نشرت صحيفة "إزفيستيا" الروسية تقريرًا تحدثت فيه عن اعتزام البنتاغون إجراء عملية في البحر الأحمر ضد
الحوثيين اليمنيين ستشارك فيها القوات البحرية لعشر دول، بما في ذلك بريطانيا وكندا وفرنسا وإسبانيا وإيطاليا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن استهداف الحوثيين السفن المتجهة نحو إسرائيل عبر مضيق باب المندب الذي يبلغ عرضه 30 كيلومترا تقريبا، عامل يهدد التجارة العالمية.
ونتيجة لذلك، فقد رفعت شركات التأمين الأسعار 10 مرات، بينما قامت أكبر شركات الشحن بالفعل بتعليق حركة سفن الحاويات. لذلك، فإنه شُلّ حوالي 15 بالمئة من نشاط الشحن.
وأعلن البنتاغون بدء عملية في البحر الأحمر تحت رعاية القوة البحرية المشتركة (شراكة عسكرية غير رسمية تضم 39 دولة تحت قيادة الولايات المتحدة) تشرف عليها مجموعة العمليات 153. والهدف المزعوم من عملية تحالف حارس الازدهار ضمان الملاحة الآمنة في البحر الأحمر وسط "الهجمات المتهورة من قبل الحوثيين في اليمن".
وبحسب وزير الدفاع الأمريكي لويد أوستن، فإن هذه الهجمات تهدد حرية الملاحة والبحارة الأبرياء وتنتهك القانون الدولي. وإلى جانب الولايات المتحدة، ستشارك في العملية بريطانيا وكندا وإيطاليا وإسبانيا وفرنسا وهولندا والنرويج وسيشيل والبحرين. وتعتزم الدول "معالجة القضايا الأمنية بشكل مشترك في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن".
وذكرت الصحيفة أن الحوثيين يهاجمون السفن المتجهة إلى إسرائيل عبر البحر الأحمر بطائرات دون طيار وصواريخ منذ شهر ردا على القصف الإسرائيلي لقطاع
غزة وتضامنا مع الفلسطينيين. وقد أصبحت جميع السفن التجارية، سواء كانت ترفع علم إسرائيل أو متجهة نحوها عرضة للهجوم، خاصة في مضيق باب المندب.
ومجموعة العملية، التي تتخذ من البحرين مقرا لها، هي وحدة صغيرة مسؤولة عن مكافحة الإرهاب في المنطقة تفتقر إلى الإمكانات العسكرية الخطيرة. ولوقف تهديدات الحوثيين، فإنه يجب تعزيز القوات البحرية بشكل جدي.
ونقلت الصحيفة عن الباحث في معهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية التابع لأكاديمية العلوم الروسية، إيليا كرامنيك، أن تحالف حارس الازدهار سيكون عملا نبيلا من دون عملية برية، لكنه غير واعد.
ويستبعد كرامنيك اتخاذ قوات الناتو قرار إطلاق عملية برية في اليمن تهدف إلى تدمير الإمكانات العسكرية للجماعة، بل ستقتصر فقط على حماية السفن المدنية في البحر الأحمر وشن ضربات صاروخية وجوية على أهداف الحوثيين الساحلية وتعزيز السيطرة الرادارية على البحر الأحمر. وستكون قاعدة إمداد المجموعة هي سيشيل، حيث توجد كل البنية التحتية العسكرية اللازمة لذلك.
وأوردت الصحيفة أن قائد المجموعة البحريّة لحلف الناتو ستكون سفينة هجومية برمائية تابعة للبحرية الأمريكية، وهي موجودة بالفعل في المنطقة، وسيتم توزيع ما بين 10 و15 سفينة سطحية مجهزة بالدفاع الجوي والأسلحة الصاروخية في جميع أنحاء منطقة الشحن التي تغطيها صواريخ الحوثيين. وتتواجد القوات البحرية الأمريكية والبريطانية والفرنسية بالفعل في منطقة الدوريات.
وبحسب صحيفة "بوليتيكو" فإن مجموعة حاملة طائرات تابعة للبحرية الأمريكية بقيادة حاملة الطائرات "يو إس إس دوايت آيزنهاور" وصلت إلى منطقة خليج عدن. وقد سمح البنتاغون لقيادة الجماعة بتنفيذ ضربات ضد الحوثيين دون موافقات إضافية.
وفي الوقت الراهن، تمتلك جماعة أنصار الله صواريخ متوسّطة وقصيرة المدى وطائرات مقاتلة وطائرات دون طيار تحت تصرفها. ووفقاً لكرامنيك، فإن الإيرانيين لن يفوّتوا فرصة اختبار أنظمة الأسلحة الجديدة الخاصة بهم ضد السفن الأمريكية من الأراضي التي يسيطر عليها الحوثيون.
وقال كرامنيك: "مع أخذ تناوب القوات بعين الاعتبار، فإنه يمكن للمجموعة البحرية "حارس الازدهار" العمل في البحر الأحمر لفترة طويلة تتجاوز العام بالتأكيد" ـ مع العلم أن الحوثيين هدّدوا بمهاجمة سفن تلك الدول التي تنضم إلى التحالف الأمريكي لحماية السفن في البحر الأحمر.
أين تكمن أهمية مضيق باب المندب؟
ذكرت الصحيفة أن التهديد الذي يشكله الحوثيون في اليمن أدى إلى إغلاق الطرق التجارية عبر البحر الأحمر، وهي أهم منطقة نقل في الشرق الأوسط، نظرًا لصعوبة تجنب هجمات الحوثيين. ويؤمّن البحر الأحمر مرور ما بين 10 إلى 12 بالمائة من التجارة العالمية، بما في ذلك 30 بالمئة من حركة الحاويات العالمية.
ويؤمّن هذا الشريان 40 بالمئة من التجارة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ، التي تجمعها مصالح مع كل من الولايات المتحدة والدول الأخرى التي انضمت إلى العملية، بما في ذلك كندا وفرنسا. وقد أثبت حادث آذار/ مارس من سنة 2021 عندما علقت السفينة "إيفر غيفن" التي يبلغ طولها 400 متر في قناة السويس ما أدى إلى شلل الاقتصاد العالمي، أن التأخر يمكن أن يؤدّي إلى انقطاع كبير في الإمدادات.
وأوردت الصحيفة أن الوضع الجاري أثر بالفعل على الاقتصاد، حيث ارتفعت تكلفة التأمين على السفن على الفور. وفي أوائل كانون الأول/ ديسمبر، بلغت الرسوم الإضافية المفروضة على شركات التأمين مقابل المرور عبر هذه المناطق 0.07 بالمئة من تكلفة السفينة، بينما تضاعفت الرسوم في الأيام الأخيرة 10 مرات. ونتيجة لذلك، فقد أصبح نقل البضائع عبر البحر الأحمر أكثر تكلفة بعشرات الآلاف من الدولارات.
وارتفعت تكلفة الهيدروكربونات، إذ يمر حوالي 10 بالمئة من إجمالي النفط بحرًا عبر مضيق باب المندب. وبعد الهجوم على الناقلة النرويجية، ارتفعت أسعار النفط بنسبة 0.2 بالمئة في 12 كانون الأول/ ديسمبر. ومنذ بداية الحرب على غزة، ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا بنسبة 13 بالمئة، ولهذا السبب أخذت تكلفة المنتجات النهائية في الارتفاع أيضًا.
ورغم امتلاك الحوثيين جيشا صغيرا، إلا أنهم يستخدمون الصواريخ والأسلحة الأخرى لتهديد الشحن التجاري، ما زاد في تكلفة التأمين، بما في ذلك التأمين على السفن الإسرائيلية. كما أن 40 بالمئة من التجارة في منطقة آسيا والمحيط الهادئ تمر عبر البحر الأحمر. وفي ظل إنتاج معظم المنتجات في آسيا، بما في ذلك الصين، فإن من شأن ذلك تعطيل إمدادات السلع الأساسية إلى أوروبا.
وقال الباحث الروسي في مركز الدراسات الشرقية دانيلا كريلوف إن الخبراء يرون أن حوالي 15 بالمئة من نشاط الشحن لا يزال مشلولاً بسبب بدء الشركات بإعادة النظر في الخدمات اللوجستية. وبشكل غير مباشر، يؤكد هذا الوضع أيضًا أن الطريق التجاري عبر قناة السويس لا يعتبر فعالاً بما فيه الكفاية من حيث الوقت والوقود والتكلفة النهائية. وقد باتت أهمية مشروع الطريق البحري الشمالي الذي اقترحته
روسيا، والذي دعمه الصينيون كجزء من فرعهم في القطب الشمالي "حزام واحد، طريق واحد"، واضحة.
وبحسب المحلل السياسي الروسي أندريه أونتيكوف، فإن كيفية تسليم البضائع من آسيا إلى أوروبا سؤال يطرح نفسه ويصوب الأنظار نحو مشروع "حزام واحد، طريق واحد". وأوضح أونتيكوف أن دخول الأمريكيين إلى اليمن جزء من لعبة كبيرة لا تهدف إلى معاقبة الحوثيين أو إيران فحسب، بل إلى منع الصين من احتكار السوق وتوريد السلع من آسيا إلى أوروبا.
إلى ماذا ستؤدي العملية الأمريكية المقبلة في الشرق الأوسط؟
يقع اليمن على ساحل البحر الأحمر وبحر العرب وخليج عدن في وقت واحد، ما يسمح للحوثيين المتمركزين هناك بمهاجمة ممر النقل بأكمله بشكل أساسي. وتغذي التأثيرات الخارجية الحرب الأهلية المستمرة في اليمن. وفي هذا الصدد، حذرت طهران واشنطن من أن القوات العملياتية المنتشرة بناء على طلب الولايات المتحدة ستواجه "مشاكل غير عادية".
وبحسب الأكاديمي والمحلل السياسي رولاند بيغاموف فإنه في ما يتعلق بإيران، ومن وجهة نظر جيوسياسية، فإن هذا قد يوسع نطاق الصراع أو على الأقل يخلق مصدرًا قويًا آخر للتوتر. ولكن في حال انخفضت حدة الصراع بين إسرائيل وفلسطين، فلن يحتاج الحوثيون إلى الهجوم بعد الآن لأن الأسباب الجيوسياسية والحضارية - أي مشكلة الشرق الأوسط التي لم يتم حلها - هي الدافع وراء الهجوم.
للاطلاع على النص الأصلي (هنا)