تتواصل المطالبات العربية والإسلامية للمصريين بالغضب لأجل الفلسطينيين في
غزة، واتخاذ موقف عملي لإنقاذ نحو 2.3 مليون محاصر جراء حرب الإبادة الدموية والتجويع الذي فرضه جيش الاحتلال الإسرائيلي منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، وسط اتهامات للجانب المصري بالتواطؤ.
والأربعاء، قال مفتي ليبيا، الشيخ
الصادق الغرياني، إن "اقتحام
معابر غزة والضفة فرض عين على المسلمين، وحرامٌ على القوات في مصر والأردن منع الناس من هذا الاقتحام، ومن منعهم فهو من الصهاينة".
تلك الفتوى تأتي بالتزامن مع هجوم القيادي في حركة حماس، طلال نصار، على رئيس النظام المصري، عبد الفتاح السيسي، متهما إياه بالمشاركة في الإبادة الجماعية التي يتعرض لها أهالي غزة.
نصار، قال في برنامج حواري: "مصر جزء من حصارنا وقتلنا"، مضيفا: "عبد الفتاح يحاصرنا، عبد الفتاح يدمرنا، عبد الفتاح يكذب علينا وعلى الشعب المصري"، مؤكدا أن "من يفرّق بين عبد الفتاح ونتنياهو (رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي) فهو أغبى إنسان".
وفي اليوم الـ174، لعُدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، أعلنت وزارة الصحة في غزة الخميس، أن (32.552) فلسطينيا استشهدوا، و(74.980) أصيبوا منذ 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي.
وبرغم قرار مجلس الأمن الدولي في 25 آذار/ مارس الجاري، بالوقف الفوري لإطلاق النار، والإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع الأسرى، إلا أن دولة الاحتلال الإسرائيلي ترفض القرار وتواصل عمليات الإبادة الجماعية.
كذلك، أمرت محكمة العدل الدولية، الخميس، دولة الاحتلال الإسرائيلي باتخاذ الإجراءات اللازمة لدخول المساعدات لغزة دون معوقات، وقالت إن الفلسطينيين في غزة يواجهون ظروف حياة صعبة في ظل انتشار المجاعة.
وتتواصل الانتقادات للموقف المصري من فتح معبر رفح، كما رصده تقرير منشور الخميس، لـ"مركز الزيتونة للدراسات والاستشارات" ببيروت، حيث قام على إحكام إغلاق المعبر، والالتزام بموقف الاحتلال الإسرائيلي المتشدد والرافض لتدفق المساعدات، على الرغم من أن المعبر مصري فلسطيني لا سلطة للجانب الإسرائيلي عليه.
ولفت التقرير إلى أنه "باستثناء الأيام الأولى التي سمحت السلطات المصرية خلالها بتنظيم بعض الفعاليات والوقفات الشعبية المنددة بعدوان الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة، يلاحظ أنها فرضت إجراءات صارمة لمنع مختلف أنواع الاحتجاجات الشعبية الرافضة للعدوان والمتعاطفة مع الشعب الفلسطيني ومع المقاومة".
وألمح التقرير إلى أن هذا "يُفسّر حالة الصمت (المكبوت) في الشارع المصري، الذي كان يتفاعل فيما مضى مع أحداث أقل أهمية في الشأن الفلسطيني".
"متى يغضب المصريون؟"
وبينما غاب الحراك الداعم لغزة عن القاهرة التي يقطنها نحو 22 مليون نسمة، شهدت عواصم الأردن والمغرب مظاهرات حاشدة وسط مطالبات بمسيرات مشابهة بالعاصمة العربية الأكثر سكانا، حيث طالب المتظاهرون بهبة شعبية مصرية، قائلين في هتافاتهم: "كل القصة يا مصريين، إحنا فيكم متعشمين، هبّوا معنا لفلسطين".
ويطرح البعض، وبينهم الإعلامي بفضائية "الجزيرة" جمال ريان، سؤالا عبر صفحته بموقع "إكس": "متى يغضب المصريون؟"، مؤكدا أنه "إن غضب الجيش المصري وغضب معه الشعب المصري، وإن قرر مليون مصري فقط الزحف نحو الحدود مع غزة فلن يجرؤ نتنياهو على اجتياح رفح".
"عوائق جغرافية.. والحل"
وفي رؤيته لاحتمالات استجابة المصريين لفتوى الغرياني حول اقتحام معابر غزة، قال الخبير العسكري وضابط الجيش المصري السابق، العميد عادل الشريف، لـ"عربي21"، إن "الجغرافيا لا تسمح للمصريين؛ لأن سيناء حائل طويل، وقبله قناة السويس، والمعبر بين القنطرة شرقا والقنطرة غربا".
القيادي في حزب "العمل الجديد"، أكد أن "نقاط التحكم التي ستنشأ عديدة وصعبة ومن يتجاوز واحدة سيقع بالثانية"، موضحا أن "هناك 5 كمائن بسيناء وحدها بعد جسر القنطرة".
ويعتقد أن "الحل يكمن في مواجهة تبدأ من داخل المدن المصرية، ترى فيها قوات الشرطة والجيش أن الشعب عاد يكره الصبر عليهم والخوف منهم، وتكون ثورة عاتية".
وتوقع في نهاية حديثه أنه "ربما سيسقط فيها شهداء، لكنها ستغير الواقع تماما، وستحل القضية الفلسطينية في نحو ساعات معدودة"، مؤكدا أن "المشكلة فيمن يقود الحراك لكن الغاضبين كثر".
"فتوى حق وصدق"
حول دلالات فتوى مفتي ليبيا، وأهمية توقيتها، قال السياسي المصري والبرلماني السابق ممدوح إسماعيل، لـ"عربي21": "فتوى الغرباني، فتوى حق وصدق، وقد قام بواجبه الذي تخاذل عنه كثير من العلماء".
وأضاف: "أما بالنسبة للنداءات الموجهة للشعب المصري فلي فيها وقفات، الأولى: أن توجه تلك النداءات أيضا لحكام الدول العربية، فأغلبهم متواطئ على تدمير غزة والمقاومة".
ولفت ثانيا، إلى أنه "بالنسبة للشعب المصري فهو ما بين أحرار معتقلين أو مهاجرين، أو أحرار محاصرين بطغيان أمني غاشم لا مثيل له، وقد تم وأد حريته منذ انقلاب 3 تموز/ يوليو 2013، وما تلاه من مجازر بحق أحرار الشعب"، ملمحا إلى "وجود قطاع سيساوي كبير تم تغفيله، وهو متواطئ مع السلطة بكل ما تفعله".
وطالب إسماعيل، ثالثا بأن يوجه "النداء للحاكم السيسي، فهو السبب الأول لغلق معبر رفح، منذ أن ظهر في الأمم المتحدة وهو يؤكد حرصه على أمن المواطن الإسرائيلي، وقد أكد ذلك لكيان الاحتلال والرئيس الأمريكي، وأخيرا أكدته سخرية دبلوماسية إسرائيلية سابقة من قول السيسي: (أروح من ربنا فين)، وأقرت أنه يغلق المعبر بإرادته، وقالت إنه لو يملك فلن يدخل ذرة طعام للفلسطينيين".
وحول موقف الجيوش العربية، يرى السياسي المصري أنها "تم تطبيعها على دين ملوكها منذ اتفاقية (سايكس بيكو 1916) وزادت منذ (كامب ديفيد 1978)، بأن انحرفت عقيدتها القتالية وأصبحت أداة حفظ للحاكم وبطش للشعب".
وخلص للقول: "ومع كل الضغوط التي يعيشها الشعب المصري أمنيا واقتصاديا وسياسيا وشعور الغالبية بفشل السيسي تماما، وارد أن ينفجر أحرار الشعب المصري بلحظة غير محسوبة؛ فقد فاق ما يحدث بغزة كل الحدود، وهي اللحظة التي يخشاها الغرب وأتباعه العرب، لذلك سمحوا بدعم السيسي، بحزم مالية كبيرة".
"حراك خجول"
وعلى الرغم من القيود الأمنية الشديدة المفروضة على المصريين من قبل النظام العسكري الحاكم لمنعهم من التعبير عن غضبهم بحق أوضاعهم المعيشية وحول ما لحق الفلسطينيين في غزة من مجازر على مدار 6 شهور، واعتقال كل من يهتف باسم فلسطين أو غزة، شهدت القاهرة الثلاثاء تظاهرة خجولة أمام مقر نقابة الصحفيين تهتف لفلسطين.
لكن، وبرد فعل عفوي حطم الاثنين الماضي، أهالي حي المطرية الشعبي بالقاهرة تلك القيود الأمنية خلال إفطارهم الجماعي السنوي -تهتم به وكالات الأنباء العالمية- حيث حول الأهالي إفطارهم لوقفة داعمة للشعب الفلسطيني في تظاهرة غير مدجنة ولم ينظمها ناشطون أو سياسيون.
"أعجزوه وحاصروه"
وأعرب السياسي المصري والقيادي في حزب "الأصالة"، حاتم أبو زيد، عن أمنيته بأن "يتحرك الشارع المصري، بالفعل"، لكنه عاد ليؤكد أن "هناك فرقا بين الواقع والآمال، ولكن ليس هناك شيء على الله بعزيز، فالله قادر على أن يبدل الأحوال، فالشعب المصري عاجز منذ فترة عن الحراك من أجل نفسه".
وأضاف: "ينبغي أن يعلم الجميع أن المصريين محاصرون أيضا، ويتعرضون منذ فترة لعملية تدمير كالتي تحدث مع الفلسطينيين ولكن بطريقة أخرى، فأرضهم تباع وثرواتهم تهدر، ثم فُرض الفقر والضنك عليهم عبر تخفيض قيمة العملة المستمر، ورفع الأسعار، بالإضافة لاختفاء سلع ضرورية، كاختفاء بعض الأدوية".
وعن تعليق آمال البعض بالجيش، قال إن "هذا أيضا أمر بعيد، فهم لا يختلفون كثيرا عن السيسي، الذي هو أكثر صهيونية من اليمين اليهودي المتطرف"، فيما يرى أن "الأمل في الشارع أقرب منه للواقع والحدوث من مؤسسات الدولة الرسمية الغارقة في التصهين والكراهية للشعب".
وأشاد أبوزيد، بفتوى الشيخ الغرياني، مؤكدا على أنه "بالفعل كل من يتعاون مع الصهاينة صهيوني، ويجب التعامل معه وفق ذلك"، ملمحا إلى أنه "سبقه لذلك الشيخ أحمد محمد شاكر، في فتوى متعلقة بالإنجليز زمن احتلالهم لمصر، حيث اعتبر التعاون مع الاحتلال من الردة الجامحة".
وأضاف: "هكذا قال في نص فتواه، وضم فيها الفرنسيين أيضا، حيث كانوا يحتلون أيضا ديار المسلمين، وهو أمر واضح في شريعة الإسلام"، مؤكدا أن "من شارك بحصار الفلسطينيين فهو شريك في القتل والعدوان، وهو والعدو سواء"، موضحا أن "هذا أمر تقره بداهة العقول، ولذلك القوانين الوضعية تصف مثل تلك الأفعال بالجريمة السلبية".
وختم بالتأكيد على أنه "لو قرر مليون مصري الزحف من أجل أنفسهم والإطاحة بتلك المؤسسات، لتوقفت الحرب على غزة"، معتقدا أن "المصريين لا يحتاجون للتحرك نحو غزة، بل يكفي أن يحرروا أنفسهم، ووقتها سيكون هناك حديث آخر وشأن مختلف".
"شهادة براءة مهمة"
وفي رؤيته، قال الأكاديمي المصري محمد أحمد عزب، "لا شك أن أمر غزة اليوم وقضيتها صارت كمختبر للأنظمة والشعوب على السواء، وهناك فجوة هائلة بين موقف الشعوب الراعي والمتضامن مع القضية، والرافض للاحتلال الصهيوني الدخيل، وهي قضية متجذرة لم تنبت فجأة لكنها تخبو أحيانا وتثور أخرى، لكنها تظل كامنة في العقل والحس الجمعي للشعوب".
وفي حديثه لـ"عربي21"، يرى أن "الحرب الجارية الآن التي شنها الاحتلال الغاصب بذريعة ما حدث يوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، تدخل في إطار التطهير العرقي وجرائم الحرب، فلم يكن مطلوبا من أهل فلسطين، خاصة أهل غزة أن يظلوا طول الدهر تحت الحصار، لا يدخل ولا يخرج منهم ولا لهم شيء إلا بموافقة الاحتلال".
وأكد أن "السابع من أكتوبر، كان دفعا للحصار، ولم يكن كما صورته دوائر صنع القرار الصهيونية أو التي تعمل لحسابها بدءا بالعدوان"، ملمحا إلى أن "موقف المنظمات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني في عمومه داعم ومتعاطف أشد التعاطف مع قضية شعب يتم محو ممتلكاته وتاريخه وحضارته".
وأشار إلى أن "من تلك المواقف، فتوى الشيخ الغرياني مفتي ليبيا الشقيقة حول اقتحام معابر الوصول لأهل غزة، وضرورته ولزومه وحتميته –هي من المواقف المتوقعة من علماء الدين الأحرص على ثغور الأمة والأقرب لمواقفها، والداعم الأهم لقضيتها".
واستدرك: "هذه الفتوى في تصوري -رغم أهميتها- كشهادة للأجيال على مواقف العلماء، فالأحداث الجارية ستوضع بعد حين في ميزان النظر والتقييم للأجيال، لكن الفتوى ليس لها أي تأثير على مجريات الأحداث".
وقال إن "المراقب للشارع المصري وموقف المواطنين يجده لا يتأثر إيجابا بمثل هذه الفتاوى، ولا تضيف له شيئا هو بحاجة إليها، فلن تؤثر الفتوى إلا في كونها شهادة براءة فقط مما يجري، فالمواطن المصري مهموم بقوته، وقضايا أمته نزلت بعد اشتداد حالة الفقر من رتبة التقدم إلى رتبة تالية لهمومه وتوفير قوته".
وذهب عزب للقول: "بل أعتقد أن جُل المصريين لم يسمعوا بفتوى الشيخ الغرياني، ولم يُعرف بها سوى دوائر بسيطة".
وخلص للقول: "في نظري فتوى الشيخ لن تُغضب المؤسسات المصرية لعدم جدواها ولانتفاء تأثيرها، لكن تبقى براءة مهمة في هذا الزمن على أحداثه المخجلة تجاه أبناء العروبة والإسلام في فلسطين عامة وغزة بشكل خاص".