وافق مجلس الأمن الدولي، الخميس، على قرار تمديد مهمة قوة
الأمم المتحدة المؤقتة "
اليونيفيل" لمدة عام كامل بعدما تأجلت الجلسة بسبب خلاف بين فرنسا والولايات المتحدة والإمارات حول حرية حركة قوات المنظمة الدولية.
وأثار قرار مجلس الأمن مخاوف من اندلاع مواجهة عسكرية بين
حزب الله والاحتلال الإسرائيلي في ظل تصاعد التوترات في الآونة الأخيرة بين الجانبين، وتعهد كل منهما بـ "إعادة الثاني إلى العصر الحجري" في حال اندلاع أي اشتباك مسلح.
وتأسست القوة المؤقتة للأمم المتحدة في
لبنان بواسطة مجلس الأمن عام 1978، ومن مهامها مراقبة وقف "الأعمال العدائية" وتنفيذ دوريات ليلية ونهارية، ووضع نقاط مراقبة، ورصد الخط الأزرق الحدودي، وإزالة الذخائر غير المنفجرة والقنابل العنقودية.
وصوت مجلس الأمن على تمرير القرار، الذي احتفظ بصيغته النهائية المعتمدة عام 2022، بأغلبية 13 صوتا، بما فيها دولة الإمارات التي دفعت بقوة في هذا الاتجاه، مع امتناع كل من الصين وروسيا عن التصويت.
وأكد قرار المجلس أن قوات الطوارئ "لا تحتاج إلى إذن مسبق أو تصريح للقيام بالمهام المنوطة بها، وأن اليونيفيل مخولة بإجراء عملياتها بشكل مستقل" مشيرا إلى "الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية"، ولم يذكر الجيش، وهو ما اعتبره رئيس الوزراء نجيب ميقاتي مصدر ارتياح بالنسبة للبنان وخطوة أساسية لضمان سيادته.
كما حث القرار الاحتلال الإسرائيلي "على التعجيل بسحب جيشه من شمال الغجر والمنطقة المجاورة بشمال الخط الأزرق".
ومن جهتها، شددت مندوبة لبنان في مجلس الأمن الدولي، جان مراد، على التزام بلادها بتنفيذ القرار الدولي رقم 1701، معتبرة أن القرار "لم يعكس مشاغل بلادها بصورة كاملة، ولم يضع في الاعتبار خصوصية الواقع الحالي".
وأكدت على أن لبنان "لم يرفض يوما حرية حركة اليونيفيل، لكنه يطالب بضوابط من أجل سلامة حركتها".
ويعتبر تجديد الولاية للخوذ الزرقاء ممارسة دبلوماسية سنوية تتم قبل انتهائها في 31 آب /أغسطس. لكنه جاء هذا العام وسط تحركات مكثفة من لبنان وحزب الله لإجراء تغييرات على التفويض بهدف الحد من قدرة "اليونيفيل" على التحرك دون إذن من الجيش اللبناني.
موقف لبنان.. من الرفض إلى الترحيب
ورحب رئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي بتمديد مهمة قوات الأمم المتحدة المؤقتة في البلاد "يونيفيل" عاما واحدا، حتى 31 آب /أغسطس 2024، بما يساهم في تعزيز الأمن والاستقرار.
وقال ميقاتي في بيان، إن قرار التمديد لحظ بندا أساسيا طالب به لبنان ويتعلق بقيام اليونيفيل بعملها بالتنسيق مع الحكومة وفق اتفاقية المقر وهذا بحد ذاته يشكل عامل ارتياح". وجدد "تمسك بلاده بالقرار الأممي الرقم 1701 واحترامه سائر القرارات الدولية".
ودار الخلاف هذا العام حول البند الذي أضيف إلى قرار التمديد في 2022 وسكت عنه الجانب اللبناني، وينص على أن "قوات الأمم المتحدة المؤقتة لا تحتاج إلى إذن مسبق أو إذن من أي شخص للاطلاع بالمهام الموكلة إليها، ويسمح لها بإجراء عملياتها بشكل مستقل"
وكانت قواعد الاشتباك المعمول بها منذ وقف العدوان الإسرائيلي على لبنان عام 2006، تنص على ضرورة مرافقة الجيش دوريات اليونيفيل ضمن نطاق عملياتها بالقرى الحدودية جنوبا، وذلك استنادا إلى قرار (1701) القاضي بوقف إطلاق النار.
وجاء ترحيب ميقاتي بعد رفض قطعي من وزير الخارجية اللبناني، عبد الله بوحبيب، "للصيغة المتداولة كونها لا تشير إلى ضرورة وأهمية تنسيق اليونيفيل في عملياتها مع الحكومة ممثلة بالجيش، كما تنص اتفاقية عمل اليونيفيل المعروفة".
في هذا السياق، رأى الباحث طلال عتريسي أن لبنان "كان يعلم منذ البداية أنه لا يستطيع تغيير صيغة القرار التي مررت العام الماضي"، مشيرا إلى أن "بيروت لا تستطع رفض وجود القوات الدولية في الجنوب رغم عدم حاجتها إلى تلك القوات"، بحسب تعبيره.
وذلك دفع الحكومة اللبنانية إلى اعتبار إضافة عبارة "الاستمرار في التنسيق مع الحكومة اللبنانية" تعديلا كافيا على الصيغة، وفقا لما ذكره عتريسي خلال حديثه لـ "عربي21".
من جانبه، قال الكاتب والمحلل السياسي إبراهيم ريحان إن "لبنان حصل على نصف ما كان يطمح إليه عبر إضافة التنسيق مع الحكومة إلى صيغة القرار بدعم فرنسي روسي، بالرغم من أن العبارة المشار إليها تحتمل التأويل".
وأشار ريحان في حديثه لـ "عربي21" أن الولايات المتحدة كانت تدفع بنحو عدم ذكر أي شكل من أشكال التنسيق مع الجانب اللبناني في صيغة القرار، مشددا على أن لبنان "لم يخطئ الآن بل العام الماضي حين وافق على إقرار البند الذي ينص على حرية حركة اليونيفيل دون العودة إلى الجيش".
وتسبب غياب التنسيق مع الجيش اللبناني خلال العام الماضي إلى وقوع توترات في
الجنوب اللبناني كان أبرزها مقتل جندي من قوات حفظ السلام، بحسب ريحان.
وكان جندي إيرلندي من القوة المؤقتة، قتل في كانون الأول /ديسمبر الماضي عندما تعرضت مركبته التابعة لـ "ليونيفيل" لإطلاق نار جنوبي لبنان. ووجهت محكمة لبنانية حينها اتهامات إلى أعضاء في حزب الله بالتورط في حادثة القتل، وهو ما نفته الجماعة بشكل رسمي.
موقف إماراتي "مفاجئ" ضد لبنان
دفعت دولة الإمارات العربية المتحدة بقوة نحو تمرير قرار تجديد مهمة قوات الطوارئ الأممية عاما إضافيا بصيغته المقرة العام الماضي دون الحاجة إلى تنسيق الخوذ الزرقاء مع الجيش اللبناني.
وقالت المندوبة الدائمة للإمارات لدى الأمم المتحدة لانا نسيبة، التي تقدمت بمقترح تعزيز استقلالية عمل "اليونيفيل"، إن "التوترات على الخط الأزرق بلغت مستويات لم تشهد منذ حرب عام 2006".
وأضافت: خلال السنة الماضية، لم يخلُ يوم من سخرية حزب الله من قراري مجلس الأمن 1701 و1559.
وقال دبلوماسي إماراتي، اشترط عدم الكشف عن هويته، إن "حرية حركة القوة المؤقتة لها أهمية قصوى في وقت يتصاعد فيه التوتر في المنطقة إلى مستويات خطرة".
ورأى إبراهيم ريحان أن موقف الإمارات تماهى مع القرار الأمريكي وغياب التضامن العربي الدبلوماسي مع لبنان في مجلس الأمن مقارنة بعام 2006 حين صدر قرار 1701.
وأشار ريحان في حديثه لـ "عربي21" إلى أن الدولة الخليجية "تسعى إلى الحفاظ على علاقات متوازنة مع كل من إيران والاحتلال الإسرائيلي، حيث عملت سابقا على إرضاء طهران عبر إعادة العلاقات مع النظام السوري وفي موضوع اليونيفيل كانت على الطرف الآخر الذي يصب صالح إسرائيل"، وفقا للمحلل اللبناني.
وكان موقف الإمارات المتفق مع رؤية الولايات المتحدة تسبب في إرجاء مجلس الأمن البت في الأمر حتى جلسة أمس الخميس، وهو ما أثار مخاوف حول احتمال انتهاء مدة تكليف القوة المؤقتة دون التوصل إلى قرار التجديد.
وفي هذا الإطار، رأى ريحان أن انتهاء مدة تكليف اليونيفيل قبل تجديدها "كان سيضع لبنان بموقف صعب، حيث من الممكن في حال حدث ذلك عودة قسم كبير من قوات حفظ السلام إلى بلادها، كما كان من شأنه أن يشكل ذريعة للاحتلال الإسرائيلي لافتعال عمل عسكري على الحدود في ظل غياب القوة المؤقتة وتجمد قرار 1701 الذي ينص على وقف العمليات العسكرية".
ورأى أن لبنان كان سيشهد قرارا أقسى يمنح قوات "اليونيفيل" صلاحيات أوسع من تلك التي حصلت عليها عام 2022، في ضوء رغبة أمريكية لتوسيع نطاق عمل الخوذ الزرقاء ليشمل حتى الحدود الشرقية مع سوريا.
وعن الموقف الإماراتي، أوضح عتريسي بدوره أنه جاء تماهيا مع رؤية الأمريكي في مجلس الأمن الذي يرغب في وضع قوات حفظ السلام في حالة هجومية ضد حزب الله، حيث رأى الباحث اللبناني خلال حديثه لـ"عربي21" أنه لا سبب آخر أو مبرر وراء موقف الإمارات المفاجئ سوى ذلك.
في السياق ذاته، قال ريحان إنه "هناك محاولة أمريكية لتعديل عمل قوات اليونيفيل من الفصل السادس الذي ينص على حل النزاعات بطرق سلمية إلى الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة الذي يفرض حل النزاع عبر استخدام القوة"، وهو ما اعتبره "مسعى لا يمكن تمريره من مجلس الأمن في الوقت الحالي".
وكان وزير الخارجية اللبنانية شدد على "رفض لبنان بأن يعطي الشرعية لنقل ولاية اليونيفيل من الفصل السادس، وفقا لقرار مجلس الأمن الدولي 1701 والداعي إلى حل النزاع بالطرق السلمية، إلى الفصل السابع الذي يدعو إلى فرض القرار بالقوة".
حزب الله والتوتر في الجنوب
وتزامن الخلاف حول صيغة التجديد هذا العام مع ارتفاع حدة التوترات على الحدود اللبنانية الجنوبية بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي، حيث تعهد كل منهما بإعادة الآخر إلى "العصر الحجري"، فيما يستعدان للتصعيد خلال الفترة المقبلة.
وأنشأ جيش الاحتلال في تموز /يوليو الماضي سياجا شائكا حول بلدة "الغجر"، وهو ما اعتبره لبنان "خرقا خطيرا ومحاولة لضمها من قبل الاحتلال الإسرائيلي"، ورافق ذلك إطلاق صواريخ من جهة مجهولة نحو الاحتلال.
وفي حزيران /يونيو الماضي، نصب حزب الله خيمتين على الحدود مع الاحتلال، طالبت "تل أبيب" بإزالتهما، وهو ما رفضته الجماعة اللبنانية بسبب "وقوع الأراضي التي أقيمت عليهما الخيمتان تحت السيادة اللبنانية".
وفي معرض تعليقه على صيغة التجديد قبل إقرارها، قال الأمين العام لحزب الله، حسن نصر الله: حتى لو تبنى مجلس الأمن نفس لغة العام الماضي في شأن حرية حركة قوات الأمم المتحدة فستبقى حبرا على ورق.
وشدد في خطاب متلفز بث الاثنين الماضي، على أن "أهل الجنوب لن يسمحوا بأن يطبق قرار على رغم رفض الحكومة اللبنانية له".
ولم يصدر أي تعليق رسمي عن الجماعة اللبنانية بعد تمرير قرار تجديد عمل "اليونيفيل" عاما إضافيا في جنوب لبنان دون ذكر التنسيق مع الجيش.
وقال عتريسي إن "حزب الله لن يقبل بالصيغة التي اعتمدت في مجلس الأمن لكنه لن يتجه نحو افتعال مشكلة سياسية مع الحكومة اللبنانية، إذ يتفهم الضغوطات التي مرت بها وزارة الخارجية وهو لا يوجه الاتهامات لها".
وشدد في حديثه لـ "عربي21" على أن "الحزب يعنى بما يجري على أرض الميدان"، مشيرا إلى أنه "منذ قرار الأمم المتحدة عام 2022 لم تتوقف قوات حفظ السلام عن التنسيق مع الجيش لتجنب أي اصطدام مع الأهالي في الجنوب".
كما استبعد ريحان أن "تذهب الجماعة اللبنانية إلى أي مواجهة عسكرية مع الاحتلال أو قوات حفظ السلام"، معتبرا أن "موافقة الحكومة اللبنانية على قرار مجلس الأمن هي موافقة ضمنية من حزب الله كذلك".
وفي هذا الإطار، أفادت مصادر مقربة من الحزب، بأن الجماعة اللبنانية تتعامل مع القرار على أنه "مجرد مكسب إعلامي سياسي لإسرائيل في الأمم المتحدة وخسارة للدبلوماسية اللبنانية، ولكن لا يمكن تنفيذه من دون التنسيق مع الجيش"، وفقا لوسائل إعلام محلية.
هل تندلع الحرب؟
نفى عتريسي إمكانية أن يؤدي قرار مجلس الأمن إلى إشعال فتيل الحرب بين حزب الله والاحتلال الإسرائيلي أو التسبب باشتباك سياسي مع الحكومة اللبنانية. وشدد على أن حزب الله يستطيع عرقلة عمل القوة الأممية المؤقتة، لكن المواجهة ستكون مع القوى الشعبية التي من شأنها أن تعرقل عمل الخوذ الزرقاء جنوبي لبنان.
ورأى عتريسي أن تغيير الصيغة التي أقرت للعام الثاني على التوالي غير ممكن وأن الجدل المثار حول تجديد ولاية "اليونيفيل" سيتكرر كل عام مع اقتراب موعد نهاية مدة التمديد، بحسب رأيه.
في المقابل، قال ريحان إن "الوضع على حدود لبنان الجنوبية مع فلسطين المحتلة متشنج جدا، لاسيما بعد عودة حزب الله إلى الساحة اللبنانية بعد انخراطه خلال السنوات الماضية في الحرب السورية بهدف استعادة العنوان اللبناني لسلاحه".
وشدد ريحان في حديثه لـ"عربي21" على أن الوضع جنوب لبنان ممكن أن ينفجر جراء أي توتر ليتحول إلى مواجهة عسكرية واسعة بين الجماعة اللبنانية والاحتلال.
لكن المحلل أشار في نفس الوقت إلى أن كلا الجانبين لا يرغبان في الحرب بسبب الوضع الاقتصادي والمعيشي المتردي في لبنان، إضافة للضغط الداخلي الذي يرزح تحته الاحتلال في ظل انقسام عمودي بين القوميين المتطرفين والعلمانيين.