صحافة دولية

لوموند: حماس نجحت في أكثر الأعمال الحربية ضد "إسرائيل" منذ عام 1948

الصحيفة تحدثت عن أخطاء استخبارية فادحة وقع فيها الاحتلال- جيتي
قالت صحيفة "لوموند" الفرنسية، إن حركة حماس أوقعت الاحتلال في فخ ثقته بالتكنولوجيا المتطورة، لمنع التسلل عبر الشريط الحدودي، وكسرت الوضع الراهن.

وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته"عربي21"، إنه يمكن لحماس الفلسطينية أن "تفتخر بأنها قادت، يوم السبت السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، أكثر الأعمال الحربية ضد وفي إسرائيل منذ نشأتها في سنة 1948، وربما بنجاح يتجاوز توقعاتها".

وأبرزت الصحيفة أنه في غضون بضع ساعات، يوم السبت، حققت حماس جميع أهدافها التكتيكية، وتمكنت من تجاوز "الحاجز الأمني" الذي يحيط بغزة في تسع وعشرين نقطة. وتردد صدى هذه الانتصارات بشكل كبير بين سكان غزة، الخاضعين للحصار الذي تفرضه إسرائيل منذ عام 2007، بمساعدة مصر. وقد أدت حركة حماس إلى إيقاع إسرائيل في فخ ثقتها المفرطة بفضل هذه العملية المتطورة تكنولوجيًّا، خاصة بعد منع معظم التسللات بعد نزاع سنة 2014، حتى عبر الأنفاق.

وأوردت الصحيفة أن حماس تمكنت من إخفاء استعداداتها، التي كانت بالضرورة طويلة ومعقدة، عن الاستخبارات الإسرائيلية، التي تعدّ قوية في هذه المنطقة الصغيرة الممتدة على طول 50 كيلومترًا؛ حيث يعيش حوالي مليوني نسمة. لكن رجالها تدربوا أيضا على مثل هذه العمليات في ضوء النهار، خلال الأشهر الأخيرة وعلى مدى سنوات، دون أن تأخذ إسرائيل بجدية كافية العزم الذي تظهره حماس على تنفيذها، في هذا الصدد، اعترف ضابط إسرائيلي سابق، يوم الأحد، "بالشجاعة الإستراتيجية" لقادة الحركة.

وبينت الصحيفة أن الرهائن الإسرائيليين، الذين حاولت القوات الخاصة لحماس أخذهم إلى غزة من الساعة الأولى، قد يستخدمهم قادة حماس كدروع بشرية ضد الهجمات الإسرائيلية. وتطمح المنظمة إلى التفاوض على إطلاق سراحهم مقابل إطلاق سراح كبير للسجناء الفلسطينيين في إسرائيل، كما أن احتجازهم سيجعل من الصعب على الجيش الإسرائيلي الرد، في حين يجر حماس إسرائيل إلى احتمالية التدخل البري، الذي سيكون مدمرًا للحركة ولغزة، ولكن في نهاية الأمر، يعلم الجيش الإسرائيلي من خلال تجربته أنه سيكون من الصعب جدا الإعلان عن نصر واضح ودائم.

ومن خلال تشتيت وتغطية عمليتهما، أظهرت حماس وحليفها، حركة الجهاد الإسلامي، قوة ترسانتهما من الصواريخ والقذائف: فقد تم إطلاق أكثر من 3000 صاروخ في الجنوب وفي أماكن بعيدة مثل تل أبيب والقدس.

والجدير بالذكر أنه في أيار/ مايو 2021، أطلق النشطاء النار على ما مجموعه 4500 صاروخ في أحد عشر يومًا. وحتى يوم الأحد، شكرت حماس إيران على دعمها، خاصة على عمليات نقل التكنولوجيا التي سمحت لها ببناء هذه الترسانة على مدى عقود.


وفي المساء، زعمت صحيفة "وول ستريت جورنال" أيضًا، نقلًا عن مصادر من حماس وحزب الله اللبناني وأوروبا، أن طهران كانت ستشارك بشكل مباشر أكثر في التخطيط لهذه العملية، وأعطتها الضوء الأخضر، وإذا ثبت هذا الدور الملموس والمباشر، فإنه سيحفز إسرائيل على توسيع رد فعلها.

وأشارت الصحيفة إلى ما حدث خلال الحرب الأخيرة في أيار/ مايو 2021، فقد أكد رئيس الجناح المسلح للحركة في القطاع، محمد الضيف، أن العملية كانت تهدف إلى الدفاع رمزيًّا عن ساحة الأقصى في القدس. وكانت حركة حماس تتعرض لضغوط جديدة من قاعدتها منذ عدة أيام، بينما كان اليهود يذهبون للصلاة هناك، تحت حماية قوات الاحتلال، خلال الأعياد الدينية، عيد العرش، وهو انتهاك مألوف للوضع الراهن الذي يحكم الأماكن المقدسة.

علاوة على ذلك، كانت حماس أيضًا مضطرة للرد على أعمال العنف التي يرتكبها الجيش والمستوطنون في الضفة الغربية المحتلة؛ حيث يقود اليمين المتطرف الإسرائيلي، داخل حكومة بنيامين نتنياهو، سياسة الضم المعلنة. كما ينظر هؤلاء المتطرفون بشكل مفتوح إلى إمكانية التطهير العرقي لجزء من الأراضي المحتلة، ويسعون لتدمير السلطة برئاسة محمود عباس.

وقالت الصحيفة إن فشل الاستخبارات الإسرائيلية في التنبؤ بالهجوم الذي وقع يوم السبت -على ما يبدو- يترافق مع خطأ في التحليل: للمرة الثانية منذ أيار/ مايو 2021، لم تتمكن إسرائيل من التنبؤ بأن حماس سترفض الانحصار في دورها كمدير للسجن المكشوف الذي هو غزة؛ فقد أعرب رئيسها في القطاع، يحيى السنوار، في مناسبات عديدة على مدى الخمس سنوات الماضية، عن طموحه للوصول إلى نوع من الهدنة طويلة الأمد مع إسرائيل، من أجل تخفيف معاناة المليونين من سكان غزة الذي يتحمل مسؤوليتهم، وتحقيق الاستقرار في دولة صغيرة تحت سلطته، ولكن الجين الوراثي لحركتها لا يزال ثابتا.

وأبرزت الصحيفة أن حماس تثبت أنها لم تتخل عن ممارسة السياسة بالسلاح أو خوض مجازفات هائلة، وأنها لا تكتفي "بالسلام الاقتصادي" النسبي الذي عرضته عليها إسرائيل.

ومنذ سنة 2021، اعتبرت حكومات نفتالي بينيت ويائير لابيد وبنيامين نتنياهو الإسرائيلية أنها نجحت في تقليل اندلاع أعمال العنف على حدود القطاع، من خلال توزيع أكثر من 17000 تصريح عمل في إسرائيل على سكان غزة. لقد اعتمدوا على 30 مليون دولار التي تقدمها قطر شهريا إلى غزة لشراء شكل من أشكال السلام الاجتماعي: تزويد محطة توليد الكهرباء بالوقود، ودفع رواتب حماس وموظفي الخدمة المدنية.

وفي الأسابيع الأخيرة، كان استئناف المظاهرات التي تسيطر عليها حماس على حدود القطاع، بعد ما يقرب من سنتين من التوقف، بمثابة إشارة إلى وجود تصدعات في هذا النظام. لكن هذه المظاهرات، العنيفة جزئيا، وقمعها، كانت لا تزال جزءا من حوار راسخ بين الطرفين.

وفي إسرائيل، تثار تساؤلات: هل حماس هي من أثارت هذه التوترات الضعيفة وأدت إلى انحسارها، من أجل إقناع إسرائيل بأن الهدوء قد عاد فعلا، قبل أن تشن الهجوم؟ الحقيقة هي أنه لا يمكن لحماس أن تتصور عودة إلى الوضع الطبيعي الذي استمر لعقد من الزمن.

ومن جهته، دعا رئيس المكتب السياسي لحركة حماس في الضفة الغربية، صالح العاروري، جميع الفلسطينيين لدعم غزة، كما يأمل أن يظهر حلفاؤه العرب، بقيادة حزب الله اللبناني، تضامنهم من خلال الأفعال.

وأكدت الصحيفة أن حماس تقوم بهذه الخطوة المسلحة في الوقت الذي تتفاوض فيه السعودية مع واشنطن، من أجل تطبيع علاقاتها مع إسرائيل، بعد الإمارات والمغرب والبحرين في سنة 2020، ويحاول الرئيس عباس العثور على مكان له في هذه العملية، والحصول على تنازلات.

واختتمت الصحيفة التقرير بالقول إن حماس تضع قنبلة على هذه الطاولة، وتضع كل اللاعبين في مواجهتها، وبالتالي مع الفلسطينيين. كما تمثل هذه العملية نقطة مهمة في المعركة المستمرة بالفعل في رام الله، من أجل خلافة السيد عباس، البالغ من العمر 87 سنة، الذي يعدّ أكبر زعيم سنا في الشرق الأوسط.