نشر موقع "
أويل برايس" الأمريكي تقريرا تحدث فيه عن
سيطرة روسيا على أكبر اكتشاف نفطي في
العراق خلال العقدين الماضيين يقع في منطقة كركوك ويمكن أن يعزز مكانة روسيا في صناعة
النفط العالمية.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "عربي21"، إن التقديرات الأولية تشير إلى أن حقل إريدو النفطي العراقي يزخر بنحو 7 إلى 10 مليارات برميل من الاحتياطيات. وقالت مصادر رفيعة المستوى في صناعة النفط الروسية إن الرقم الحقيقي قد يكون أكثر بنسبة 50 في المائة من الرقم الأعلى لهذا النطاق. وفي كلتا الحالتين، يعد حقل إريدو ــ وهو جزء من منطقة الاستكشاف والتطوير في منطقة المربع رقم 10 في العراق ــ أكبر اكتشاف نفطي في العراق في الأعوام العشرين الماضية، وتريد روسيا السيطرة عليه بالكامل، إلى جانب حليفتها الجيوسياسية الرئيسية، الصين.
وهذا يتماشى مع هدف موسكو وبكين المتمثّل في إبقاء الغرب خارج صفقات الطاقة في العراق لإبقاء بغداد أقرب إلى المحور الإيراني السعودي الجديد و"إنهاء الهيمنة الغربية في الشرق الأوسط التي ستصبح الفصل الحاسم في زوال الغرب النهائي". وموافقة وزارة النفط العراقية الأسبوع الماضي بأن تبيع شركة إنبكس – شركة النفط الرئيسية التابعة لليابان الحليف الرئيسي للولايات المتحدة – حصتها البالغة 40 في المائة في منطقة المربع 10 التي تحتوي على اكتشاف إريدو الضخم، تترك الطريق مفتوحًا أمام لوك أويل للسيطرة الكاملة على المنطقة الغنية بالنفط.
وأوضح الموقع أن شركة لوك أويل كانت تمتلك حصة 60 بالمئة في المنطقة 10 بأكملها، بينما تملك الشركة اليابانية النسبة المتبقية. ومنذ آذار/ مارس، كانت تبحث عن طرق لإخراج إنبكس من الكتلة ومعها آخر بقايا النفوذ الغربي في المنطقة. في شهر آذار/ مارس وافقت شركة نفط ذي قار المملوكة للدولة العراقية رسميًا على تطوير احتياطيات المربع 10، بما في ذلك حقل إريدو بأكمله. وتقع المنطقة رقم 10 في جنوب شرق العراق على بعد حوالي 120 كيلومتراً غرب طريق تصدير النفط الرئيسي من البصرة، وجنوب حقول النفط الضخمة في الناصرية وما حولها.
وأضاف الموقع أن عقد المنطقة 10 الذي تم منحه إلى شركتي لوك أويل وإنبكس في سنة 2012 في جولة التراخيص الرابعة في العراق وضع أجرًا مرتفعًا نسبيًا لكل برميل يبلغ 5.99 دولارًا أمريكيًا، على الرغم من أنه في تلك المرحلة لم يكن حقل إريدو الضخم قد تم اكتشافه. وفي سنة 2021، بعد بعض الاختبارات الأولية، قالت وزارة النفط العراقية إنها تتوقع ألا تقل ذروة الإنتاج عن 250 ألف برميل يوميًا من إريدو بحلول سنة 2027.
حسب تقديرات مصادر رفيعة المستوى في صناعة النفط الروسية، فإن ذروة الإنتاج يمكن أن تزيد بما لا يقل عن 100 ألف برميل يوميًا عن الرقم السابق، وذلك يرتبط بما إذا كانت تقديرات الاحتياطيات الجديدة صحيحة. ورغم التأخير في التطوير منذ سنة 2021، إلا أن التاريخ الذي ستنتهي فيه الأعمال قرب نهاية سنة 2029.
بالعودة إلى سنة 2021 - على الأقل قبل انسحاب الولايات المتحدة رسميًا من العراق - كان من الواضح أن واشنطن تعرف ما تخطط له روسيا والصين على المدى الطويل في البلاد، وكيف وقع التلاعب بالولايات المتحدة من قبل العراق. صرّحت دانا سترول، نائبة مساعد وزير الدفاع الأمريكي آنذاك: "من الواضح أن بعض البلدان والشركاء سيرغبون في التحوط واختبار ما قد يكون بمقدورهم الحصول عليه من الولايات المتحدة من خلال اختبار التعاون الأعمق مع الصينيين أو الروس، لاسيما في المجال الأمني والعسكري".
لم تكن هذه التعليقات موجّهة إلى العراق فحسب، بل إلى أغلب الدول الأخرى في الشرق الأوسط في ذلك الوقت وأبرزها المملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة. في المقابل، لم يكن لهذه الرؤية العميقة أي تأثير على واشنطن في تلك المرحلة، ولم تشكل أي عائق على الإطلاق أمام مساعي روسيا أو الصين المستمرة لدفع الولايات المتحدة بالكامل إلى الخروج من الشرق الأوسط، كما تم تحليله بعمق في كتابي الجديد عن الشرق الأوسط "النظام العالمي الجديد لسوق النفط".
وبالنسبة للعراق، كانت نهاية اللعبة واضحة من استيلاء روسيا الفعلي على صناعة النفط والغاز في منطقة كردستان التي تتمتع بحكم شبه ذاتي في البلاد في الشمال. وحدث هذا في ظل الفوضى التي أعقبت القمع الوحشي للمنطقة بعد أن صوت 93 بالمئة من سكانها لصالح الاستقلال الكامل عن العراق في أيلول/ سبتمبر 2017. وتم تأمين السيطرة الروسية على كردستان العراق عبر وكيل الدولة، روسنفت، من خلال ثلاث وسائل.
وفي وقت لاحق، تلاعبت روسيا بالمنطقة وأدخلتها في مواجهة سامة مع الحكومة العراقية المركزية في بغداد، حيث تسير المرحلة الأخيرة من خطة دمج إقليم كردستان العراق بشكل فعال في بقية العراق بأقصى سرعة الآن. ونظرا لهذا، تتحرك روسيا والصين الآن لتأمين هيمنتهما على بقية العراق، وتعدّ إزالة "إنبكس" من حقل إريدو الضخم مجرد مثال أحدث لاستراتيجيتهما الأوسع في العمل.
وذكر الموقع أن صفقات الاستكشاف والتطوير المتعددة للحقول، بالإضافة إلى عدد لا يحصى من اتفاقيات "التعاقد فقط" الأقل أهمية، مع الشركات الروسية والصينية تتيح للبلدين مجالًا واسعًا للاستفادة من هذه الاتفاقيات في وجود جيوسياسي أصعب في جميع أنحاء البلاد، بما في ذلك داخل نسيج بنيتها التحتية الرئيسية.
وفي اجتماع مجلس الوزراء العراقي الأخير، تم الاتفاق على أنه يجب على البلاد حاليًا تقديم دعمها الكامل لطرح جميع جوانب "الاتفاقية الإطارية العراقية الصينية" واسعة النطاق الموقعة في كانون الأول/ ديسمبر 2021، ولكن تم الاتفاق عليها من حيث المبدأ قبل أكثر من سنة. وتشبه هذه الاتفاقية إلى حد كبير "اتفاقية التعاون الشامل بين إيران والصين لمدة 25 سنة" من حيث النطاق والحجم.
وأوضح الموقع أن الجزء الرئيسي من كلا الصفقتين يكمن في أن الصين ترفض أولا جميع مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات التي ستطرح في العراق طوال مدة الصفقة، وأن يتم منحها خصمًا بنسبة 30 بالمئة على الأقل على جميع مشاريع النفط والغاز والبتروكيماويات التي تشتريها. وهناك جزء رئيسي آخر من الاتفاقية الإطارية بين العراق والصين وهو السماح لبكين ببناء مصانع في جميع أنحاء البلاد، مع ما يترتب عليه بناء بنية تحتية داعمة.
ويشمل ذلك خطوط السكك الحديدية، التي يُشرف عليها جميعها موظفو إدارتها من الشركات الصينية الموجودة على الأرض في العراق. وسيتم الانتهاء من البنية التحتية للسكك الحديدية في العراق بعد الانتهاء من الشبكة في إيران، وقد بدأ ذلك بشكل جدي في أواخر سنة 2020 بعقد كهربة خط سكة الحديد الرئيسي الذي يبلغ طوله 900 كيلومتر والذي يربط طهران بمدينة مشهد الشمالية الشرقية.
وكعامل مساعد لذلك، تم وضع خطط لإنشاء خط قطار فائق السرعة بين طهران وقم وأصفهان وتوسيع هذه الشبكة المطورة حتى الشمال الغربي عبر تبريز. وستكون تبري نقطة محورية لطريق الحرير الجديد الذي يبلغ طوله 2300 كيلومتر والذي يربط أورومتشي (عاصمة مقاطعة شينجيانغ الغربية الصينية) بطهران، وسيربط كازاخستان وقيرغيزستان وأوزبكستان وتركمانستان على طول الطريق، قبل أن يصل إلى أوروبا عبر تركيا.
وترتبط هذه الخطط بدورها بالخطط الطبيعية التي وضعتها روسيا والصين لتحويل المنطقة الجنوبية الشرقية من العراق بأكملها إلى منطقة يتقاطع فيها النفط والغاز الذي تسيطر عليه روسيا والصين. كانت إحدى هذه الصفقات الأساسية تقوم على موافقة بغداد على ما يقارب تريليون دينار عراقي (700 مليون دولار أمريكي) لمشاريع البنية التحتية في مدينة الزبير إلى الجنوب من البصرة. وقال محافظ المدينة وقت إبرام الصفقة، عباس السعدي، إن مشاركة الصين الكبيرة في المشاريع كانت جزءًا من اتفاقية "النفط مقابل الإعمار والاستثمار" ذات القاعدة العريضة.
وحسب الموقع، جاء إعلان الزبير بعد فترة وجيزة من منح بغداد عقدًا كبيرًا آخر لشركة صينية أخرى لبناء مطار مدني ليحل محل القاعدة العسكرية في عاصمة محافظة ذي قار الجنوبية الغنية بالنفط. وتضمّ منطقة ذي قار اثنين من أكبر حقول النفط المحتملة في العراق - الغراف والناصرية - وقالت الصين إنها تعتزم استكمال المطار بحلول سنة 2024. وتقع هذه المنطقة أيضًا إلى الشمال مباشرة من حقل نفط إريدو الضخم وإلى الشمال الغربي من البصرة. وسيتضمن مشروع المطار إنشاء العديد من مباني الشحن والطرق التي تربط المطار بوسط المدينة وبشكل منفصل بالمناطق النفطية الرئيسية الأخرى في جنوب العراق.