تعيد ما كشفته
المقاومة الفلسطينية، ووسائل إعلام عبرية، من محاولة
الاحتلال خلق فوضى في قطاع
غزة، عبر خطة تتعاون فيها مع عشائر وعائلات كبرى في القطاع، لإدارة شؤونه،
بدلا من حركة حماس، ما عرف في التاريخ الفلسطيني بروابط القرى.
وكشفت قناة
"كان" العبرية مؤخرا أن خطة "الجيش الإسرائيلي" لما بعد الحرب
في غزة، تتضمن تقسيم القطاع إلى مناطق ونواح تحكمها العشائر، وتتولى مسؤولية توزيع
المساعدات الإنسانية، بحيث تسيطر كل عشيرة على منطقة.
وظهرت فكرة ما عرف
بروابط القرى في عام 1976، عبر الجنرال يغئال كرمون، الحاكم العسكري لمدينة
الخليل، خلال اجتماع مع رئيس بلدية الخليل محمد علي الجعبري، من أجل البحث عن
قيادة بديلة لمنظمة التحرير وإضعاف نفوذها، لكن التطبيق الفعلي بدأ بعد ذلك بعام.
وتصدر تطبيق فكرة
روابط القرى، مناحيم ميلسون، مستشار الشؤون العربية في مقر القيادة العسكرية
للضفة، وبدأ البحث عن شخصيات تقبل التعامل مع الاحتلال، من أجل خلق جسم جديد،
لتولي شؤون الفلسطينيين في الضفة.
وتزامن البحث عن تشكيل
روابط القرى، مع وجود الوزير الأردني السابق، مصطفى دودين، الذي شغل منصب وزير
الشؤون الاجتماعية والعمل في حكومتين، في بلدته دورا الخليل، وهو الشخصية الذي وجد
فيه ميلسون ضالته ليتولى هذه المهمة.
وأعلن رسميا عن تشكيل روابط القرى، في
تموز/ يوليو 1978، وبدأت بما يعرف برابطة قرى الخليل، وكان يرأسها دودين، وخرجت
بشعارات تتحدث عن مساعدة المزارعين الفلسطينيين، ودعمهم وتطوير أساليب الزراعة.
وكان الاحتلال يستهدف من خلال تشكيل جسم
عميل له السيطرة على الفلسطينيين في الضفة الغربية، عبر تقليل الاحتكاك المباشر
معهم، وترك هذه المهمة لعملائه.
وعملت روابط القرى على إثارة النعرات
والعنصريات بين الفلسطينيين، بكافة مكوناتهم، خاصة سكان المدن والفلاحين منهم،
ورغم الدعم الذي تلقته من الاحتلال، فإنها قوبلت من عموم الفلسطينيين بالرفض
باعتبارها جسما عميلا للاحتلال.
وقدم الاحتلال إغراءات للفلسطينيين، من خلال
قيادة روابط القرى، من أجل جذبهم إليها، خاصة الفلاحين منهم، عبر المشاريع
الزراعية والمساعدات، وسعى بعد ذلك إلى توسيعها، لتشمل مسائل الصحة والتربية
والخدمات العامة.
لكن في المقابل، وبالإضافة إلى الإغراءات،
خضع الفلسطينيون للترهيب من قبل الاحتلال، بأن المشاريع في القرى والبلدات لن يتم
السماح بها إلا عبر بوابة روابط القرى، التي ستشرف عليها بصورة مباشرة.
تمدد الروابط:
بعد نجاح الاحتلال بتجربته في خلق رابطة
الخليل، بدأت التمدد إلى المدن الفلسطينية الأخرى، فنشأت رابطة رام الله، بعد
تهديد المخاتير في المدينة، ونصب على رأسها يوسف الخطيب مختار بلدة بلعين عام
1980.
أما في عام 1981، أعلن الاحتلال قيام رابطة
بيت لحم، وتولى رئاستها بشارة قمصية من بلدة بيت ساحور، والذي أعلن تأييده للتفاوض
مع الاحتلال، وما يعرف بالسلام معه.
وشكلت بعد ذلك روابط في كل من نابلس برئاسة
جودة صوالحة وجنين برئاسة يونس كمال الحنتولي، وقلقيلية برئاسة إسماعيل مرزوق
عودة.
وبدأ الاحتجاج الأول
على روابط القرى، وعمالتها للاحتلال، في نابلس، بعد تظاهر السكان ضد تشكيلها، ما
دفع الاحتلال لمواجهتهم وإطلاق الرصاص الحي على المتظاهرين.
تبع ذلك نشاط كبير
للنقابات المهنية والهيئات الاجتماعية ومجالس الطلاب، لمواجهة تلك الروابط،
واعتبارها أجساما عميلة للاحتلال، والسعي للتخلص منها.
ويعتبر اغتيال يوسف الخطيب رئيس رابطة قرى
رام الله، مع نجله جميل، في أواخر 1981، بداية الشرارة لإنهاء الروابط التي
اخترعها الاحتلال بقوة السلاح، من قبل الفلسطينيين، وهو ما دفع وزير حرب الاحتلال
أرئيل شارون إلى تقديم السلاح للجسم العميل، وتزويده بعربات عسكرية وأجهزة اتصالات، وتشكيل مليشيات مسلحة لإخضاع الفلسطينيين بالسلاح.
وقامت المليشيات التابعة لروابط القرى
باستعراضات عسكرية، بأسلحتها وآلياتها التي حصلت عليها من الاحتلال، في المدن
الفلسطينية، من أجل إرهاب الفلسطينيين، وتأكيد وجودها، وبدأت بممارسة دورها في
قمعهم وإطلاق النار عليهم، واغتيال كل من يواجه الاحتلال أو يواجههم.
وفي عام 1982، أصدر رئيس الوزراء الأردني،
مضر بدران، بصفته الحاكم العسكري العام للضفة الغربية، التي لم يكن قد جرى فك
ارتباطها بالأردن، بإصدار أمر لرؤساء وأعضاء روابط القرى، الذين اعتبروا
عملاء
للاحتلال، بالانسحاب من الجسم المشكل، وإمهالهم مدة شهر للقيام بذلك، وإلا
فسيحاكمون بتهمة التعامل مع العدو، وهذه التهمة وفقا للقانون العسكري الأردني، تصل
عقوبتها إلى الإعدام.
نهاية سوداء
شهدت روابط القرى،
نكسات متعددة، كان أبرزها
استقالة وزير حرب الاحتلال، أرئيل شارون، بعد مذبحة صبرا وشاتيلا في لبنان، وقدوم
وزير آخر، أقل حماسا لفكرة الروابط، وهو ما أدى إلى تراكم أزماتها وانفراط جمعها.
وبدأت الضربات لروابط القرى باستقالة رئيسها
مصطفى دودين، دون توضيح الأسباب، في عام 1983، تبعه جميل الخطيب رئيس دائرة
المشاريع فيها، إضافة إلى انهيار الجسم الإعلامي لها، الذي كان على شكل صحيفة
تسمى المرآة.
ورغم الخدمات الكبيرة والعمالة التي قدمها
دودين للاحتلال، فإنه وجه له تهم اختلاس مئات آلاف الشواكل من صندوق الاتحاد،
وطالبه بإعادتها.
كما أن سلطات الاحتلال، ومن أجل تقويض روابط
القرى، بعد فشلها بالمهام المطلوبة منها، فتحت الباب أمام تقديم شكاوى بحق
مسؤوليها وأعضائها، وجرى التحقيق في اتهام يوسف الخطيب، رئيس رابطة رام الله، وعدد
من عناصره، بالاعتداء بالضرب على 66 فلسطينيا من قرية بدو وقطنة، فضلا عن توجيه اتهامات
لجميل الخطيب ويوسف الخطيب وسمير قمصية باستعمال العنف والتهديد بالسلاح.
ورغم فتح ملفات تحقيق لعدد من مسؤولي روابط
القرى، فإن بعضهم حصل على مكافأة بمنحه هوية الاحتلال، مثل تحسين منصور ويونس
حنتولي، والبعض الآخر جرى تسهيل هروبه لخارج فلسطين مثل جميل العملة وسمير قمصية،
أما بقية المسؤولين والعناصر، فباتوا موصومين بالعمالة بين أفراد المجتمع
الفلسطيني، بعد حل كافة روابط القرى وإنهاء هذا المشروع.