أثار استثناء الكونغرس تخصيص
مساعدات
لأوكرانيا، بمشروع قانون التمويل المؤقت للحكومة الأمريكية، تساؤلات حول تداعيات
هذه الخطوة، التي أثارت انتقادات من قبل الإدارة الأمريكية، والديمقراطيين، وجزء
من الجمهوريين. وسط مخاوف في كييف.
وكان الديمقراطيون وعدد من الجمهوريين في مجلس
الشيوخ أصروا على تضمين الدعم المالي لأوكرانيا ضمن تشريع التمويل الجديد للحكومة
الفيدرالية، لكن ذلك المسعى أحبط جراء اعتراض كتلة من الجمهوريين في مجلس النواب،
ما اضطر المشرعين إلى التخلي عن الدعم الأوكراني لتمرير الاتفاق بشأن الإنفاق، لتجنب إغلاق حكومي محتمل من شأنه أن يشل عمل المؤسسات الحكومية.
ومنذ الإعلان عن الهجوم الروسي على
أوكرانيا، في شباط/ فبراير 2022، وجهت إدارة جو بايدن، والكونغرس، أكثر من 75 مليار
دولار من المساعدات لأوكرانيا، شملت الإغاثة الإنسانية، ودعما ماليا، إضافة إلى
الدعم العسكري والأمني، بحسب معهد "
كيل" للاقتصاد العالمي.
وذهب معظم الدعم الأمريكي إلى الجيش
الأوكراني، والتجهيزات العسكرية والتسليح، إضافة إلى رعاية اللاجئين، والجهات
الأمنية والقضائية، إضافة إلى الإعلاميين والمذيعين المستقلين في أوكرانيا.
ووفقا
لوزارة الدفاع الأمريكية، في أحدث
إحصائياتها حول الدعم المقدم لأوكرانيا، فإن الولايات المتحدة، خصصت 32.4 مليار
دولار منذ عام 2014 لصالح أوكرانيا، لكن منذ بدء الغزو الروسي، خصصت 29.8 مليار
دولار كمساعدات عسكرية.
تداعيات كارثية
استثناء بند المساعدات لأوكرانيا من مشروع
القانون المؤقت الأمريكي لم تقتصر المخاوف فيه على الأوكرانيين والدول المجاورة
لروسيا، ممن وقفت ضدها منذ بدء الغزو، بل إن العديد من وسائل الإعلام الأمريكية هاجمت الفريق الجمهوري، الذي أصر على استبعاد المساعدات.
وقالت مجلة
التايم الأمريكية، إن اعتماد أعضاء
الكونغرس على نتائج الاستطلاعات، التي تزعم أن 55 بالمئة من الناخبين الأمريكيين لا يعتقدون بأن عليهم إرسال تمويل إضافي لأوكرانيا، في تراجع عن نسبة 62 بالمئة من
المستطلعين العام، الماضي، أمر له نتائج كارثية.
ولفتت إلى أن التراجع عن دعم أوكرانيا آثاره تصب
مباشرة في مصلحة الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، الذي سيعتبر أنه استنزف الحلفاء.
وأشارت التايم إلى أن الناخب الأمريكي غاب عنه
أن المساعدات الأمريكية، منذ الغزو الروسي، تعادل نحو 5 بالمئة من ميزانية الدفاع
الأمريكية، وهو أقل بواحد بالمئة من إجمالي الإنفاق الحكومي، مشيرة إلى أن ما يرسل
من المخزونات الأمريكية من الدبابات، على سبيل المثال، لا يكلف أموالا طائلة، مقابل
ما تقدمه بعض الدولة الأوروبية أكثر من الولايات المتحدة.
ولفتت إلى أن الولايات المتحدة حققت دمارا
فعليا لـ"50 بالمئة" من القوة العسكرية الروسية، على يد الأوكرانيين
المقاتلين على الأرض، بسلاحها، دون أن تضطر إلى إرسال جندي أمريكي واحد للقتال على
الأرض في أوكرانيا.
إضافة إلى ذلك، حقق دعم الأوكرانيين، عسكريا واقتصاديا، إلى نزوح أكثر من ألف شركة من القطاع الخاص، وخنق الاقتصاد الروسي، ما
اضطر الرئيس الروسي إلى تفكيك اقتصاده الإنتاجي، بسبب تكاليف الحرب والعقوبات،
وفي حال حرمان الأوكرانيين من الدعم، فإن قدرات بوتين ستعود لمواصلة التهام
المنطقة.
وتابعت: "استرضاء الجمهوريين، عبر استبعاد
بند الدعم لأوكرانيا، يعني السماح لبوتين بأجندته التوسعية، ليس في أوكرانيا فحسب،
بل باتجاه بولندا ومولودفا وفنلندا والسويد وغيرها من الدول.
وشددت على أن الخيار الأبسط هو إنفاق أقل من 1
بالمئة من ميزانية الحكومة الأمريكية لصالح أوكرانيا اليوم، بدلا من إنفاق المزيد
مستقبلا، في حال نجاح بوتين، وتفعيل حلف شمال الأطلسي، بل ونشر قوات الأمريكية على
الأرض في مناطق مختلفة.
أفغانستان وأوكرانيا
من جانبها، أجرت صحيفة
واشنطن بوست مقارنة بين
مسألة الدعم لأوكرانيا، والحرب على أفغانستان، وما حققته الولايات المتحدة في
الأولى وخسرته في الثانية.
وأوضحت أن واشنطن رغم تقديمها أكثر من 76 مليار
دولار، من إجمالي المساعدات، بما فيها 46.6 مليار دولار للجانب العسكري لأوكرانيا، فإن هذا يعد جزءا صغيرا من إجمالي الإنفاق الفيدرالي خلال العامين
الماضيين، الذي يبلغ 118.8 تريليون دولار، ونجحت المساعدة الضئيلة -بحسب الصحيفة- في
وقف الهجوم الروسي منذ بدايته.
وأشارت
إلى أن المساعدات أدت إلى خسارة
روسيا 120 ألف جندي، وإصابة ما يصل إلى 180 ألفا
آخرين، وفقدان 2329 دبابة و2817 مركبة قتال للمشاة، و2868 شاحنة وسيارة جيب
عسكرية، و354 ناقلة جنود مدرعة، و538 مركبة مدفعية ذاتية الدفع، و310 قطع مدفعية
مقطوعة، و92 طائرة ثابتة الجناحين، و106 طائرات هليكوبتر.
وشددت
على أن القوات المسلحة الروسية تعرضت لدمار كبير، أدى إلى تقليل المخاطر التي
تهدد دول خط المواجهة في الناتو، مثل بولندا وجمهوريات بحر البلطيق، التي تلتزم
الولايات المتحدة بحمايتها، وهذا كله أنجز دون تعريض حياة الجنود الأمريكيين للخطر على
الخطوط الأمامية.
في المقابل، قالت الصحيفة إن
واشنطن خسرت ما يقارب من 7 آلاف جندي، وأصيب لها أكثر من 50 ألفا آخرين، وأنفقت 8
تريليونات دولار في أفغانستان، لتراها في النهاية تسقط في يد طالبان، وكذلك في
العراق بقبضة النفوذ الإيراني.
وهاجمت الصحيفة الإدارات الجمهورية السابقة، التي شنت حروبا حول
العالم، والتي تسربت فيها الأسلحة الأمريكية لجماعات ومليشيات، وقالت إن ما يجري
في أوكرانيا يختلف عما جرى في أفغانستان، حين وصلت الأسلحة الأمريكية إلى
أيدي شبكة حقاني.
ووصفت قطع الدعم عن أوكرانيا بـ"الخيانة التي لا توصف، ليس
للأوكرانيين فحسب، بل لأوروبا بأكملها، وإدارة الظهر لالتزام أمني تجاه القارة
تعهدت به منذ العام 1945".
مخاوف تتجاوز أوكرانيا
صحيفة
واشنطن بوست، قالت إن دعم أوكرانيا يشكل العمود الفقري لأمن
العديد من جيرانها، وإيقافه الآن يعني أن بوتين سيهيمن على المنطقة، ويشكل سابقة
رهيبة في العالم.
وأشارت إلى أن تلك كانت رسالة وزير خارجية مولودوفا، نيكو بوبيسكو،
الذي قال إن ما يحدث في أوكرانيا لا يبقى في أوكرانيا، لكنها اليوم تواجه مشكلة
مع إقليم ترانسنيستريا الانفصالي، حيث يتمركز نحو 1500 جندي روسي.
ولفت إلى أن بوتين لجأ إلى وسائل غير عسكرية للسيطرة على مولدوفا،
عبر تقويض الحكومة الحالية القريبة من الغرب، بتحويلات مالية سياسية، وابتزازها
بملف الطاقة، ومحاولة دعم انقلاب على السلطة، ونشر المعلومات المضللة، وشن هجمات
إلكترونية مكثفة، وتدريب أشخاص بأعداد كبيرة لمهاجمة مراكز الشرطة والحكومة.
وقال الوزير إن مولدوفا لا تريد من الرعاة الأمريكيين إرسال دعم مالي
لها، بعد أن تلقت مساعدات بقيمة 300 مليون دولار، من دعم أرسل إلى أوكرانيا،
لكنهم يدعون الولايات المتحدة لعدم خفض مساعدات أوكرانيا، لأن النتيجة ستنعكس على
الجميع، بتوسع بوتين.
من وراء قطع الدعم؟
رأت
صحيفة
ديلي بيست، أن الحزب الجمهوري ينقسم إلى 3 فصائل رئيسية، أحدها يقف بشراسة
وراء وقف الدعم بشأن الملف الأوكراني:
الفصيل
الأول، من قام بدعم المساعدات الأمريكية بصورة مستمرة، وهم الأكثر تأثيرا على أرض
الواقع، ومن بين أبرز أعضائه زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ ميتش ماكونيل، بالإضافة
إلى رؤساء لجان مجلس النواب، ومجلس الشيوخ المختصين بالعلاقات العسكرية والخارجية
في المجلس.
وقالت
إن هذا الفصيل يدرك انقلاب ناخبي الحزب الجمهوري ضد المساعدات، لكنهم حذرون في
التعاطي مع فكرة أمريكا أولا.
أما
الفصيل الثاني، ويضم الأصوات المرتفعة، والتي عارضت بصورة مستمرة الدعم الأمريكي
لأوكرانيا، ورغم أنهم الأصغر، لكنهم الأكثر عدوانية، وهو يضم شعبويين يمينيين
متطرفين، مثل النائبة مارجوري تايلور غرين، وراند بول، وهم من هددوا بإغلاق
الحكومة إذا تضمنت حزم مساعدات لأوكرانيا.
ويضم
هذا الفصيل موالين لدونالد ترامب، حيث يتمتع الرئيس السابق وحفنة صغيرة من
الشخصيات اليمينية بسلطة هائلة لتحديد أجندة قاعدة الحزب، ويمتلك سلطة هائلة
لتشكيل تصرفات المشرعين، الحريصين على استخدام تكتيكات لا هوادة فيها لتحقيق
أهدافهم.
وهؤلاء
ينطلقون في معارضتهم الدعم من استطلاعات الرأي، التي تشير إلى وجود أغلبية من
ناخبيهم تعارض إخراج أموال دافعي الضرائب إلى أوكرانيا، من أجل الحصول على أصوات
تلك الشريحة من الأمريكيين.
أما الفصيل
الثالث، فهم الجمهوريون الذين دعموا منذ البداية المساعدات لأوكرانيا، لكنهم في
وقت لاحق انقلبوا على تلك الفكرة.