قالت صحيفة "
التايمز" البريطانية، في تقرير لها، إن هناك مخاوف ظهرت بشأن إمكانية تقييد حرية الصحافيين في نقل الحقائق، مع محاولة أحد شيوخ دولة
الإمارات العربية المتحدة، شراء صحيفة "التلغراف".
ونقلت الصحيفة، عن وزيرة الثقافة، لوسي فريزر، أنها تفكر في فتح تحقيق تنظيمي في صفقة الاستحواذ المقترحة المدعومة من مالك نادي مانشستر سيتي، الشيخ منصور بن زايد آل نهيان.
وأشارت الصحيفة، إلى أن حاكم أبو ظبي، يمتلك وسائل إعلام متهمة بالرقابة والتغطية الفئوية حيث تعطي "التايمز" عدة أمثلة عن ذلك التحيز الذي تمارسه صحيفة "ناشونال"، الصحيفة الناطقة بالانكليزية، التابعة لأداة الاستثمار الخاصة، بحاكم أبو ظبي، على لسان نشطاء وموظفين سابقين فيها.
إلى ذلك، يعود المصدر نفسه، بالذاكرة إلى عدة حوادث بينها حادثة وقعت عام 2019 ، فيقول "إن تلك الصحيفة، قامت بإخفاء سبب الوفاة بالمخدرات لابن أحد حكام الإمارات بعد تناوله الكوكايين والمنشطات الجنسية في شقته التي تبلغ قيمتها 8 ملايين جنيه إسترليني، في نايتس بريدج لكن صحيفة «ناشونال» أغفلت سبب الوفاة في تقريرها.
وتشير "التايمز" إلى مثال آخر وهو حادث التحرش الجنسي تعرضت له كاتلين ماكنمارا – أحد أعضاء فريق استعراضي – وغطت أخبار ذلك الحادث الصحافة البريطانية بشكل كبير عندما أكدت كاتلين أنها تعرضت للتحرش من شيخ إماراتي في فيلا خاصة، بينما لم تقم صحيفة ذا ناشونال بنشر الخبر من أساسه في موقعها الإلكتروني.
وتذكر "التايمز" أن الشيخ المتهم نفى قيامه بذلك (التحرش) وقال إنه يحزنه أن يأتي هذا الادعاء بعد ثمانية أشهر عن الحادث المزعوم.
وتشير "التايمز" أيضا إلى مثال آخر لقيام صحيفة "ذا ناشونال" بتجاهل الأخبار، وهو الفيديو الذي انتشر عن محكمة في الولايات المتحدة الأمريكية، ويظهر فيه شيخ إماراتي وهو يضرب تاجرا أفغانيا، ويقوم بحرقه بالنار ثم يلقي الملح على جروحه. وتنقل الصحيفة، عن صحافي سابق في "ناشونال" قوله إن صحيفته تجاهلت الخبر تماما حينها.
ومن الأمثلة الأخرى هو طلاق الأميرة، هيا بنت الحسين، التي هربت إلى لندن عام 2018 بسبب المعاملة السيئة التي كانت تتلقاها من زوجها الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، وظهرت حينها وقائع مثيرة حول سلوك الشيخ خلال قضية الطلاق قي ديسمبر / كانون أول 2021، والتي أسفرت عن أكبر تسوية في تاريخ القانون الإنكليزي، ولم نجد في البحث عبر موقع "ناشونال" أي أثر لذلك الخبر حيث تم تجاهله.
اللورد هيغ يعارض
وفي نفس السياق نشرت الصحيفة، مقالاَ للورد البريطاني،
وليام هيغ، قال فيه إنه في صباح
أحد الأيام عندما كان وزيرا للخارجية، طُلب منه تلقي مكالمة عاجلة من شخصية بارزة
في دولة الإمارات العربية المتحدة، وأنه لكونه على علاقة ودية مع العديد من قادة
ذلك البلد، قام بالرد على الهاتف على الفور. لكنها لم تكن أسهل المكالمات، حيث
اتضح أن المتصل أراد تقديم شكوى بصوت عالٍ على هيئة الإذاعة البريطانية (بي بي سي)،
التي كانت تنشر أخبارا تنعكس بشكل سيء للغاية على بعض الإماراتيين المتنفذين.
ويقول هيغ، إن "المكالمة كانت طويلة، وأوضحت له كيف أنه حتى بين البلدين اللذين يتمتعان
بعلاقات جيدة، يمكن أن يكون هناك اختلافات ثقافية يجدان صعوبة في التغلب عليها. فكان
من الصعب على المتصل أن يتفهم كيف أن الحكومة البريطانية لا يمكن أن يكون لديها
معرفة أو سيطرة على القرارات التحريرية لهيئة الإذاعة البريطانية؛ حيث قال له: "إنهم
يحرجون حكومة دولة صديقة، وهذا بالتأكيد ليس ما تريده، يا وزير الخارجية؟".
وأضاف
هيغ، أنه أوضح للمتصل قائلا: "كل ما أريده ليس له أي تأثير على هيئة الإذاعة
البريطانية. فلتنس ما يقولونه عن الدول الصديقة، يجب أن ترى ما يقولونه عنا. إنهم يزعجون
حكومتهم كل يوم. إن مهمتهم في الواقع هي القيام بذلك".
ووصف
استغراب المتصل الذي سأل الوزير: "هل أنت جاد؟ لكن من المؤكد أنهم مدعومون من
الدولة؟" وقال
إنه أجابه: "نعم؛ لكنهم مستقلون. في هذا البلد، يمكن لوسائل الإعلام أن تنشر
ما تريد، بشرط أن يكون لديها أدلة".
وقال
إن "المتصل اقتنع في نهاية المطاف، أنني أقول الحقيقة، لكن من الواضح أنه كان
يعتقد أنها طريقة غريبة جدا لإدارة بلد ومزعجة للغاية. لقد وجد أنه من الصعب أن
يفهم أن الوزراء البريطانيين لا يستطيعون فعل أي شيء بشأن التغطية الإعلامية، التي
تخلف عواقب على العلاقات الخارجية لبريطانيا، وأننا سنعتبر أنه من الخطأ مجرد
المحاولة. كانت فكرة امتلاك أو تأسيس شركة أو مؤسسة تتعمد إزعاجك، وعدم القيام بأي
شيء حيال ذلك، غريبة عنه. في عالمه، لم يكن هناك فصل واضح بين المصلحة الخاصة
والعامة، أو بين السياسة الوطنية والتغطية الإعلامية".
وبناء
على هذه الحادثة يقول هيغ، إن "احتمال وقوع مؤسسات إعلامية بريطانية مهمة، مثل
صحيفتي تيليغراف وسبيكتيتور، في ملكية الشيخ منصور الإماراتي، أمر مقلق ويجب منعه".
ويؤكد أنه يقول ذلك كمتحمس صريح للإمارات وإنجازاتها ودورها في العالم. وأنه كوزير
للخارجية، قام بتعزيز الروابط التجارية الوثيقة، ورافق الملكة الراحلة في زيارة
دولة مذهلة وقام بزيارة القوات الإماراتية، التي تقاتل إلى جانب القوات البريطانية
في أفغانستان. ويضيف أنه أقنع العديد من الدول بتقديم دعم حاسم لمعرض إكسبو
العالمي 2020 الذي عقد في دبي، والذي تم تنظيمه بشكل رائع بالفعل.
وقال
إن كل أنظار العالم ستتجه إليهم هذا الأسبوع، وهم يقومون بمحاولة شجاعة للتوصل إلى
اتفاقيات عالمية في مؤتمر المناخ Cop28،
على الرغم من أنه من المستحسن عدم استغلال هذه المناسبة لعقد صفقات النفط والغاز،
كما ذكرت هيئة الإذاعة البريطانية. وينبغي على ديفيد كاميرون، أن يستعد لمكالمة هاتفية
غاضبة بشأن ذلك. لكن دولة الإمارات، تعج أيضا بالشركات العاملة في مجال الطاقة
المتجددة وحتى البلدات والمدن التي صفرت الانبعاثات الكربونية. وأضاف أن الإمارات من
نواحٍ عديدة، كما أشار وزير الاستثمار، دومينيك جونسون، في عطلة نهاية الأسبوع، فهي
"دولة من الدرجة الأولى وتدار بشكل جيد للغاية".
وشدد هيغ، على أن اللورد جونسون أخطأ في تعليقاته، عندما
خلص إلى أنه لا ينبغي على البريطانيين أن "ننفعل عاطفيا تجاه بعض أصولنا
الثمينة"، أي صحفنا. ويقول له إنه يمكنك الإعجاب ببلد ما والترويج للأعمال
والاستثمارات المزدهرة منه، حتى في محطات الطاقة النووية، كما ورد أيضا في الأيام
الأخيرة، دون إغفال الاختلافات المهمة معه.
كما يمكنك الحصول على صديق جيد دون أن
تفكر في أنه يتعين عليك إرضاؤه دائما. في الواقع، يمكنك أن تكون صادقا مع صديقك في
أن بعض الأشياء محظورة عليه. فإذا قلنا لأي شخص في الإمارات إن هيئة الإذاعة
البريطانية (بي بي سي) تعتزم الاستثمار في تلفزيونها الحكومي، أو أن مجموعة من
الصحف البريطانية تقترح شراء صحيفة ذا ناشيونال، وهي صحيفة يومية موثوقة مؤيدة
للحكومة، فلن يتوقفوا عن الضحك. ومن الواضح أن اختلافاتنا الثقافية، فيما يتعلق
بحرية التعبير، أكبر من أن يحدث ذلك. وينبغي أن نكون صادقين، كما سيكون أصدقاؤنا
الإماراتيون معنا، أن امتلاك الصحف الكبرى هو تجاوز للمعقول.
وقال إنه بينما يكتب هذا المقال، تدرس وزيرة الثقافة،
لوسي فريزر، ما إذا كانت الصفقة المعقدة التي ستؤدي إلى أن يصبح الشيخ منصور هو
المالك النهائي لمجموعة تلغراف الإعلامية، تستدعي التدخل لأسباب تتعلق بالمصلحة
العامة. وعليها أن تأخذ في الاعتبار الضمانات التي تم تقديمها بشأن الحفاظ على
استقلال التحرير من ناحية، والتهديد المحتمل لحرية التعبير مما قد يكون في الواقع
ملكية دولة أجنبية من ناحية أخرى. ويقول إنه لو كان مكانها، لتدخل بالتأكيد، مدركا
أن العاطفة لا علاقة لها بالأمر.
ويؤكد هيغ، أن إحدى المزايا العظيمة التي تتمتع بها
بريطانيا هي وسائل إعلام لا تحترم أحدا وباحثة وتنافسية، حيث لا يزال محتوى الصحف
الحقيقية يتمتع بنفوذ كبير. وانتقد تقليل اللورد جونسون، من أهمية الأمر عما كان
عليه من قبل، حيث قال جونسون: "معظمنا اليوم لا يشتري صحيفة ورقية أو يذهب
بالضرورة إلى مصدر إخباري تقليدي".
ويرد عليه هيغ، بأنه على مدى السنوات
القليلة المقبلة، سيكون الأمر أكثر أهمية، حيث أصبحت المعلومات المضللة منتشرة. وتعمل
وسائل التواصل الاجتماعي، بما تحتويه من أخبار انتقائية ومسببة للإدمان، على تسميم
السياسة في مختلف أنحاء العالم. مضيفا أنه "سواء كانت صحفنا في شكل مادي أو
رقمي لا يهم، لكن حريتها ووجودها سيكونان أكثر أهمية من أي وقت مضى. وبعيدا عن
كونها مشكلة غريبة أو قديمة، فهي قضية مستقبلية متزايدة".
ورحب هيغ بأن الوزراء البريطانيين أظهروا في الأشهر
الأخيرة تصميما على مقاومة التعديات على حرية الإعلام. ومن شأن قانون الجرائم
الاقتصادية الجديد أن يجعل من الصعب على الأفراد الأثرياء إسكات المنتقدين في
قضايا تشهير زائفة. فسوف يستغني مشروع قانون وسائل الإعلام، عن المقترحات المقيدة
التي نتجت عن تحقيق ليفيسون. ولا يزال يتعين القيام بالمزيد لمساعدة الصحف المحلية
على البقاء، لأنها تلعب دورا حاسما في مساءلة المجالس وأعضاء البرلمان، فضلا عن
الحفاظ على هوية المجتمع.
وأنهى مقالته بالقول: "سوف تكون خطوة كبيرة في
الاتجاه المعاكس أن نسمح لدولة أجنبية، مهما كانت ودية، بامتلاك عناوين الصحف
الكبرى. سيكون من الصعب جدا فهم القصص العدائية في تلك الصحف. إن علاقاتنا مع
الإمارات، وكذلك مع وسائل الإعلام لدينا، ستكون أكثر صحة بدون ذلك".