نشرت مجلة
"
فورين أفيرز" مقالا للمدير التنفيذي لمؤسسة السلام الدولية، أليكس دي
وال، قال فيه إن الفظائع الجماعية التي ارتكبت في
دارفور في عام 2003 صدمت العالم،
لكنها ترتكب اليوم مرة أخرى على نطاق مماثل.
وأضاف وال أن خلفاء الجنجويد هم قوات
الدعم السريع، وقائدها الفريق أول محمد حمدان دقلو
المعروف بحميدتي.
يتهم وال
قوات الدعم السريع بممارسة القتل والاغتصاب والنهب في دارفور. ولا تزال الاستجابة
الدولية للحرب بطيئة أكثر حتى من المرة السابقة.
كان
حميدتي قائدا صغيرا للجنجويد قبل عشرين عاما، عندما تعاملت حكومة البشير مع دارفور
دون ضوابط، حيث كان الإفلات من العقاب هو القاعدة الوحيدة. بعد المذابح، جاءت
الفوضى، ثم حكم أسياد الجنجويد الجدد دارفور.
تتمتع
قوات الدعم السريع التابعة لحميدتي بقدرة قتالية تعادل تلك التي تتمتع بها القوات
المسلحة
السودانية الرسمية، التي يرأسها الفريق أول عبد الفتاح البرهان. أطاح
الجنرالان بالبشير في نيسان/ أبريل 2019، ثم عاشا بعد ذلك في شراكة غير مستقرة مع
حكومة مدنية. وفي تشرين الأول/ أكتوبر 2021، انقلبا عليها. ثم انهارت العلاقات،
ومنذ نيسان/ أبريل، تقاتل قوات الدعم السريع الجيش السوداني من أجل السلطة في
شوارع الخرطوم.
وركزت
مبادرات السلام التي اقترحها جيران السودان والولايات المتحدة على إنهاء القتال في
العاصمة، وتجاهلوا الوضع في دارفور، حيث استأنفت قوات الدعم السريع وحلفاؤها
المحليون حملة التطهير العرقي غير المكتملة.
أرض مضطربة
كان
لأعمال العنف التي بدأت في دارفور عام 2003 ثلاثة أسباب:
السبب
الأول كان جغرافية دارفور: وهي منطقة شاسعة وفقيرة، سُميت باسم السلطنة التاريخية
لشعب الفور الذين يشكلون ربع السكان. هناك أيضا عشرات المجموعات الأصلية الأخرى
التي تعتبر دارفور موطنا لها، وأكبرها هي المساليت والزغاوة. وتعد دارفور موطنا
للقبائل العربية أيضا، والتي تتألف في الأساس من الرعاة في الشمال الأكثر جفافا
والسافانا في الجنوب، والتي هاجر أسلافها إلى المنطقة منذ قرون. وهم يشكلون
مجتمعين 40% من السكان.
السبب
الثاني: مع إهمال الحكومات السودانية المتعاقبة للمنطقة وتعرضها للجفاف، بدأ
النسيج الاجتماعي في دارفور بالتمزق في الثمانينيات. نما عدد السكان بسرعة بسبب
ارتفاع معدل المواليد وهجرة البدو العرب الصحراويين إلى دارفور بحثا عن الأرض.
وبدأ التعايش الهش بين المزارعين والرعاة في الانهيار. وكانت الصراعات العرقية قد
وضعت قبائل الفور والمساليت والزغاوة ضد القبائل العربية. وتصاعد العنف، وبلغ
ذروته بين 2003-2005، حيث أودى بحياة أكثر من 300 ألف شخص.
السبب الثالث:
كان امتداد الحرب الأهلية التشادية التي دامت عقودا من الزمن، والتي بدأت في عام
1966، واشتدت حدة عندما حاول الدكتاتور الليبي معمر القذافي ضم تشاد، وقام بتسليح
الساخطين من مختلف أنحاء الصحراء. وفي معسكرات التدريب الليبية، تجمع البدو الذين
أطلقوا على أنفسهم اسم "التجمع العربي" حول خطة شريرة للاستيلاء على
دارفور، وطرد السكان غير العرب، وإقامة وطن عربي بدوي.
وهو ما
دفع السكان المحليين إلى حمل السلاح. وفي عام 2003، تعاونت حركة تحرير السودان
وحركة العدل والمساواة لشن هجمات مدمرة على الجيش السوداني. وكان رد فعل الجيش هو
حشد الجنجويد للرد، ونهب وتدمير أي مجتمعات يشتبه في دعمها للمتمردين. وبعد تحقيق
أجرته وزارة الخارجية الأمريكية، أعلن وزير الخارجية كولن باول أن الجنجويد
ارتكبوا إبادة جماعية.
عيون الغرب لا تراقب
لقد كانت
دارفور حالة نادرة لأزمة أفريقية أثارت استجابة دولية عاطفية. ومن خلال حركة
المناصرة العالمية، حقق النشطاء في دارفور أهدافهم الرئيسية. وفي عام 2007، تم
تكليف قوة لحفظ السلام من الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي في دارفور (يوناميد)
بحماية المدنيين. وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرة اعتقال بحق البشير بعشر
تهم، من بينها ثلاث تتعلق بالإبادة الجماعية.
ولكن
السلام لم يتحقق في دارفور. وتوصلت المحادثات - التي ترأسها في البداية الاتحاد
الأفريقي، ثم قطر مع فريق من خبراء الأمم المتحدة - إلى اتفاقات لم تحظ إلا بدعم
أقلية من المتمردين الذين يزداد تشرذمهم على نحو متزايد. وعرقلت الخرطوم خطة
للاتحاد الأفريقي لإجراء عملية شاملة للإصلاح السياسي.
وبدلا من
ذلك، تركت المسائل الكبيرة دون حل. وبقي النازحون في مخيماتهم الواسعة، التي أصبحت
بحكم الأمر الواقع مدنا، يغذيها برنامج الأغذية العالمي. حكمت القبائل العربية في
دارفور الأرض، وقامت بالإغارة دون عقاب، وتقاتلت فيما بينها ومع الميليشيات على
الحدود القبلية، والأهم من ذلك، على من سيتولى السيطرة على مناجم الذهب المربحة في
المنطقة. وبرز حميدتي باعتباره قائد الجنجويد الأكثر قدرة. وتوسعت شركة عائلته
التجارية، واستفاد من التهريب وحراسة الحدود. ترأس حميدتي تكتلا تجاريا عابرا
للحدود الوطنية للمرتزقة، وأصبح صاحب العمل الرئيسي لشباب دارفور.
وقام
البشير بإضفاء الطابع الرسمي على كتائب حميدتي باعتبارها قوات الدعم السريع
وأحضرها إلى الخرطوم كحرسه. لقد كان ذلك خطأ فادحا. في نيسان/ أبريل 2019، أطاح
الجنرالات بالبشير بعد مظاهرات شعبية ولكنهم أرادوا السلطة لأنفسهم. وبعد ستة
أسابيع، قامت قوات الدعم السريع بتفريق المتظاهرين بالقوة المميتة. ثم اتفق حميدتي
والبرهان بعد ذلك على المحادثات التي دعا إليها الاتحاد الأفريقي وإثيوبيا ونتج عن
ذلك حكومة عسكرية مدنية مضطربة. وبينما كان مجلس الوزراء يتصارع مع المشاكل
الاقتصادية في السودان والحاجة إلى إشراك المتمردين في دارفور في اتفاق سلام جديد،
قام حميدتي بتوحيد أعماله، وتوسيع قواته، وتعزيز شبكاته الدولية. أجّرت قوات الدعم
السريع خدماتها إلى السعودية والإمارات
للقتال في اليمن، ودخلت في شراكة مع شركة فاغنر شبه العسكرية.
ونصب
حميدتي نفسه كمتحدث باسم المناطق المحرومة في السودان ووسيط محادثات السلام مع
متمردي دارفور. وفي الوقت المناسب، وقع هؤلاء المتمردون على اتفاق سلام - سُمي
اتفاق جوبا - وعادوا إلى دارفور. وتضمنت الصفقة وعودا طموحة بالتنمية والإصلاح
ودمج المقاتلين في الجيش. وهددت عودة المقاتلين المتمردين السابقين السيطرة
العربية على دارفور وأثارت أعمال عنف محلية.
وكانت هذه
هي اللحظة التي كان ينبغي فيها لليوناميد أن تنفذ اتفاق جوبا وتحافظ على السلام
بين الجماعات المسلحة غير الموثوقة. وبدلا من ذلك، قامت الأمم المتحدة، تحت ضغط من
الجنرالات السودانيين لإنهاء عملياتها، بإغلاق مهمتها في حزيران/ يونيو 2021. وتم
تكليف قوة مشتركة من الجنود الحكوميين وقوات الدعم السريع والمتمردين السابقين
بحماية المدنيين.
مدن تتهاوى
وبموجب
اتفاق جوبا، أصبح المتمرد السابق، خميس أبو بكر، وهو من عرقية المساليت، حاكما
لولاية غرب دارفور. وكانت الميليشيا العربية المحلية غير سعيدة، ووقعت أعمال عنف
متفرقة بعد ذلك. لكن لم تأت أي بعثة تابعة للأمم المتحدة للتحقيق أو دق ناقوس
الخطر.. وفي اللحظة التي بدأ فيها القتال بين الجيش وقوات الدعم السريع في الخرطوم
يوم 15 نيسان/ أبريل من هذا العام، اندلعت أعمال عنف واسعة النطاق أيضا في غرب
دارفور. إن شرارة الصراع ليست واضحة، لكن الميليشيات العربية بدأت حملة قتل ضد
السكان المدنيين. اختبأ أفراد الجيش، الخائفون والذين يواجهون قوة أكبر، احتموا في
معسكراتهم.
ويصف
الناجون الذين فروا إلى تشاد القريبة، قوات الدعم السريع والمقاتلين العرب وهم
يتنقلون من منزل إلى منزل في العاصمة الإقليمية الجنينة، ويقتلون ويغتصبون
وينهبون، ويتركون جثث الرجال والفتيان تتحلل في الشوارع. وفي أيار/ مايو، هاجمت
القوات شبه العسكرية مستشفى المدينة ونهبت قصر السلطان. وفي حزيران/ يونيو، ندد
أبو بكر بالعنف ووصفه بأنه "إبادة جماعية". وفي اليوم التالي، تم
اختطافه وقتله على أيدي رجال مسلحين يرتدون زي قوات الدعم السريع.
ولا توجد
في دارفور هواتف محمولة أو إمكانية الوصول إلى الإنترنت، مما يجعلها ثقبا أسود للمعلومات. ولكن يبدو أن قوات الدعم السريع سيطرت أيضا على زالنجي، عاصمة وسط
دارفور وأكبر مدينة لجماعة الفور العرقية. وانتقل قائد الميليشيا إلى مكتب
المحافظ. بلدات دارفور تسقط واحدة تلو الأخرى في أيدي قوات الدعم السريع. فالقبائل
العربية التي ترعى الماشية في شرق دارفور، والتي حاولت البقاء على الحياد في الحرب
السابقة، تجد نفسها الآن بلا خيار سوى التحالف مع قوات الدعم السريع. إن
الأرستقراطيين الريفيين، الذين كانت سلطتهم تحدد السياسة القبلية ذات يوم، أصبحوا
الآن خاضعين لإملاءات قادة الميليشيات الشباب. وفي الشهر الماضي، أعلن تسعة من
كبار القادة دعمهم لقوات الدعم السريع.
وحتى
الآن، ظل أقوى المتمردين السابقين، بمن فيهم ميني ميناوي من حركة تحرير السودان،
خارج القتال. وهم يخشون قوات الدعم السريع، لكنهم لا يثقون في نوايا الجيش أو
قدرته، واتهموا حكومة البرهان بإهمال الاحتياجات الإنسانية العاجلة في دارفور.
وانضم آخرون إلى الجيش المحاصر للدفاع عن المدن الرئيسية. وهناك حاجة بشكل عاجل
إلى دعم دولي لإنشاء مناطق آمنة في المدن ومخيمات النازحين.
كما
اجتاحت قوات الدعم السريع منطقة شمال كردفان المجاورة. ولم يتم إحباط استيلائها
على مدينة الأبيض الرئيسية إلا بسبب المظاهرات الحاشدة التي قام بها سكانها.
وتتحرك قوات الدعم السريع شبه العسكرية شرقا لتعزيز قتالها من أجل الخرطوم، بينما
تنطلق الشاحنات المحملة بالبضائع المنهوبة من العاصمة في الاتجاه المعاكس.
لا مخرج
إن أزمات
دارفور هي التي تقود الآن مستقبل السودان. وحتى لو أعادت القوات المسلحة السودانية
تنظيم صفوفها، وتمكنت، بمساعدة عسكرية من حلفائها في مصر وتركيا، من طرد قوات
الدعم السريع من الخرطوم، فإن الحكومة ليس لديها حل للمشاكل التي تجتاح دارفور.
كما أن
حميدتي لا يملك الحل. ووجهت قوات الدعم السريع ضربات قوية في وقت مبكر من معركة
الخرطوم وحافظت على مكانتها في مواجهة هجوم مضاد كثيف. لكن مهما كان الدعم الذي قد
يحظى به حميدتي بين السكان، فقد تم تدميره بسبب سلوك جنوده، الذين قتلوا واغتصبوا
ونهبوا الأحياء السكنية، واستولوا على المستشفيات، ودنسوا المواقع الثقافية
والمباني المدنية.
ومع حرق
السودان، اختفى حميدتي عن الأنظار. بالنسبة لزعيم شعبوي يعتمد على إبراز شخصيته
وتحديد الأجندة السياسية، كان هذا الصمت مفاجئا. أثار اختفاؤه شائعات عن إصابته
بجروح خطيرة. وفي 28 تموز/ يوليو، نشر شريط فيديو تحدث فيه، وهو متصلب وشاحب، لمدة
20 ثانية ليطرح شروط السلام الخاصة به. ومنذ ذلك الحين، أطلق تسجيلات صوتية، لكن
لم تتم رؤيته. وهناك دلائل تشير إلى أنه يفقد قبضته: فقد بدأت وحدات قوات الدعم
السريع في أجزاء من دارفور في الانقسام على طول الخطوط القبلية وتقاتل بعضها البعض.
وفي هذه
الأثناء، بدأ السودانيون يتعلمون كيف يكون حكم الجنجويد: عنيف وفاسد. إنها تعتمد
على التضامن القبلي، والعنصرية تجاه ذوي البشرة الداكنة، وازدراء المؤسسات
والقوانين. إنها تنطوي على عمليات سطو على نطاق واسع، والتي من المرجح أن تتوقف
فقط عندما لا يكون هناك المزيد من المدن للنهب.
ولا يوجد
أي مؤشر على وجود جهد دولي جدي لحل الأزمة. ولم تُبذل سوى جهود وساطة فاترة، وتركز
فقط على وقف القتال في الخرطوم. ولم يحرز أحد أي تقدم أو يهتم بدارفور.