ترامب وبايدن تسببا في انفجار العجز والديون الأمريكية ويبدو أن حملة الانتخابات الرئاسية لن تجلب أي تحسّن.
وأوضحت الصحيفة، أن الدين الأمريكي ينمو بمعدل جنوني بنحو ألف مليار دولار إضافية كل مائة يوم؛ ويصل إلى 34.58 تريليون دولار، أي أكثر من الناتج المحلي الإجمالي للصين واليابان وألمانيا وفرنسا والمملكة المتحدة مجتمعةً.
للمرة الأولى منذ الحرب العالمية الثانية؛ وصل الدين الأمريكي إلى عتبة 100 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي، مقارنة بنحو 79 بالمئة قبل أزمة كوفيد. ومن المؤكد أن هذا المستوى يبقى نسبيًّا مقارنة بالدول الأخرى: فهو أقل من فرنسا (111 بالمئة)، وإيطاليا (139 بالمئة)، واليابان (262 بالمئة). لكن ما يثير القلق هو الوتيرة السريعة لهذا النمو.
وأوردت الصحيفة، أن سخاء الميزانية من قبل إدارتي ترامب ومن ثم بايدن أدى إلى تسريع هذا الانحدار. من جانب آخر، أدت حزم مساعدات الأسر خلال أزمة كوفيد ثم الإعانات الضخمة للصناعة والبنية التحتية من الديمقراطيين إلى تعميق العجز.
ويعكس الإنفاق العام سياسة انتعاش في أوقات الركود أكثر من كونه اقتصادًا يشهد نموًّا مستدامًا. وحسب الخبيرة الاقتصادية في أكاديمية كاندريام فلورنس بيساني "لم تكن هناك حاجة إلى هذا القدر من الدعم المالي".
ووفقًا لتقرير نشره مكتب الميزانية في الكونغرس الأمريكي، وهو هيئة مستقلة مكلفة بتقدير الميزانية عن الكونغرس، فإن الوضع ليس على وشك التحسن، بعد أن بلغ العجز العام الفيدرالي 6.2 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في السنة الماضية، من المتوقع أن يظل أعلى من 5 بالمئة في السنوات المقبلة، وبذلك ستتواصل زيادة الديون.
ووفقًا للتوقعات طويلة المدى من مكتب الميزانية بالكونغرس، سترتفع النسبة إلى 110 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي في سنة 2031 و120 بالمئة في سنة 2036 و166 بالمئة في سنة 2054.
وأشارت الصحيفة، إلى أن ذلك يعتبر بمثابة قنبلة موقوتة تثير قلقًا متزايدًا. فيما يرى كبير الخبراء الاقتصاديين في صندوق النقد الدولي، بيير أوليفييه غورينشا، أن الدين الأمريكي في الخريف الماضي هو "الأكثر إثارة للقلق" بين جميع الدول.
أما بالنسبة لرئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول، إذا كان مستوى الديون لا يشكل مشكلة في حد ذاته، فإن مساره هو الذي يخاطر بأن يصبح "غير مستدام".
إيلون ماسك: "أمريكا على وشك الإفلاس"
ووفق الصحيفة؛ فقد دقّ عدد من كبار رجال الأعمال الأمريكيين ناقوس الخطر في الأسابيع الأخيرة؛ حيث يرى إيلون ماسك، مالك شركة تيسلا وشبكة التواصل الاجتماعي "إكس"، أن "أمريكا ستفلس إذا لم تخفض إنفاقها".
من جهة أخرى، يتوقع رئيس بنك جيه بي مورغان جيمي ديمون، حدوث "تمرد" وشيك في أسواق السندات. في الأسبوع الماضي، أفصح لاري فينك، رئيس شركة بلاك روك العملاقة لإدارة الأصول، عن شعوره بـ"الخوف" من وضع "أكثر إلحاحًا من أي وقت مضى" يمكن أن يؤدي إلى "فترة من التقشف والركود" مثل تلك التي شهدتها اليابان في نهاية التسعينيات.
وفي آذار/ مارس، قدّم جو بايدن، ميزانية مقترحة لسنة 2025 بقيمة 7.3 تريليونات دولار، حيث تجاوز الإنفاق الإيرادات المخطط لها بمقدار الربع، مما يزيد من تعميق العجز.
وذكرت الصحيفة، أن الأزمات المتكررة حول "الإغلاق" الوشيك (إغلاق الإدارة بسبب نقص الأموال) تنتهي دائمًا بالتوصل إلى اتفاق سياسي في النهاية، ويرى رئيس مجلس النواب الجديد مايك جونسون أن "التهديد الأكبر للأمن القومي يتمثل في الديون الوطنية".
وأضافت الصحيفة، أن حملة الانتخابات الرئاسية ليست مشجعة على التحلي بالدقة. مع ذلك، يعتزم جو بايدن في سنة 2025 زيادة الضرائب عقب التخفيضات الكبيرة التي اعتمدها سلفه، خاصة المفروضة على الدخل الذي يزيد عن 400 ألف دولار سنويًّا.
في المقابل، يعِد دونالد ترامب في حالة انتخابه بتجديد التخفيضات التي ستضيف 5000 مليار دولار إلى الدين ما بين 2026 و2035، وذلك وفقا للجنة الميزانية الفيدرالية المسؤولة. ويدعي ترامب أنه قادر على تمويل الميزانية من خلال مضاعفة الرسوم الجمركية.
وعلى ضوء ذلك، توضح فلورنس بيساني، أنه "في
الولايات المتحدة، لا يوجد مجال كبير للمناورة بشأن النفقات، ولكن هناك هوامش كبيرة على الإيرادات. وسيكون من السهل جدًّا زيادة الضرائب لكن الأمر يحتاج إلى إرادة سياسية. وللأسف، في الوقت الراهن، نحن في طريق مسدود".
تكلفة الفائدة على الديون تقترب من ميزانية البنتاغون
ولفتت الصحيفة، إلى أن عبء الديون ارتفع بشكل ملحوظ، حيث تقترض وزارة الخزانة الأمريكية بفائدة 4.2 بالمئة على مدى عشر سنوات، وهو يعد من بين أعلى المعدلات في الدول الصناعية. وتقترب تكلفة الفائدة على الدين، والتي تبلغ حوالي 1000 مليار دولار في سنة 2026، من تكلفة ميزانية البنتاغون.
إلى جانب الأعباء المتزايدة على الميزانية، يشعر المتشائمون بالقلق بشأن احتمال فرض عقوبات من أسواق السندات، الأمر الذي من شأنه أن يتسبب في ارتفاع تكلفة إعادة التمويل إلى مستويات غير مستدامة.
يمكن مقارنة هذا الحدث بما عاشته رئيسة الوزراء البريطانية السابقة ليز تروس عندما اقترحت تخفيضات ضريبية غير ممولة في تشرين الأول/ أكتوبر 2022.
ونقلت الصحيفة، عن كريستوف باوتشر، مدير الاستثمار في بنك "إيه بي إن أمرو" للحلول الاستثمارية، قوله: "لقد نبهنا من أزمة الديون الأمريكية منذ خمسة عشر أو عشرين عاما". وفي سنة 2011، خفضت "وكالة ستاندرد آند بورز" تصنيف الولايات المتحدة من تصنيف "إيه" الثلاثي، ثم تبعتها وكالة فيتش في الصيف الماضي.
ويشير الخبير الاقتصادي إلى أن "هذا لم يغير شيئا". وفي تقريرها الأخير الصادر في 27 آذار/ مارس، حافظت "ستاندرد آند بورز" أيضا على تصنيفها مع نظرة مستقبلية "مستقرة"، حيث قدرت أن "المسؤولين الحكوميين سوف يواصلون حل المستحقات المالية قصيرة الأجل في وقتها، مثل سقف الدين". وكدليل على هذا الهدوء، أصدرت وزارة الخزانة الأمريكية بسهولة ما يقارب 180 مليار دولار من القروض الجديدة في الأسواق في الأسبوع الماضي وحده، وهو ما يعادل تقريبًا ما تصدره فرنسا في سنة واحدة.
ويتذكر فرانك ديكسميير، وهو مدير إدارة السندات في شركة "أليانز غلوبال إنفستورز"، أن "الولايات المتحدة تستفيد من الامتياز الباهظ المتمثل في طباعة عملة الاحتياطيات والتجارة الدولية". على هذا النحو، لديهم إمكانية الوصول إلى مجمع ادخار هائل.
وفي الختام، أكدت الصحيفة أنه إلى جانب المدخرين الأمريكيين من القطاع الخاص (صناديق التقاعد، وما إلى ذلك)، الذين يملكون نصف الدين الوطني، والحكومة الفيدرالية وبنك الاحتياطي الفيدرالي الذين يملكون ربع الدين، يندفع المستثمرون الأجانب (اليابانيون في المقدمة) على شراء سندات الخزانة. وعلى الرغم من التنبيهات المثيرة للقلق بشأن ديون الولايات المتحدة، لا يبدو أن الطلب على شرائها سيضعف في القريب.