يواجه الأردن وضعا صعبا ومعقدا في التعامل
مع النظام السوري حيال ملف المخدرات الذي كان السبب الرئيسي في الانعطافة الأردنية
تجاه دمشق خلال العامين السابقين.
وما يفاقم من صعوبة الخيارات الأردنية
الإمكانيات المحدودة للدولة في أخذ زمام المبادرة وإنهاء الملف بالقوة العسكرية من
جهة، ومناخ إقليمي متراخ تجاه التعاطي بقسوة ضد النظام السوري.
من الحياد الإيجابي إلى الانفتاح الإيجابي
على مدار سنوات الصراع العسكري في
سوريا
2012 ـ 2018، نأى الأردن بنفسه عن الانجرار في المستنقع السوري، لكنه بالمقابل
تبنى سياسة بدت إيجابية للمعارضة والنظام السوري على السواء: من جهة، وقف الأردن
مع مطالب المعارضة السياسية وجعل من عمان مقرا لمجموعة "الموك" التي
أشرفت ودعمت فصائل المعارضة في الجنوب السوري، ومن جهة ثانية رفض الأردن أن تتحول
فصائل المعارضة في الجنوب إلى كتلة عسكرية هجومية ضد النظام السوري من شأنها أن
تحدث فرقا استراتيجيا، في وقت واصل الأردن على استمرار عمل القنوات الاستخباراتية
بينه وبين دمشق.
استمر هذا الوضع حتى عام 2018، حين انتهت
مهمة "الموك" وسيطر النظام السوري على كامل الجنوب.
على إثر هذا التحول العسكري، بدأ الأردن
يدرك أن المناخ الدولي ليس في صالح المعارضة على المستوى العسكري وليس في صالح
النظام على المستوى السياسي، وأدرك أيضا أن المرحلة المقبلة التي تتسم بالستاتيكو
تتطلب سياسة أحادية الجانب تبعا لمصالح كل دولة مع المحافظة على الخط الدولي العام
بعدم الانفتاح على النظام السوري، ذلك الانفتاح الذي يعطي الشرعية ويقوي النظام
سياسيا واقتصاديا.
ومع استخدام النظام لورقة المخدرات وتصديره
إلى دول الجوار، لا سيما الأردن والسعودية، أخد الملك الأردني يتبنى رؤية مفادها
أن الانفتاح العربي على النظام السوري من شأنه أن ينهي ملف المخدرات ويتجاوزه إلى
مسألة دفع دمشق إلى تقديم تنازلات في الملف السياسي وإعادة ترتيب العلاقة بين دمشق
وطهران.
تلاقت المصالح الأردنية مع مصالح النظام
السوري، كل لأسبابه: بالنسبة للأردن، المسألة الملحة هي اقتصادية، حيث خسر الكثير
من أغلاق الحدود مع سورية، كونه بوابة عبور للبضائع من تركيا ولبنان وسورية نحو
الخليج، كما أن إعادة
العلاقات بين البلدين قد تساعد في تخفيف عبء اللجوء على
الأردن.
أما بالنسبة للنظام السوري، فالمسألة عنده
سياسية في المقام الأول، فما يهمه هو عودته إلى الحاضنة العربية لشرعنة بقاءه في
الحكم، ولا مانع من فوائد اقتصادية أخرى، طالما أن
الاردن يختزل المستويين السياسي
والاقتصادي معا بحكم الجوار الجغرافي.
نهاية سياسة الانفتاح الإيجابي
مع عملية الانفتاح العربي تجاه دمشق، بدا أن
مرحلة جديدة للتعاطي العربي مع الملف السوري قد بدأت، غير أن خطاب الأسد في القمة
العربية بجدة، واستمرار النظام السوري في تهريب المخدرات، ورفضه إعادة ترتيب
العلاقة مع إيران، ورفضه تقديم تنازلات سياسية، أعادت الأمور إلى المربع الأول،
وكشفت وجود تباينات بين الأردن وبعض الدول العربية كالسعودية والإمارات في كيفية
التعاطي مع دمشق التي تراجعت عن تنفيذ الالتزامات المطلوبة منها بموجب المبادرة
الأردنية (خطوة مقابل خطوة).
مع تطورات الأوضاع في السويداء والخشية من نشوء مواجهة عسكرية مع النظام تؤدي إلى تدفق لاجئين جدد إلى الأردن، بدأ الأخير التفكير جديا بالخروج من سياسة الانفتاح الإيجابي السابقة، كونها كشفت أنها ساهمت في تقوية موقف النظام السوري بدلا من أن تثنيه.
هنا، بدأت التصريحات الأردنية تأخذ مسارا
مختلفا: الملك الأردني حذر من إمكانية تطور قواعد الاشتباك إلى مواجهة شاملة
بالقول "سنحمي بلدنا من أي تهديدات مستقبلية تمس أمننا الوطني جراء الأزمة
السورية"، فيما قال وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي "لمواجهة تهريب
المخدرات، من الضروري أن ننهي هذه الأزمة، لأننا عانينا الكثير من عواقبها.. لا
يمكننا التعايش مع الوضع الراهن بعد الآن، علينا أن نفعل شيئا، وسنعمل مع الجامعة
العربية، ولكننا سنعمل أيضا من خلال تدابيرنا وقنواتنا الخاصة لمواجهة أي تهديد
للأمن الأردني".
ومع تطورات الأوضاع في السويداء والخشية من
نشوء مواجهة عسكرية مع النظام تؤدي إلى تدفق لاجئين جدد إلى الأردن، بدأ الأخير
التفكير جديا بالخروج من سياسة الانفتاح الإيجابي السابقة، كونها كشفت أنها ساهمت
في تقوية موقف النظام السوري بدلا من أن تثنيه.
الخيارات المتاحة
أمام الأردن أربعة خيارات لمواجهة عمليات
تهريب المخدرات واحتمال انفجار الوضع في الجنوب السوري:
الأول، استمرار الوضع على ما هو عليه
واكتفاء الأردن بإحباط عمليات تهريب المخدرات فقط دون تطور الأوضاع إلى ما هو أبعد
من ذلك.
الثاني، توافق أردني ـ خليجي ـ عربي على
إيقاف أو إبطاء عملية الانفتاح على دمشق لإجبارها على الالتزام بسياسة الخطوة
خطوة، غير أن هذا الخيار أثبت فشله، وإذا ما لجأت الأردن إليه فإنه يشير إلى حالة
العجز العربي في التعاطي مع الملف السوري.
الثالث، القيام بعمليات عسكرية محددة، هدفها
القضاء على مراكز عمليات التهريب في الجنوب والقضاء على الأنفاق وسلاسل التوريد،
من دون أن يؤدي ذلك إلى مواجهة عسكرية مع النظام السوري.
الرابع، العمل على إقامة منطقة عازلة على
الحدود الأردنية تكون بمثابة غربال جغرافي لكل ما يأتي من سورية تجاه الأردن، فضلا
عن أن مثل هذه المنطقة قد تحول دون انزلاق الأمور إلى مواجهة عسكرية بين النظام
وسكان الجنوب المستائين من تدهور الأوضاع الاقتصادية.
لكن مثل هذه المنطقة تتطلب دعما دوليا قويا،
خصوصا من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، كما تتطلب مثل هذه المنطقة ترتيب منظومة
عسكرية متطورة ودعما ماليا كبيرا، ولا تبدو الأوضاع الإقليمية والدولية الحالية
تسمح بذلك في المدى المنظور.
تشير المعطيات القائمة إلى أن الأردن سيعتمد
الخيارات الثلاثة الأولى معا، وهو ما يستشف من تصريح وزير الإعلام الأسبق سميح
المعايطة "الخيارات المطروحة أمام الأردن تقوم على استمرار السعي السياسي مع
كل الأطراف المعنية، والأهم ما يقوم به الأردن من خلال قواته المسلحة وأجهزته
الأمنية في حماية حدوده من محاولات التهريب".