قالت مجلة "
إيكونوميست" إن تداعيات حرب
غزة تظهر أن المسلمين
يقفون عند منعطف حرج.
وأضافت أن التحولات الدينية والسياسية والاجتماعية الضخمة تعمل على تغيير
الشرق الأوسط وسكانه البالغ عددهم 400 مليون نسمة.
وتساءلت المجلة عن ما إذا كان هجوم حركة
حماس قادر على عكس اتجاه تلك التغييرات
من خلال تأجيج جذوة
الإسلام السياسي.
وتستعرض المجلة ما تقول إنه تغيرات في الممارسة الدينية من التعبئة
السياسية من أجل الخلاص المجتمعي، كما يتبناها الإسلاميون، إلى سعي شخصي إلى
الروحانية. والنتيجة هي أنه بالنسبة للعديد من المسلمين، أصبح الإسلام غير مُسيس
بشكل متزايد. ومن هنا ترى المجلة خطورة أن يعيد العدوان على غزة تأجيج جذوة
الإسلام السياسي كما حصل مثلا في الربيع العربي، وتعتقد أن ذلك سيكون ضارا للغاية.
وتستعرض المجلة ما تقول إنه تعثر الإسلام السياسي خلال العقد الذي أصبحت
فيه الأعراف الاجتماعية والثقافية معولمة بشكل متزايد، زاعمة أن ذلك يشكل رفضا
للإسلام السياسي، ويعكس ما تقول إنه مدى ضآلة ما بذله أتباعه في معالجة الضائقة
الاقتصادية العميقة في البلدان التي سيطروا فيها على السلطة.
وتشير المجلة إلى تراجع ما تسميه الجهادية العنيفة. فبعد مرور عقدين من
الزمن، أصبحت "الهجمات" في معظم أنحاء العالم شيئا من الماضي. وفي سوريا
والعراق، دمر التحالف الذي تقوده الولايات المتحدة تنظيم الدولة، الذي سيطر على
منطقة بحجم بريطانيا وكان يؤوي ويدرب عشرات الآلاف من المقاتلين. ومنذ عام 2019،
انخفضت الهجمات الجهادية في سوريا من أكثر من 1000 هجوم سنويا إلى حوالي 100.
وتطرح المجلة تساؤلا حول كيفية تطور الإسلام السياسي بعد حرب غزة، وتقول: "كيف سيتطور الإسلام السياسي رداً على الحرب في غزة؟ من الممكن أن ينشأ جيل جديد من المتطرفين. فالمشاكل الاقتصادية، وسوء الإدارة في الحكم، والاستبداد المهلك، كل ذلك من شأنه أن يوفر تربة خصبة للعودة من جديد. خذ على سبيل المثال كلاً من ليبيا ولبنان واليمن، هذه كلها باتت الآن دولاً فاشلة، بينما أكثر بلدن الشرق الأوسط سكاناً، مصر وإيران، فكلاهما يعانيان من انعدام الاستقرار الاقتصادي.".
وتنقل الإيكونوميست عن أحمد دوح، المحلل المصري الذي يعمل مع مركز البحث والتفكير البريطاني شاتام هاوس، قوله " يمكن للحرب في غزة أن تصبح بمثابة قبلة الحياة بالنسبة للإخوان المسلمين. يمكن لحماس خارج الحكم أن تثير المزيد من الفوضى. وفي هوامش العالم الإسلامي، تشتعل ألسنة اللهب الأيديولوجي بشكل غير قابل للإخماد. فها هم الجهاديون ينتعشون من جديد في أفغانستان وفي شرق سوريا بينما ينسحب الأكراد إلى ثكناتهم. إنهم يسيطرون على جل منطقة الساحل، ويدفعون باتجاه أجزاء أخرى من أفريقيا". كما قال راجان بسرا، من قسم دراسات الحرب في لندن للمجلة: "من المبكر جداً الاحتفال بانتهاء عهد الحركات الجهادية."
النفخ في النيران
وتابعت المجلة: "تحاول الحكومات في الشرق الأوسط قمع أي صحوة. فكثير من الحكام المسلمين يرون في الإحياء الإسلاموي خطراً يشكل تهديداً عليهم أنفسهم بقدر ما يشكل تهديداً على الغرب. ولربما قاموا حتى بمساندة ما تهدف إليه إسرائيل من تدمير لحماس، وإن لم يؤيدوا وسائلها في ذلك. لم تقم أي من البلدان التي طبعت علاقاتها مع إسرائيل مؤخراً بقطع هذه العلاقات ولم يطالب أي منها الولايات المتحدة بإخلاء قواعدها في المنطقة. بل حظرت معظم دول الخليج الاحتجاجات والخطب التي تتضامن مع الفلسطينيين. وحتى قطر، التي توفر حماية لحماس وللقضايا الإسلامية الأخرى، عرضت طرد الإسلاميويين فيما لو طلبت حليفتها، أمريكا، منها ذلك. أما إيران ومحور المقاومة التابع لها فقد نأيا بنفسيهما عن القتال وتركا حماس تخوض المعركة لوحدها".
وتضيف: مع ذلك، سوف يكون من الخطأ اعتبار الصمت دليلاً على الإذعان. يقول علي باكير، الخبير في الإسلام السياسي لدى مركز البحث والتفكير الأمريكي المجلس الأطلسي: "عليك الحذر من الهدوء. فقد يكون ذلك إيذاناً بالانفجار القادم." فالإسلاموية يعهد فيها أنها تعود من جديد. كثيرون هللوا واحتفوا بموت الحركة الجهادية بعد مقتل أسامة بن لادن في عام 2011. ولكن لم يمض عامان على ذلك حتى اكتسحت من جديد في كل أرجاء الشرق الأوسط.
وترى المجلة أن "إسقاط حماس في غزة قد يسفر عن فترة من الهدوء على المدى القصير، ولكن لن تلبث بعيداً حتى تنشر أفكارها ومتشدديها في أنحاء الشرق الأوسط. وقد تتطور الإسلاموية نفسها أثناء انتشارها إلى شيء أقل طائفية، لربما جمعت أتباع السنة والشيعة معاً. إلا أن نزعتها النضالية قد تشتد". يوقول أندرو هاموند من جامعة أكسفورد للمجلة: "يحلم العالم إذا كان يظن أن الحركة الإسلاموية قد ولت."
وتقترح المجلة وصفة "في سبيل الإبقاء على الإسلام السياسي خامداً إلى حد معقول"، حيث يقول التقرير "لابد من تجسير الهوة بين الإسرائيليين والفلسطينيين. ويجب على الأنظمة المسلمة في أرجاء المنطقة العمل بسرعة على معالجة المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي يتغذى الإسلامويون عليها. قد يكون في وسع الدول الغنية بالنفط الدخول في تعاقد يمنح الحرية الفردية بدلاً من الحرية السياسية، ولكن البلدان الأفقر لا يسعها أن تدفع تكلفة الحماية الاجتماعية بما يقوض وجودها. كما أن سجن الإسلامويين لن يجدي نفعاً من حيث التعويض عن ذلك. لطالما انتعش الإسلام وانتشر في عالم متعدد الأديان. وبإمكانه أن يفعل ذلك من جديد".
للاطلاع على النص الأصلي اضغط (هنا)