ما بين تأكيد التضامن مع الأهالي في قطاع
غزة المحاصر، والمطالبة بوقف "التطبيع" مع الاحتلال الإسرائيلي، وبين إضرابات رجال التعليم المُستمرة، وإضرابات العدول، واحتجاجات على ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطنين.. يتوالى غليان الشارع
المغربي، بوتيرة شبه يومية، وذلك منذ أسابيع مُتواصلة.
الشوارع تغلي
رصدت "عربي21" جُملة من الصور ومقاطع الفيديو، التي توثق لتوالي
الاحتجاجات في عدد من المدن المغربية المُختلفة، كتعبير صارخ، عن الغضب، أو الاستنكار، أو حتّى التنديد؛ حيث تختلف مُتطلّبات كل جهة، لكن التعبير واحد، وهو رفع شعارات، والخروج للشوارع.
في عدد من المدن، بينها الرباط، طنجة، سيدي بنور، أكادير، سلا، فاس وغيرها، وبوتيرة شبه يومية، عقب صلاة التراويح، تُواصل شرائح واسعة من المواطنين المغاربة، النزول إلى الساحات والتظاهر في الأزقة والشوارع، تأكيدا على الدعم الكامل للأهالي في غزة، وتنديدا بما يصفونه بـ"التواطؤ الدولي المُخزي والصمت العربي".
كذلك، في العاصمة المغربية، الرباط، تم تنظيم عدّة وقفات احتجاجية، الأحد، احتجاجا على ارتفاع الأسعار وتراجع القوة الشرائية للمواطنين؛ فيما قرّرت اللجنة الوطنية لطلبة الطب وطب الأسنان والصيدلة بالمغرب، تنظيم عدد من الوقفات الاحتجاجية، في مختلف المدن المغربية، حيث تتواجد كليات الطب والصيدلة، ممّا يبرز الاحتقان الجاري، وفق ما وصفه الطلبة بـ "تهديدات الوزارة، بطرد الطلبة وكذا منع الأنشطة الطلابية داخل الكليات".
وأوضح بيان الطلبة، الذي توصلت "عربي21" بنسخة منه، بأنه "سيجري تعميم منشور آخر يحدد تواريخ بدء الأشكال النضالية"، في إشارة منهم إلى تجدّد الاحتجاجات؛ وهو الحال الذي يعيش على إيقاعه، كذلك، رجال التعليم، منذ أشهر طويلة، حيث لا تزال الأصوات تتعالى.
ويطالب رجال التعليم، بحسب بلاغاتهم التي تتوصل "عربي21" بنسخ منها، وزارة التربية الوطنية، بـ"الطي النهائي لملف الأساتذة والأستاذات الموقوفين عن العمل على خلفية إضرابهم واحتجاجهم، وإعادة الجميع للأقسام، من أجل تصفية الأجواء بالقطاع".
كذلك، أكدت جُملة من الهيئات النقابية والسياسية والحقوقية على أن "التراجع الفوري عن التوقيفات، مدخل أساسي من أجل تفعيل مشاريع إصلاح المنظومة التربوية"، مشيرة إلى أن "استثناء ما يزيد عن 200 أستاذ وأستاذة من إجراءات التراجع عن قرار التوقيف وإحالتهم على مجالس التأديب، تعسف واعتداء واضح على القانون"، بينما يستمر الموقوفون عن العمل بجانب زملائهم، في خوض احتجاجات واعتصامات، وصلت سابقا إلى حد الدخول في إضراب عن الطعام.
وبالنظر إلى الاحتجاجات التعليمية في المغرب، باعتبارها واحدة من الملفات العصيّة، التي تشعل التوتّر والاحتجاجات في الشوارع المغربية، منذ أشهر تُعتبر طويلة؛ عبّرت الحكومة المغربية، على لسان الناطق باسمها ووزير العلاقات مع البرلمان، مصطفى بايتاس، عن "استعدادها لفتح حوار مع الأساتذة الذين ينفذون إضرابات، بالقول: "نحن مستعدون للحوار لتبديد مخاوف الأساتذة، بخصوص النظام الأساسي".
وأوضح بايتاس، الخميس الماضي، في لقاء صحافي بالرباط، خلال انعقاد مجلس للحكومة، أن "الحكومة مستعدة للحوار والإنصات للنقابات التي تمثل قطاع التعليم"، مذكّرا بأن "رئيس الحكومة التقى بالنقابات، وأنه صدر بيان يلتزم فيه بفتح حوار لتحسين وتوضيح ما جاء في النظام الأساسي من تساؤلات". موضّحا أنه "لا يمكن الاستمرار في تضييع الزمن المدرسي للتلاميذ؛ قلق الآباء من استمرار الإضرابات، وعدم تلقي أبنائهم حصصهم الدراسية".
مسألة الآباء وأولياء التلاميذ، قصة لحالها، حيث يخضون لأشهر عدّة احتجاجات غاضبة أمام المؤسسات التعليمية، للمطالبة بعدم "التهاون بالزمن الدراسي"، ومطالبين بضرورة "حل الملف التعليمي في أقرب وقت، حيث يظل التلميذ هو الضحية رقم واحد، في هذه المعادلة المعقّدة".
إلى ذلك، أعلنت "النقابة الديمقراطية للعدل"، المنضوية تحت لواء "الفيدرالية الديمقراطية للشغل"، عن خوض إضراب وطني لمدة 48 ساعة، بجميع المحاكم والمراكز القضائية والمديريات الفرعية يومي 20 و21 آذار/ مارس الجاري، وإضراب وطني إنذاري يومي 17 و18 نيسان/ أبريل المقبل، وذلك بالتزامن مع الخروج في عدد من الوقفات الاحتجاجية، أمام مقرات العمل خلال اليوم الأول من الإضراب.
كما دعت النقابة نفسها، إلى خوض إضراب وطني لمدة 72 ساعة، في حالة لم يتم التجاوب مع مطالبهم، أيام 7 و8 و9 آيار/ مايو القادم، مع تنظيم وقفة احتجاجية وطنية أمام مقر وزارة المالية.
كيف يتم التجاوب مع الاحتجاجات المتواصلة؟
ما بعد عملية رصد جُملة من الاحتجاجات الراهنة في الشارع المغربي، ومحاولة فهم مُتطلّبات كل فئة لحالها، تواصلت "عربي21" مع المختص في الحركات الاحتجاجية، وأستاذ القانون الدستوري والفكر السياسي بجامعة عبد المالك السعدي في تطوان، الحبيب استاتي زين الدين.
وأوضح زين الدين بأنه: "من الناحية الأمنية، هناك تكوينات في هذا الباب للمكلفين بمهمة التدبير الأمني للاحتجاجات، وثقافة حقوق الإنسان وضرورة حمايتها، فضلا عن الآليات القانونية الوطنية والدولية"، مردفا: "لا أعتقد أنها غير حاضرة في ذهنية المعنيين بهذا المجال. وهناك إجراءات وضوابط تميز عمل الشرطة كنظام اجتماعي يرتبط بعلاقات دينامية بالنظام الاجتماعي ويساير تحولاته على مستوى الخطاب والممارسة".
"من باب تطبيق أفضل الممارسات، تدعو الهيئات والخبراء الدوليون، ومن بينهم مقرر التجمع السلمي، ولجنة خبراء مكتب المؤسسات الديموقراطية وحقوق الإنسان التابع لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا، الدول إلى جعل التمتع بحرية التجمع ممكنا، نظرا لكونها حقا أساسيا، وتوضـح اللجنة المعنية بحقوق الإنسان والمشرفة على تطبيق العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، بأنه متى فرضت أي قيود، فعلى الدول أن تقَدِّم الدليل على ضرورتها، كما يتعيّن اتخاذ تلك التدابير التي تكون متناسبة مع السعي إلى تحقيق الأهداف المشروعة، بغية ضمان حماية الحقوق المنصوص عليها في العهد، حماية مستمرة وفعّالة" يؤكد زين الدين في حديثه لـ"عربي21".
وفي السياق نفسه، أبرز المختص في الحركات الاحتجاجية، أنه "على عاتق السلطات مجموعة من الواجبات، يجب التقيد بها لحماية جميع المشاركين في الاحتجاج السلمي من أفـراد أو مجموعات، تعزيزا لسيادة القانون، ومن أبرزها، تفادي استخدام القوة، ويمكن استخدام هذه الأخيرة فقط في حال عدم فاعلية الوسائل غير العنيفة في السيطرة على وضع متسم بالعنف، أو القيود المسبقة التي فرضت للحيلولة دون وقوع عنف، أي أن استعمال القوة يجب أن يكون الملاذ الأخير".
وختم زين الدين حديثه، لـ"عربي21" بالقول: "كما أن الإخطار يجب أن يكون مطلوبا فقط في حالات التجمعات الكبيرة، أو التجمعات التي يتوقع معها درجة معينة من التعطيل، كما تفسِّر الشبكة الأوروبية-المتوسطية لحقوق الإنسان أن آلية الإخطار المسبق تفرض عبئا كبيرا على الراغبين في التجمع؛ فهي تمثل آلية غير قانونية لتقييد هذه الحرية، ففي حال حدوث تجمعات أو مظاهرات بشكل عفوي رداً على ظهور ظروف غير متوقعة، يجب إعفاؤها من متطلبات الحصول على إشعار مسبق بشأنها، لأن التأخير في رد الفعل يُضعف أو يُبطل الرسالة التي يوصلها التجمع".