سلط موقع
"مونديس" الأمريكي الضوء على تدهور الوضع
الاقتصادي في قطاع
غزة
وتأثيره الكبير على السكان.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن اضطرار المرأة إلى الجلوس على جانب
الطريق وإشعال النار لإعداد وجبة الإفطار لأسرتها في البرد مع وجود آلاف الغرباء
المحيطين بها ليس أمرا طبيعيا في غزة.
هربت آمنة قدوم (48
سنة) من مدينة غزة إلى رفح بعد رحلة نزوح شاقة تنقلت فيها من مكان إلى آخر. قبل
الحرب، كانت آمنة تعمل في حضانة مقابل راتب متواضع لا يكاد يكفي لتلبية احتياجاتها
الخاصة، لكنه ساعد في استكمال دخل زوجها كسائق سيارة أجرة في مدينة غزة. تعرضت
سيارة الأجرة التي كان يعمل عليها للقصف في وقت مبكر من الحرب، مما أدى إلى حرمان
الأسرة من مصدر رزقها الرئيسي.
وذكر الموقع أن آمنة
وزوجها إسماعيل عاشا خلال الحرب على المساعدات الغذائية التي تصل إلى غزة عبر
وكالة الأونروا. وتشتمل وجبة الإفطار التي تحضرها على علبة فول مدمس توزعها الأونروا
إلى جانب علبة الحمص. وهذه الوجبة هي كل ما تأكله الأسرة طوال اليوم، يليها بعض
شطائر الجبن التي توزعها الأونروا في المساء. في ظل غياب الموارد، يشبه وضعهم وضع
آلاف الأسر الأخرى التي لا تستطيع تلبية أي من احتياجاتها الأساسية بخلاف
المساعدات الضئيلة التي تحصل عليها.
محو الاقتصاد وتدمير
المجتمع
أوضح الموقع أن
التأثيرات الأكثر دراماتيكية للحرب هي بلا شك حجم الوفيات البشرية والتشريد ناهيك
عن الأذى الجسدي والنفسي. وبعيدًا عن القصف المستمر والتهديد المباشر بالموت،
تتمثل السمة الأكثر أهمية لهذه الحرب في أنها تهدف إلى تدمير مجتمع بأكمله. من بين
العواقب الأخرى، يعني ذلك أن غزة لم يعد لديها اقتصاد، وظهر بدلاً من ذلك سلسلة من
الأسواق السوداء التي تستغل الاحتياجات الإنسانية الهائلة التي خلقتها الحرب وتبيع
سلع المعيشة الأساسية بأسعار خيالية.
وفي رفح، لا يزال هناك
شارع يشبه السوق يصطف فيه بائعون للتجارة أو بيع المساعدات الإنسانية. كما تدخل
أحيانًا سلع تجارية مثل رقائق البطاطس والشوكولاتة والحليب والسكر إلى غزة، وتجد
طريقها دائمًا إلى هذا السوق.
لكن بسبب التضخم
السريع الذي نتج عن النقص الشديد الذي فرضته خطة التجويع الإسرائيلية، أصبحت هذه
السلع تكلف الآن عشرة أضعاف سعرها قبل الحرب. أصبح الكيلوغرام الواحد من السكر
الذي كان سعره في السابق (أقل من دولار واحد) الآن يباع بحوالي (6.75 دولارات)، هذا
إذا كان متوفرا على الإطلاق. وارتفع سعر الحفاضات من (5-7 دولارات) إلى (27-33
دولاراً)؛ وتتراوح أسعار القهوة بين (8-14
دولاراً) إلى (67 دولاراً) لأرخص نوع؛ وبسكويت الأطفال من (13 سنتا) إلى (2
دولار)؛ وعلبة السجائر تتراوح أسعارها بين (5 دولارات) إلى (27-30 دولاراً).
وقد وصل سعر كيس
الدقيق سعة 25 كيلوغراماً هذا الشهر إلى (100 دولار)، ولكن بعد وصول كمية إضافية
من الدقيق إلى رفح كمساعدات إنسانية (وهو ما لا ينطبق على شمال غزة)، انخفض سعر
الدقيق إلى الضعف فقط. وأصبح لتر الديزل الذي كان يكلف (2 دولار) الآن يتراوح بين (19-24
دولارا). وأضحت أسطوانات البروبان التي يبلغ وزنها 12 كيلوغراما والتي كانت تكلف (13.5
دولارا) لملئها، الآن متاحة في السوق السوداء مقابل (68 إلى 81 دولارا).
وحتى الحطب، الذي كان
يكلّف نصف شيكل للكيلوغرام الواحد، ارتفع الآن إلى (أقل من دولار)، نظرًا للطلب
غير المسبوق عليه باعتباره مصدر الوقود البديل الوحيد المتاح لدرء برد الشتاء.
وقفز سعر البقوليات مثل العدس، وهو غذاء تقليدي للعائلات الفقيرة، من (1.6 دولار)
للكيلو الواحد إلى (8 - 9.5 دولارات) للكيلو.
وأشار الموقع إلى أنه
بالنسبة لعائلات مثل عائلة آمنة، أدى هذا التضخم الهائل إلى جعل الأموال القليلة
التي تمتلكها دون أي قيمة. في هذا السياق، صرحت آمنة: "في هذه الظروف التي
نجلس فيها في البرد، والأبخرة المحيطة بنا من السيارات التي تعمل بزيت الطهي بدلاً
من الديزل، والقمامة والنفايات من حولنا، نمرض جميعًا. لا أستطيع شراء حتى قطعة
صابون للمحافظة على نظافة عائلتي".
وأضافت قائلة:
"في الأيام الأولى من الحرب، على الرغم من أننا لم نتمكن من العثور على طعام
نأكله، إلا أننا كنا لا نزال آمنين في منازلنا. أصبح في الوقت الراهن بيتنا هو
الشارع". وبينما تتحدث، كان صوت سعال الأطفال القادم من داخل الخيمة واضحا.
وبالكاد يتوقف بينما تستمر محادثتنا.
وقالت عندما فروا لأول
مرة من منزلهم في الشمال، كان الطقس لا يزال دافئًا، ولم يكونوا بحاجة إلى أخذ
ملابس ثقيلة معهم. بحلول فصل الشتاء، حاولت آمنة العثور على بعض السترات وشرائها
من السوق.
تقول آمنة:
"الأسعار يصعب تصديقها". تبلغ تكلفة سترة صغيرة لابني البالغ من العمر 8
سنوات 150 شيكل (40 دولارًا)، ولدي ثلاثة أطفال آخرين. إذا كنت سأشتري سترات لهم
جميعًا بهذا السعر، فسيكون هذا الراتب بأكمله الذي كنت أتقاضاه قبل الحرب. والآن
لا أملك حتى هذا المبلغ من المال".
وأكد الموقع أن الأسر
التي لم يكن لديها مصادر دخل ثابتة قبل الحرب واعتمدت على المساعدات من برنامج الغذاء
العالمي ساءت حالتها منذ الحرب. وتشكل هذه العائلات الغالبية العظمى من سكان غزة،
ومعظمهم الآن لاجئون في رفح.
عمال القطاع العام
يتعرضون للهجوم
وأوضح الموقع أن
عائلات أخرى تتلقى الدعم من معيلين يتمتعون برواتب ثابتة نسبيًا، مثل موظفي السلطة
الفلسطينية الذين يتلقون راتبًا شهريًا، أو موظفي حكومة حماس في غزة. لكن منذ
الحرب، لم يحصل أي من هؤلاء الموظفين الحكوميين على رواتبهم.
وتواصل الطائرات
الحربية الإسرائيلية قصف جميع مكاتب الصرافة وأجهزة الصراف الآلي التي توزع
الرواتب على موظفي حكومة حماس، على الرغم من أنهم مجرد مدنيين لديهم وظائف في
القطاع العام، مثل معلمي المدارس والعاملين في مجال الرعاية الصحية. ومؤخرًا،
استهدفت قوات
الاحتلال شركة "فروالا" بخان يونس، التي كانت توزع الرواتب
المتأخرة على موظفيها عن الأشهر السابقة.
وذكر أن علاء صبح (41
سنة) هو أب لأربعة أطفال فرّ من مدينة غزة إلى غرب رفح على الساحل. ولولا الحرب
لكان التخييم في هذه المنطقة ليلا يعتبر ترفيهيا. واليوم، يشوب هذا المنظر نفسه
بحرا من الخيام المكتظة الممتدة على طول الساحل، حيث تتجمع عائلات بأكملها حول
النيران الهزيلة طلباً للدفء دون ملابس مناسبة. ومما يزيد الأمر سوءًا الرياح
الساحلية الجليدية التي تخترق المخيمات ولا تستثني أحدًا.
وأشار الموقع إلى أن علاء كان يعيش حياة مريحة، ويحصل على راتب ثابت كمدرس
في الكلية الأزهرية، التابعة لجامعة الأزهر التابعة للسلطة الفلسطينية. صرح علاء:
"في السابق حتى عندما ترتفع الأسعار إلى حد ما، كنا قادرين على تحملها. لكن
هذه المرة، أصبح ارتفاع الأسعار مكلفا للغاية حتى بالنسبة للأغنياء".
وتابع
بغضب: "غزة لم تستورد أي بضائع جديدة خلال الحرب. فلماذا الأسعار مرتفعة جدًا
الآن؟ كان من الأفضل لو أخذنا جميعا في الاعتبار ظروف الحرب، وكان على التجار أن
يمتنعوا عن رفع الأسعار. وحتى لو رفعوا في الأسعار، كان بإمكانهم على الأقل أن
يرفعوها بهامش معقول، ولو الضعف. كنا سنقبل مضاعفة الأسعار. لكن لا يمكننا تحمّل
زيادة عشرة أضعاف".
وأورد الموقع أن علاء وزملاءه من موظفي السلطة الفلسطينية تلقوا رواتبهم مع
تخفيض الأجور بنسبة 40 بالمائة، مما أدى إلى تفاقم آثار ارتفاع الأسعار. وعلى
الرغم من الارتفاع غير المسبوق للأسعار في رفح، إلا أن آثار التضخم لا تضاهي آثار
الندرة وصعوبة الحصول على الغذاء والدواء، حيث أن الصيدليات فارغة، ناهيك عن محلات
البقالة، حتى أنه من الصعب الحصول على الماء.