سلط موقع "
مبادرة الحرب غير
النظامية" الأمريكي، الضوء على ما يمكن أن نعرفه عن الحرب بين
الاحتلال
والمقاومة الفلسطينية، وسيناريوهات الانتصار والهزيمة في
الحرب غير النظامية الجارية في قطاع
غزة.
وقال الموقع، في
تقريره الذي ترجمته "عربي21" إن تحديد الجانب الخاسر في أي خلال هذا
الصراع أمر غير صعب، من خلال عدد القتلى المدنيين، الذين راحوا ضحية
عمليات التدمير الكارثية، في المقابل، فإن تقييم أي حول المقاتلين ومن سيفوز هو مهمة
أكثر إرباكا بكثير.
وفيما يلي النص الكامل للتقرير:
إن تحديد الجانب الخاسر في أي خلال هذا الصراع أمر غير صعب: من خلال عدد الضحايا المدنيين، الذين راحوا ضحية عمليات التدمير الكارثية التي لم يكن مسؤولين عنها. في المقابل، فإن تقييم أي من المقاتلين سيفوز هو مهمة أكثر إرباكاً بكثير. في هذه الحرب، كما هو الحال في العديد من الحروب الأخرى، يكون النجاح والفشل متعدد الأشكال، ويتجلى على المستوى التكتيكي والإستراتيجي، محليًا ودوليًا، بشكل مباشر وغير مباشر، وعبر فترات زمنية مختلفة. وبما أن الحرب، بدمارها وخسائرها، تبرر ظاهريًا من خلال الهدف السياسي الذي ترنو إلى تحقيقه، ينبغي أن يكون هذا الافتقار إلى الوضوح مثيرًا للقلق.
باستخدام حرب إسرائيل على
حماس إلى جانب السوابق السابقة كدراسات حالة، يسعى هذا المقال إلى تسليط الضوء على مسألة النصر في الحرب غير النظامية. من المؤكد أنه من السابق لأوانه الإدلاء بتصريحات حاسمة بشأن الصراع الدائر في الشرق الأوسط، ولكن من الممكن أن نتعلم الكثير من خلال دراسة ما ظهر حتى اللحظة الراهنة. ومع هذا التحذير يبقى السؤال: هل هناك من ينتصر في هذه الحرب، وإذا كان الأمر كذلك، فكيف ولماذا؟ ولا تتعلق المناقشة بالقتال في غزة فحسب، أو بسياساتها الإقليمية الأوسع، بل بمستقبل إستراتيجية الحرب غير النظامية وبتنظيرنا المستمر لما يمكن أن تحققه؛ حيث تُدرس الكليات الحربية نظريات النصر باعتبارها عنصرًا حاسمًا في الإستراتيجية، ولكن هل نعرف حتى ما الذي نبحث عنه؟
حالة حماس
منذ هجوم حماس في 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023 واجهت الحركة هجومًا إسرائيليًا مضادًا غاضبًا، فلقد قصفت إسرائيل مواقع حماس في مختلف أنحاء غزة، فدمرت قاعدة عملياتها وسعت بذلك إلى تحقيق هدفها الحربي المتمثل في القضاء على الجماعة. وبعد أسابيع فقط من القتال، بلغ عدد الضحايا في غزة نحو 20 ألف شخص، غالبيتهم العظمى من المدنيين. ويشير حجم الهجوم إلى أن إسرائيل لن تردعها استخدام حماس للدروع البشرية أو البنية التحتية المدنية. وبعبارة أخرى؛ فإن حماس ستبدو خاسرة.
ومن المؤكد أن هذا ليس هو السرد السائد. بل على العكس من ذلك، لا توجد ثقة حقيقية اليوم في أن القوة العسكرية المطلقة سوف تكسب الحرب. وإذا جاز التعبير، وإذا كنا قد تعلمنا أي شيء من العراق، ومن عشرين عامًا من محاربة مختلف التهديدات غير المتكافئة، فهو أن النصر لا يعني النجاح العسكري فحسب، بل يعني أيضًا تحقيق السلام الدائم. ومن خلال هذا المنظور؛ تتمثل المفارقة في أنه على الرغم من النكسات العسكرية التي تعرضت لها، تحقق حماس نجاحًا سياسيًّا وتستفيد من الهجوم العسكري الإسرائيلي. وتقول هذه الحجة إن إسرائيل، بغزوها لغزة، وقعت ضحية للمغالطة الإستراتيجية المعتادة لدى القوات المسلحة الغربية: والتي تتلخص في إمكانية استخدام التفوق العسكري لهزيمة التمرد.
حالة انتصار حماس ترتكز على ثلاث ركائز. فأولًا، تمكنت حماس - من خلال هجومها - من إظهار الضعف الإسرائيلي والتغلب على منافسيها الفلسطينيين، وعلى رأسهم السلطة الفلسطينية. وفي إسرائيل، يُنظر إلى الهجمات على نطاق واسع على أنها تمثل تهديدًا وجوديًا، ومن هنا جاءت سرعة وشدة الرد عليها. ومع زيادة حزب الله لهجماته الصاروخية، وتصاعد العنف في الضفة الغربية، واستمرار الحوثيين في استهداف مواقع إسرائيلية وأمريكية خلال هجماتهم الصاروخية؛ تجد إسرائيل نفسها في حرب محتملة متعددة الجبهات، مما يسلط الضوء على موقفها غير المستقر. وفي الوقت نفسه، تضاءلت صورة الآلة العسكرية والاستخباراتية الإسرائيلية التي تتباهى بها كثيرًا. ومن خلال هذا الهجوم، أظهرت حماس ميزانًا جديدًا للقوى.
ثانيًاً؛ يشكل تدمير حماس، وهو هدف إسرائيل الذي تطمح إلى تحقيقه، مهمة بالغة الصعوبة، فحتى لو تم إضعاف المنظمة بشكل نهائي، فمن الصعب قتل الأيديولوجيات. وسوف يعتمد على ما إذا كانت إسرائيل قادرة، بضربها لحماس، على تقويض جاذبية رسالتها وقضيتها. وبعيدًا عما تستطيع (وما لا تستطيع) تحقيقه عسكريًّا، يتطلب هذا معالجة الغضب الفلسطيني المتفاقم تجاه إسرائيل، فضلاً عن الظروف اليائسة في غزة، حتى قبل الهجوم.
من الصعب معرفة كيف يمكن لإسرائيل أن تحقق تقدمًا على أي من الجبهتين، فلقد أصبح "حل الدولتين" شعارًا عفا عليه الزمن لدى الجهات الأقل نفوذًا. ومن ناحية أخرى؛ لا يبدو أن أيا من البدائل المقترحة لحكم حماس في غزة قابل للتطبيق، حيث تبدو السلطة الفلسطينية غير جديرة بالثقة بشكل خاص بسبب خمولها وتراجع شرعيتها في أعقاب هجمات حماس.
وأضاف الموقع أنه مع استمرار حالة عدم اليقين السياسي في غزة، والمظالم القديمة الملتهبة بالجراح الجديدة، فقد تتمكن حماس من البقاء على قيد الحياة، إن لم يكن على المستوى التنظيمي فمن الناحية الأيديولوجية. وإذا كان الأمر كذلك فإن حركة المقاومة التي نصبت نفسها سوف تكون قادرة على ادعاء شرعية هائلة لأنها ألحقت الأذى بإسرائيل بشكل لم يسبق له مثيل، ولاكتساب التنازلات من خلال إطلاق سراح الرهائن، وصمودها في وجه الهجوم الذي أعقب ذلك. وسوف تنعكس هذه الإنجازات ليس في مختلف أنحاء العالم الفلسطيني فحسب، حيث تشير استطلاعات الرأي إلى زيادة الدعم لحماس منذ الهجوم الإسرائيلي، بل على الصعيدين الإقليمي والدولي.
ثالثًا؛ أيًّا كان ما قد يحدث لحماس، فإنها تستطيع أن تزعم عن حق أنها أعادت القضية الفلسطينية إلى الخريطة؛ حيث يخبرنا كلاوزفيتز أن الحرب هي استمرار للسياسة بوسائل أخرى. على هذه الجبهة؛ أقنع الصراع الحالي العديد من الناس بأن السياسة الإسرائيلية في التعامل مع فلسطين غير مستدامة وأن الأمر يتطلب حلًّا سياسيًّا مختلفًا. ويمكن مقارنة هذا الموقف بالإهمال النسبي للقضية الفلسطينية قبل السابع من تشرين الأول/أكتوبر، عندما كانت إسرائيل تدير الصراع على خلفية النسيان العالمي. وسوف تنسب حماس، بقدر من المصداقية، الفضل لها في تشويه سمعة إسرائيل على المستوى الإقليمي وخارجها، وإعادة غزة إلى عناوين الأخبار الدولية، والتسبب في معضلات أيضًا للراعي الرئيسي لإسرائيل، وهي الولايات المتحدة.
وأصبحت إسرائيل الآن أكثر عزلة مما كانت عليه لفترة طويلة، وذلك في أعقاب فترة من المشاركة الدولية الناجحة. وقد استدعت العديد من الدول سفراءها، وألغت الصفقات المبرمة، وحتى الولايات المتحدة أظهرت علامات من التردد، وعلى الرغم من صعوبة اكتشافه - نظرًا للمساعدة العسكرية الأمريكية المستمرة وميلها لدعم إسرائيل إلى أقصى حد - يمارس الرئيس بايدن الضغط على إسرائيل بطرق غير معهودة لرئيس أمريكي.
ويكشف التأخير في إرسال بنادق جديدة إلى إسرائيل (خوفًا من استخدامها ضد المدنيين الفلسطينيين في الضفة الغربية) والأساليب الإبداعية اللازمة لإرسال قذائف المدفعية (لتجاوز المعارضة المحتملة في الكونجرس) إلى مدى تحول الرأي الأمريكي بشأن إسرائيل. وتكشف استطلاعات الرأي عن ميل متزايد بين الأمريكيين لإلقاء اللوم على إسرائيل في الحرب والتعاطف مع السكان الفلسطينيين. بالنسبة لإدارة بايدن× أصبح دعم إسرائيل مجازفة خطيرة، سيكلفها الأصوات محتملة على الصعيد المحلي والشرعية على المستوى الدولي.
ونظرًا لهذا المنطق، فمن المعقول القول إن هجمات حماس حققت مستوى معينًا من النجاح يتجاوز الخلل العسكري الواضح في الصراع الدائر، فقد أدت أعمال العنف الشديدة في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر إلى تعطيل الديناميكيات السياسية الراسخة وإعادة تشكيل التصورات النفسية والإستراتيجية بطرق غير متوقعة.
يمكن العثور على أوجه التشابه في التاريخ؛ حيث تعرضت القوات الفيتنامية الشمالية لضربات شديدة في هجوم تيت سنة 1968، لكن استعراض القوة غيّر الحسابات الإستراتيجية المحيطة بالحرب، مما أدى في النهاية إلى الانسحاب الأمريكي وانهيار فيتنام الجنوبية. وفي سنة 1995؛ شنت جماعة الزاباتيستا في المكسيك هجومًا جريئًا سرعان ما تم صده، إلا أن الجماعة تمكنت بعد ذلك من تقديم نفسها على المستوى الدولي باعتبارها الضحية المحاصرة لدولة متعسفة. وقد استفادت "الحرب الإلكترونية" الناتجة، حسب مصطلحات أركيلا ورونفيلدت، من الشبكات الموزعة عالميًا بطريقة أدت إلى شل الدولة، بحيث لا يزال الزاباتيستا، حتى يومنا هذا، يحكمون مناطق متمردة تتمتع بالحكم الذاتي بشكل منفصل عن معارضة للدولة.
في هذه الحالات وغيرها؛ تزعزع التوازن العسكري بسبب الأصول غير الملموسة، وبينما من غير المؤكد ما إذا كانت حماس توقعت هذا النوع من النتائج، فمن الواضح أن الحركة تعاني من الأثار الجانبية الناتجة عن هجمات السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، لا سيما فيما يتعلق بالتأثير على التصورات العامة؛ حيث إن الاعتراف بهذه الحقيقة ليس دفاعًا عن العنف الجماعي، بل هو محاولة لتفسير حدوثه.
فمثل هذا العمل الهجومي يمكن أن يخلق صدمة معرفية، ويجذب الاهتمام العالمي، وربما يغير السرد. وبناءً على ذلك، فإن أي رد فعل على مثل هذه الأحداث يجب أن يهتم بشكل حاسم بالتأطير والسرد والتصورات التي تتبعها. سوف تظل القوة العسكرية مهمة دائمًا، ولكن كما حذر جوزيف ناي قبل عقدين من الزمن تقريبًا، فإن "النصر يعتمد أيضًا على من سيفوز سرده". إن نجاح حماس، وهي منظمة "إرهابية" مكروهة دوليًّا، في هذه المنافسة لا بد أن يكون أمرًا صادمًا بقدر ما هو مفيد.
حالة إسرائيل
إذن، هل محكوم على إسرائيل بالفشل، لتصبح دولة أخرى ضحية "الحرب الإلكترونية"؟ قد يبدو هذا استنتاجًا محيرًا، نظرًا للقوة العسكرية التي تتمتع بها البلاد، وعدم التكافؤ في الخسائر البشرية الناجمة عن القتال، وسيطرتها المتزايدة على قطاع غزة المدمر. وتظل إسرائيل كيانًا قوميًا معترفًا بها من قبل معظم المجتمع الدولي، وبالتأكيد من قبل اللاعبين الرئيسيين فيه؛ فهي تستفيد من المكانة القانونية والدعم والموارد بطريقة لا يمكن لحماس أن تضاهيها أبدًا.
إن الهدف الإسرائيلي في هذه الحرب هو تدمير حماس. وكما ناقشنا؛ فإن هذا سيكون صعبًا، ولكن من المؤكد أن حماس ستخسر بشكل ملموس أكثر من إسرائيل في المعركة الحالية. وفي كل يوم، تضرب إسرائيل المزيد من الأهداف، مما يؤدي إلى إضعاف حماس وجعل عودتها إلى موقعها السابق في السلطة أمرًا غير مرجح على نحو متزايد. وتسعى حماس إلى الفوز في هذه الحرب في مجال البصريات والإدراك، ولكن، على حد تعبير الفريق جورج ميلر، من "إن ذا لووب": "في نهاية الحرب، تحتاج إلى بقاء بعض الجنود، حقًا، وإلا يبدو أنك خسرت".
ولكن ماذا عن الآثار غير الملموسة؟ وقد يبتهج داعمو حماس لأن الجماعة تسببت في توتر علاقات إسرائيل مع بعض الدول العربية، وفي المقام الأول السعودية، ولكن أيًا من هؤلاء الداعمين لم يهب لنصرتها ضد الهجوم الإسرائيلي. فلعدة أسابيع؛ ظل حزب الله سلبيًا إلى حد كبير في مواجهة الهجوم الإسرائيلي. وقد تصاعدت في الآونة الأخيرة فقط، ولكن دون فتح جبهة ثانية لمساعدة حماس. وسرعان ما أعلنت إيران، الراعية لحماس منذ فترة طويلة، أنها لم يكن لها يد أو علم مسبق بهجوم 7 تشرين الأول/ أكتوبر، مما يعكس إحجامها عن الانجرار إلى حرب إقليمية (وكل ذلك بينما تستخدم نفوذها على التمرد الحوثي في اليمن لتحقيق مكاسب إستراتيجية). وربما اكتسبت حماس بعض التعاطف لإجبار إسرائيل على إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين، وعلى نحو معاكس من القصف الإسرائيلي العنيف على غزة، ولكن أغلب المراقبين رغم ذلك يرفضون الجماعة ويصفونها بأنها منظمة إرهابية، وخاصة مع ظهور تفاصيل مروعة عن المذبحة التي ارتكبتها.
وفي مواجهة إسرائيل وحدها في غزة؛ أصبحت حماس الآن ضحية معضلة المتمردين القديمة: "بين اتخاذ إجراءات من المحتمل أن تؤدي إلى رد فعل عنيف (ولكن لديها فرصة ما للوصول إلى أهداف المجموعة) وعدم اتخاذ أي إجراء على الإطلاق (وبالتالي ضمان هزيمة أهداف المجموعة)" لقد اختارت حماس أن تتحرك، وأن تفعل ذلك بوحشية وخبث غير مسبوقين. ومن خلال قيامها بذلك، أعطت حماس أيضًا إسرائيل الزخم والمبرر لملاحقتها عسكريًا وبكثافة غير مسبوقة. وبما أن حماس راسخة في غزة، وهي منطقة أصغر من مساحة رود آيلاند وتقع على أعتاب إسرائيل، فإن المهمة العسكرية المتمثلة في قمع الجماعة قد تبدو في متناول إسرائيل.
إذا كان هذا هو مستقبل حماس؛ فإنه لن يكون أول تمرد يتم سحقه بالقوة العسكرية. ولنتأمل هنا حركة نمور تحرير تاميل إيلام الجبارة، التي قادت تمردًا مطولًا ومتطورًا، ولكن تم القضاء عليها بالقوة المطلقة في الفترة من 2006 إلى 2009 على أيدي المؤسسة العسكرية السريلانكية. كان الدمار كبيرًا وكانت الخسائر في صفوف المدنيين مرتفعة، لكن هذه الخسائر لم تعكس النتيجة الاستراتيجية. وفي سياق مماثل؛ استولى تنظيم الدولة على مناطق واسعة في كل من سوريا والعراق في سنة 2014 وأصبح أحد أكثر الجماعات المتمردة شهرة على الإطلاق، ولكن على الرغم من (أو على وجه التحديد بسبب) هذه النجاحات، عرَّض تنظيم الدولة نفسه لهجوم عسكري مضاد أدى إلى تدمير خطته الشاملة في أقل من ثلاث سنوات. ولا يزال تنظيم الدولة يخطط لعودة ظهوره ويشن هجمات من حين لآخر، ولكن من غير الواضح كيف يمكن إنشاء "خلافته" المتبجحة دون أن يواجه التنظيم نفس المصير الذي واجهه في الموصل أو الرقة.
وعلى الرغم من تدني الثقة بشكل عام في القوة العسكرية التقليدية في الحرب غير النظامية؛ فإن مثل هذه النتائج ليست شاذة. وفي معظم صراعات التمرد الأخيرة، كانت الدولة هي التي تنتصر، إما بشكل حاسم كما هو الحال في سريلانكا أو من خلال دفع خصمها إلى ما دون عتبة مقبولة، كما هو الحال في العراق وسوريا. والواقع أنه منذ سنة 2000، نستطيع أن نقول إن ست حركات تمرد فقط كانت "منتصرة"، رغم أن أغلبها لم يسفر إلا عن المزيد من الصراع، وكلها تطلبت دعمًا خارجيًا كبيرًا (وعلى الأخص في ليبيا وأفغانستان، في سنتي 2001 و2021). وفي غياب هذا الدعم، فشلت جهود المتمردين إلى حد كبير.
إن الدول التي تظهر على القمة في هذه المنافسات لا تفعل ذلك من خلال الالتزام الوثيق بأفضل ممارسات مكافحة التمرد: كسب القلوب والعقول، وفصل المتمردين عن الناس، واتباع خطة سياسية. وبدلًا من ذلك؛ تعيد الدول استخدام القوة العسكرية عند الضرورة لقمع المشكلة بدلًا من حلها تمامًا. ويُعتبر "جز العشب"، كما يُطلق على هذا النهج، استجابة دون المستوى الأمثل للعنف السياسي، لأنه لا يعالج الأسباب الجذرية للصراع. ومع ذلك، بالنسبة للمتمردين، يتم جز العشب، ويجب أن يبدأ الكفاح المسلح من جديد - بجهد كبير في كثير من الأحيان. ولا يتألق أي من الجانبين، لكن المتمرد يعاني أكثر، وتتمكن الدولة من البقاء.
ويؤسس هذا التاريخ لعدم تناسق واضح: تناقض بين القوة العسكرية للدولة وقدرة المتمردين على حشد الدعم. بالنسبة لإسرائيل؛ يكمن التحدي في ما إذا كانت قادرة على تطبيق ما يكفي من الأول للتصدي لتطبيق حماس للأخير. لقد نجحت إسرائيل في الماضي في جز العشب، وإرجاع خصومها إلى الوراء، وصرف النظر عن الازدراء الدولي الناجم عن أعمالها العسكرية. والمفارقة اليوم هي أن سرعة ونطاق وكثافة الرد الإسرائيلي هي التي أحدثت الفارق، وغذت الدعم لحماس ومعارضة إسرائيل والتعاطف مع القضية الفلسطينية. ولو كانت إسرائيل قد تبنت نهجًا أكثر دقة ودهاء دبلوماسيًا في جهودها الرامية إلى تحييد حماس؛ فإن تأكيدات الجماعة بالنصر، سواء كان فعليًا أو متصورًا، من المرجح أن تبدو أقل مصداقية. وبهذا المعنى؛ كانت إستراتيجية إسرائيل هي العدو الأكبر لها. ولا ينبغي لهذا الخطأ العشوائي أن يعرقل أهداف إسرائيل، لكنه قد يأتي بتكلفة أعلى بكثير، هذا إذا تحقق من الأساس.
الخاتمة: السلطة والشرعية والسياسة
"الفوز أو الخسارة كلها عبارة عن كرة عضوية واحدة، منها يستخرج المرء ما يحتاج إليه." هذه الكلمات الثاقبة، ليست من صن تزو، بل تحدثت بها شخصية روزي بيريز في الفيلم، الرجال البيض لا يستطيعون القفز، ويتردد صداها بشكل غريب مع الفروق الدقيقة في الحرب غير النظامية. ففي هذه الصراعات، يحدث الفوز والخسارة بشكل ملموس وغير ملموس، مما يجعل من الصعب رؤية توازن المزايا في أي موقف معين.
في مثل هذه السياقات، ما هي نظرية النصر المناسبة؟ إحدى طرق التعامل مع هذه المسألة هي تقييم أوجه عدم التماثل ونقاط الضعف لدى كل جانب والتساؤل عن مدى استغلالها بفعالية. وينبغي الإشارة إلى أن نقاط الضعف هذه ليست ذات طبيعة عسكرية فحسب؛ بل هي أيضا سياسية واجتماعية وإعلامية. وهكذا بالنسبة للمتمردين الذين يعملون من القاعدة إلى القمة كان النصر يتطلب دائمًا استخدام نقاط قوتهم ضد نقاط ضعف الحكومة وتجنب استخدام قوة الحكومة ضد نقاط ضعفهم. والنتيجة الطبيعية بالنسبة للدول هي منع المتمردين من إملاء هذا الارتباط بين القوى.
كيف تتعامل إسرائيل وحماس؟ يبدو أن كلاهما ارتكبا أخطاء جسيمة. إن الدول عادة ما تكون متفوقة عسكريًا، ولكنها تعاني عندما تفقد شرعيتها ولم تعد قادرة على مقاومة قوى التعبئة التي يمارسها عدوها المتمرد. ولقد استخدمت إسرائيل قوتها (القوة العسكرية) ولكن على نحو يكشف عن نقطة الضعف (الافتقار إلى الشرعية الدولية والإقليمية) التي تستغلها حماس الآن. وربما يتحرك العالم إلى الأمام على أية حال، وأن يسمح الدعم الأميركي المستمر لإسرائيل بالانتصار. ومع ذلك، وفي أسوأ الأحوال بالنسبة لإسرائيل، فإن مكاسبها العسكرية ستكون باهظة الثمن؛ حيث ينقلب الرأي العام الدولي والإقليمي والمحلي على البلاد ويولد هجمات ومقاومة جديدة.
بالنسبة لحماس، فإن وحشية هجمات 7 تشرين الأول/ أكتوبر زودت إسرائيل بالسبب لإطلاق العنان لقوتها (القوة العسكرية) ضد ضعف حماس النسبي (عدم قدرتها على الوقوف والقتال)، وبالتالي فإن الجماعة تواجه خطر التدهور الشديد أو حتى الدمار الكامل. وتكمن قوة حماس في عدم التماثل والغموض. وباستخدامها "دروعًا بشرية وسكان غزة كرهائن"؛ حيث تمكنت منذ فترة طويلة من التهديد بالغضب الأخلاقي إذا ما لاحقتها إسرائيل حقًا حيث تعيش. ومع ذلك؛ يصعب الحفاظ على هذه المزايا عندما تكون ملتزمة بالدفاع الإقليمي عن منطقة خاضعة للسيطرة وتشترك في اشتباكات مباشرة ضد القوات العسكرية للدولة.
الصراع الدائر في غزة يجسد الطبيعة المعقدة للحرب غير النظامية. ذات يوم، عرّفت وزارة الدفاع الحرب غير النظامية بأنها "صراع عنيف بين الجهات الفاعلة الحكومية وغير الحكومية من أجل الشرعية والنفوذ"، وهو ما يجسد بشكل جيد اللغز الكامن في قلب الصراع الحديث. والخلاصة الرئيسية التي نستخلصها من الوضع الحالي في الشرق الأوسط هي أنه لكي يكون العنف فعّالًا من الناحية الاستراتيجية، فلا بد أن يكون مدعومًا بخطابات مقنعة وبدعم كاف. ومن الممكن أن تكون القوة العسكرية حاسمة، ولكن قوتها واستدامتها تتعزز عندما تتماشى مع الرأي العام، وليس تآكله. وكما يتبين من حالة الشرق الأوسط اليوم، فإنه في الفوز بهذه المعركة من أجل الشرعية، لا يمكن أن يكون هناك مجال للتهاون.