قال أستاذ الشؤون الدولية في جامعة تكساس "إيه آند أم"،
غريغوري غاوس، إن العدوان الإسرائيلي على قطاع
غزة، ترك ولي العهد السعودي محمد بن
سلمان في موقف صعب، على الأقل في المدى القصير.
وأشار في مقال بمجلة "
فورين أفيرز"،
إلى أن ولي العهد السعودي يتوق إلى الاستقرار الإقليمي، الأمر الذي من شأنه أن
يسهل عليه متابعة هدفه المتمثل في تنويع اقتصاد المملكة وتقليل اعتمادها على
صادرات النفط.
ولفت إلى أن ابن سلمان يعيش ضغوطا في الداخل
والخارج، إذ يدفع القادة الأمريكيون والأوروبيون المملكة للقيام بدور قيادي في غزة
ما بعد حماس، بينما تحث المجموعات الإقليمية والمحلية الرياض على دعم الفلسطينيين
بشكل أكثر فعالية.
وقال إن الدبلوماسيين الغربيين الذين يخططون
لليوم التالي بعد انتهاء الحرب الإسرائيلية على غزة يجدون أنفسهم في مواجهة
خيارين، إما استثمار الحرب لإضعاف أعدائهم فقط، أو السعي إلى إعادة تشكيل تكتلات
القوى القائمة في المنطقة.
وبالنسبة للخيار الثاني، يقترح باك أن الحل
الأمثل لمرحلة غزة ما بعد الحرب هو تشكيل إدارة قطرية مصرية سعودية إماراتية
للقطاع، لقطع الطريق على إيران التي تدعم حركة حماس، وتشكل تهديدا أساسيا
لإسرائيل، إلى جانب تقليم أظافر روسيا التي تسعى لاستغلال ما يجري لتوسع نفوذها في
المنطقة.
ويرى بأن هذا السيناريو ينعش ويضفي الشرعية على
محادثات السلام بين المملكة إسرائيل، والتي توقفت بسبب الحرب، خاصة القصف
الإسرائيلي العنيف والمدمر الذي يستهدف المدنيين في قطاع غزة، والذي دفع الرياض
إلى إدانته والدعوة إلى وقف فوري لإطلاق النار.
لكن غاوس أشار إلى أن
السعودية لا تملك القدرة
ولا الرغبة في نشر قوات على الأرض في غزة ما بعد الحرب أو تمويل إعادة إعمار غزة
على نطاق واسع.
واقترح وزير الخارجية الأمريكي، أنتوني بلينكن،
أن الدول العربية يمكن أن تلعب دورا في إدارة غزة ما بعد الحرب. وقد بدأت بالفعل
المناقشات الدبلوماسية على هذا المنوال.
وتدعو المقترحات الأكثر طموحا السعودية إلى
المساهمة بأفراد عسكريين وإداريين لحكم غزة بعد الحرب.
ولا تزال المقترحات الأكثر تواضعا تسند
للسعوديين دور تمويل إعادة إعمار غزة، لكن الرياض لن تسمح بأن ينظر إليها على أنها
تعمل على تنظيف الفوضى الإسرائيلية في غزة.
ولا تتمتع قوات الأمن الداخلي السعودية بأي
خبرة في العمل خارج حدودها، وفق غاوس، الذي أشار إلى أن الأداء الضعيف للجيش
السعودي في اليمن لا يساهم في دعم فكرة نشره في أماكن أخرى. ولم تعمل القوات
السعودية قط كقوات حفظ سلام تحت راية الأمم المتحدة.
ومن الممكن أن تكون السعودية على استعداد للعب
دور مالي في الإدارة الانتقالية التي توافق عليها الأمم المتحدة والتي تؤدي إلى
عودة سيطرة السلطة الفلسطينية على غزة.
لكن هذا الدور لن يشبه صفقات المساعدات
السعودية السابقة، والتي كانت بمثابة إغراق نقدي على العملاء المفضلين.
وقد أوضحت الرياض في المفاوضات الأخيرة مع مصر
التي تعاني من ضائقة مالية أنها تفضل فرص الاستثمار، وليس التحويلات النقدية.
وسيكون نهج السعودية تجاه غزة مماثلا، كما يرى
غاوس، ما لم تكن الولايات المتحدة مستعدة لتلطيف الصفقة بنوع المكاسب الدبلوماسية
غير المتوقعة التي كانت الرياض تسعى للحصول عليها من واشنطن مقابل التقارب مع
إسرائيل.
ولا يمكن تحقيق أهداف محمد بن سلمان الاقتصادية
الطموحة للمملكة إلا في شرق أوسط مستقر وفي ظل علاقات قوية مع الولايات المتحدة.
وستشكل هذه الأجندة طويلة المدى مسار عمله في الصراع الحالي، وفق غاوس.
قبل هجوم حماس المفاجئ على إسرائيل، خطت إدارة
بايدن خطوات ملحوظة في جهودها للتوسط في الاعتراف السعودي بإسرائيل.
وكانت هناك عقبات كبيرة في طريق التوصل إلى
اتفاق، وهي المصالح المتباينة للأطراف الثلاثة. وكان السعوديون يطالبون بتحركات
إسرائيلية ملموسة لتحسين الآفاق السياسية للسلطة الفلسطينية، على الأقل فتح
إمكانية إجراء مفاوضات نحو حل الدولتين.
لكن هذا الأمر واجه صعوبات نظرا للتكوين اليميني
المتطرف للحكومة الإسرائيلية الحالية، حيث أن مثل هذه الخطوات لم تكن قابلة
للتنفيذ، وفق غاوس.
وكانت مطالب الرياض من الولايات المتحدة أيضا
بعيدة المنال، بما في ذلك ضمان أمني رسمي والمساعدة في بناء بنية تحتية نووية
مدنية سعودية من دون الضمانات التي طلبتها واشنطن من الشركاء السابقين.
ورغم أن تصريحات ابن سلمان أكدت قرب اتفاق
التطبيع، قبل عملية طوفان الأقصى، لكن القضية الفلسطينية كانت ستشكل دائما عائقا،
وفق غاوس، الذي يعتقد أنه على الرغم من أن المحرمات في دول الخليج ضد العلاقات مع
إسرائيل قد تراجعت في السنوات الأخيرة، إلا أن الجماهير العربية لا تزال تهتم
بالقضية الفلسطينية.
ولهذا السبب، وقبل حرب غزة، كانت الرياض قد أصرت
على أنه سيتعين على إسرائيل أن تفعل شيئا جوهريا بشأن القضية الفلسطينية كشرط
أساسي للتطبيع معها.
وفي آب/أغسطس، عينت السعودية أول سفير لها لدى
الفلسطينيين، وهي خطوة فسرها مراقبون على أنها دليل على التزام الرياض بالضغط من
أجل الحصول على ضمانات إسرائيلية نيابة عن الفلسطينيين.
ولتحقيق التقارب مع الرياض، ستحتاج إسرائيل إلى
بذل مزيد من الجهد مما فعلته في الفترة التي سبقت اتفاقيات التطبيع، وفق ما يرى
غاوس.
ويعتقد غاوس أنه طالما ظلت إسرائيل منشغلة بغزة،
وما دام الرأي العام العربي يتم حشده لدعم الفلسطينيين، فإن الصفقة الإسرائيلية
السعودية لن تكون ناجحة.
لكن غاوس يقول إن أزمة غزة ستنتهي، كما تنتهي
كل الأزمات. ومن المرجح أن يستغرق ذلك أشهرا وليس أسابيع، مما يؤدي إلى تعليق أي
جهود دبلوماسية أخرى في الشرق الأوسط.
وطالما ظلت القوات الإسرائيلية في غزة، فإن فرص
استعادة الزخم في الحوار الإسرائيلي السعودي غير المباشر الذي تتوسط فيه إدارة
بايدن ضئيلة أو معدومة.
لكن العوامل التي دفعت تلك المفاوضات لم تتغير.
ترغب إسرائيل بشدة في إقامة علاقة أوثق مع السعودية. ويرغب السعوديون في أن يكونوا
قادرين على الاستفادة من الاقتصاد الديناميكي لإسرائيل، كما فعلت الإمارات منذ
توقيع اتفاقيات التطبيع.
ولا تزال كل من إسرائيل والسعودية تنظر إلى
إيران باعتبارها تهديدا إقليميا، وتوفر ثقلا استراتيجيا للسعي إلى إقامة علاقات
اقتصادية أوثق.
وفي الوقت الحالي، يعتقد غاوس أن واشنطن يمكنها
أن تؤجل مثل هذه المخاوف، فطالما استمر الصراع في غزة، فإن الصفقة الإسرائيلية
السعودية ستظل على الجليد.