قال أستاذ دراسات السلام بجامعة برادفورد بول
روجرز، إن عملية
التدمير الشديدة التي يقوم بها
الاحتلال، في قطاع
غزة، تتجاوز
فكرة صدمته من عملية طوفان الأقصى وجود متطرفين في حكومة بنيامين نتنياهو.
وأوضح في مقال له بصحيفة
الغارديان، ترجمته
"عربي21"، أن إسرائيل تمارس ما يعرف بـ"عقيدة الضاحية"، عبر التدمير المهول، من أجل تحقيق هدفها المعلن وهو القضاء على
حماس كما تعتقد، والأمر الثاني توجيه رسالة لكل من يفرح بمقاومتها في
المنطقة بحجم الدمار.
لكن الأكاديمي قال: إن حرب إسرائيل سوف تفشل، وسوف
تعود حماس وتبرز إما بشكل مختلف أو بقوة أكبر، ما لم توجد طريقة ما للبدء بإنجاز
المهمة العسيرة المتمثلة بتقريب الجانبين من بعضهما البعض.
وفي ما يلي النص الكامل للمقال:
كيف يمكن أن يفهم المرء هذه الشدة الهائلة لحرب
إسرائيل على غزة؟ أحد التفسيرات هو أنها نتيجة للصدمة المستمرة التي أصيبوا بها
على أثر مذبحة يوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) يضاف إلى ذلك وجود حكومة يمينية
متطرفة تشتمل على عناصر متطرفة. إلا أن ذلك يتجاهل عنصراً آخر: مقاربة إسرائيلية
محددة تجاه الحرب تعرف باسم "عقيدة الضاحية". كما أن ذلك يعتبر سبباً
لماذا لم يكن "التوقف" ليستمر لوقت طويل جداً.
دعونا أولاً نجري جرداً لوضع غزة. بعد توقف في
القصف الجوي استمر لسبعة أيام، استؤنفت الحرب يوم الجمعة. خلال الأيام الأخيرة،
كان القصف كثيفاً، وارتفع تعداد الوفيات منذ السابع من أكتوبر إلى 15،899 طبقاً
لوزارة الصحة في غزة، ووصل عدد الجرحى إلى ما لا يقل عن واحد وأربعين ألفاً. من
بين الموتى 6500 طفل، بما في ذلك مئات الرضع.
أما الدمار الذي لحق بغزة فهو مهول: 60 بالمائة
من إجمالي عدد المنازل (234 ألف منزل) لحقت بها أضرار، 46 ألفا منها دمرت بالكامل.
لربما وفرت التهدئة التي استمرت لسبعة أيام فرصة محدودة للراحة من الحصار الشامل
ولكن ما زال القطاع يعاني من نقص خطير في الغذاء والمياه النظيفة والمستلزمات
الطبية.
على الرغم من الهجمات الإسرائيلية الهائلة،
والمسنودة بمدد يكاد يكون بلا حدود من القنابل والصواريخ والدعم الاستخباراتي من
الولايات المتحدة، ما زالت حماس مستمرة في إطلاق الصواريخ. والأكثر من ذلك أنها
ما تزال تحتفظ بقدرة شبه عسكرية ضخمة، وما زال 18 من كتائبها شبه العسكرية الأربعة
والعشرين الأصلية كما هي، بما في ذلك كل العشرة التي تنتشر في جنوب غزة.
لربما كان الدعم لحركة حماس في تزايد داخل
الضفة الغربية، حيث قتل المستوطنون المسلحون وعناصر قوات الدفاع الإسرائيلية عشرات
الفلسطينيين منذ أن بدأت الحرب. الحكومة الإسرائيلية عازمة تماماً على الاستمرار
وها هي تصعد من الحرب، وذلك على الرغم من التحذير الصادر عن وزير الخارجية
الأمريكي أنطوني بلينكين بضرورة الحد من الإصابات وتأكيد نائبة الرئيس كاملا هاريس
بأنه "لا يمكن أن تسمح الولايات المتحدة تحت أي ظرف من الظروف بالتهجير
القسري للفلسطينيين من غزة أو الضفة الغربية، أو بحصار غزة أو بإعادة رسم حدود
قطاع غزة".
قد لا يعني ذلك الكثير إذا ما أخذنا بالاعتبار
الموقف المتطرف لحكومة الحرب التي يترأسها بنيامين نتنياهو، والتي وضعت لنفسها
هدفاً يتمثل في تدمير حماس. ترتبط الكيفية التي سوف يحاولون من خلالها تحقيق ذلك
بالطريقة الإسرائيلية تحديداً في خوض الحرب والتي نشأت وتطورت منذ عام 1948 إلى أن
وصلت إلى عقيدة الضاحية التي تعتنقها حالياً، والتي يعتقد بأن جذورها تعود إلى
الحرب التي خاضتها إسرائيل في لبنان عام 2006.
في شهر يوليو (تموز) من ذلك العام، وفي مواجهة
رشقات من الصواريخ التي أطلقتها ميليشيات حزب الله من جنوب لبنان، خاضت قوات
الدفاع الإسرائيلية حرباً جوية وحرباً برية ضروساً. إلا أن أياً منهما لم تنجح،
وتكبدت القوات البرية خسائر فادحة، إلا أن أهمية الحرب تكمن في طبيعة الهجمات
الجوية، والتي وجهت نحو مراكز قوة حزب الله في منطقة الضاحية، في الأجزاء الجنوبية
من بيروت، ولكن أيضاً نحو البنية التحتية الاقتصادية في لبنان.
كان ذلك هو اللجوء إلى استخدام "القوة غير
المتكافئة"، مثل تدمير قرية بأسرها، إذا ما اعتبرت مصدراً للنيران الصاروخية.
من بين ما وصفت به النتيجة أن ما يقرب من ألف مدني لبناني قتلوا، ثلثهم من
الأطفال، وسويت البلدان والقرى تماماً بالأرض وتحولت إلى ركام، وشلت أو دمرت
الجسور، ومحطات معالجة مياه المجاري، ومرافق الموانئ، ومحطات توليد الطاقة.
بعد عامين من الحرب نشر معهد دراسات الأمن
القومي في جامعة تل أبيب تقريراً بعنوان "القوة غير المتكافئة: مفهوم الرد
الإسرائيلي في ضوء الحرب اللبنانية الثانية." يروج التقرير، الذي كتبه عميد
الاحتياط في الجيش الإسرائيلي غابي سيبوني، لمفهوم عقيدة الضاحية، باعتباره السبيل
نحو الأمام رداً على الهجمات شبه العسكرية. كان رئيس القوات العسكرية الإسرائيلية
في لبنان أثناء الحرب، والذي أشرف على تلك العقيدة، هو الجنرال غادي آيزنكوت،
والذي عين فيما بعد رئيساً لهيئة أركان الجيش الإسرائيلي، ثم تقاعد في عام 2019،
ولكنه أعيد تارة أخرى في أكتوبر ليعين مستشاراً لحكومة الحرب التي يترأسها نتنياهو.
تبين ورقة سيبوني الصادرة عن المعهد بشكل جلي
لا لبس فيه أن عقيدة الضاحية تتجاوز بمراحل مجرد إلحاق الهزيمة بالخصم في صراع
قصير، وتتعلق بترك أثر بعيد المدى بحق. ذلك بالضبط ما تعنيه القوة غير المتكافئة،
فهي تشمل تدمير الاقتصاد والبنية التحتية للدولة وتتسبب في عدد كبير من الإصابات
بين المدنيين، وذلك بنية إنجاز أثر رادع ومستدام.
استخدمت هذه العقيدة في غزة خلال الحروب
الأربع السابقة منذ عام 2008، وبشكل خاص في حرب عام 2014. في تلك الحروب الأربع،
قتلت قوات الدفاع الإسرائيلية ما يقرب من خمسة آلاف فلسطيني، معظمهم من المدنيين،
وذلك مقابل خسارة 350 جندياً من جنود الجيش الإسرائيلي وما يقرب من ثلاثين مدنياً.
في حرب عام 2014، أصيبت محطة توليد الطاقة في غزة بأضرار في هجوم لقوات الدفاع
الإسرائيلية، وتضرر ما يقرب من نصف سكان غزة الذين كان تعدادهم حينذاك 1.8 مليون
نسمة بسبب نقص المياه، وانقطاع التيار الكهربائي عن مئات الآلاف منهم، وتسرب مياه
المجاري إلى الطرقات.
وحتى قبل ذلك، في حرب غزة في 2008 / 2009، نشرت
الأمم المتحدة تقريراً لتقصي الحقائق خلص إلى أن الاستراتيجية الإسرائيلية إنما
صممت من أجل معاقبة وإذلال وإرهاب السكان المدنيين.
بات الوضع الآن، بعد مرور شهرين على اندلاع
الحرب، أشد وطأة، ولن تتوقف الحرب وقد بدأ الهجوم البري على جنوب غزة. تزداد
الأمور سوءاً بسبب أن عشرات الآلاف من الغزيين يحاولون المرة تلو الأخرى البحث عن
ملاذ آمن.
إن الهدف الفوري لإسرائيل، والذي قد يستغرق
شهوراً لتحقيقه، هو تصفية حماس والدفع بالفلسطينيين نحو منطقة صغيرة يحشرون فيها
في الجزء الجنوبي الغربي من غزة، حيث تسهل السيطرة عليهم. وأما الهدف على المدى
البعيد فهو إثبات أن إسرائيل لن تتهاون مع أي معارضة. ولسوف تحافظ قواتها المسلحة
على ما يكفي من القوة للسيطرة على أي تمرد، وبفضل ما لديها من قدرات نووية قوية،
لن تسمح لأي دولة في المنطقة بتهديدها.
ولكنها سوف تفشل. ولسوف تعود حماس وتبرز إما
بشكل مختلف أو بقوة أكبر، ما لم توجد طريقة ما للبدء بإنجاز المهمة العسيرة
المتمثلة بتقريب الجانبين من بعضهما البعض. في هذه الأثناء، الدولة الوحيدة التي
بإمكانها فرض وقف لإطلاق النار هي الولايات المتحدة، ولكن لا يوجد ما يشير إلى ذلك
– على الأقل حتى الآن.