قالت الكاتبة
الأمريكية، هانا راي آرمسترونغ، إن الانقلابات العسكرية في
النيجر، أمر روتيني نسبيا،
وهي إعادة توزيع غير دموية للسلطة على نخب العاصمة، لكن الانقلاب الأخير مختلف.
وأشارت آرمسترونغ
في مقال بمجلة
فورين أفيرز ترجمته "عربي21"، إلى أن الانقلاب الأخير،
يأتي بعد عامين من أول انتقال ديمقراطي للسلطة، في بلد ينظر إليه الآن على نطاق
واسع، أنه آخر حصن للغرب ضد الإرهاب، في منطقة الساحل الأفريقي.
وقالت إن وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، أعلن في آذار/ مارس الماضي،
أن البلاد "نموذج للديمقراطية". ولكن الغرب خدع نفسه حين تصور أن النيجر
كانت تسير على مسار أكثر استقرارا مما كانت عليه في الحقيقة.
وتعلق بأنه لا ينبغي لهذه الأزمة أن تكون مفاجئة. فعلى مدى العقد الماضي،
أدت الجهود الرامية إلى تحقيق الاستقرار في منطقة الساحل بقيادة
فرنسا وبدعم من
الولايات المتحدة إلى إضعاف المؤسسات المدنية في المنطقة بشكل مطرد وفشلت في توفير
الأمن، وأوصل التدخل الغربي الحكام العسكريين إلى السلطة في أربع من دول الساحل
الخمس؛ وبعد أن سحب دعمه لتلك الأنظمة الجديدة، لجأ المجلس العسكري في مالي
وبوركينا فاسو إلى روسيا طلبا للمساعدة الأمنية.
وترى الكاتبة أن تقدير الغرب لرئيس النيجر المخلوع محمد
بازوم كان منفصلا
عن الواقع على الأرض في النيجر، حيث إنه واجه استياء متزايدا منذ توليه منصبه في عام
2021.
وقالت إن ما هو على المحك الآن أكثر مما كان عليه في الانقلابات السابقة، وتستمر
الأزمة في اكتساب أبعاد جديدة رهيبة: حيث إنه مباشرة بعد الاستيلاء على السلطة، ألغى
المجلس العسكري النيجري اتفاقيات الدفاع الفرنسية واجتمع مع قادة شركة فاغنر
لمناقشة أشكال التعاون الممكنة. وبنفس السرعة، تضاعفت الهجمات التي تشنها الجماعات
المتحالفة مع تنظيم القاعدة وتنظيم الدولة على حدودها. وفي هذه الأثناء، أطلق اثنان
من قادة المتمردين السابقين المتحالفين مع بازوم حركات مسلحة جديدة لإعادته إلى
السلطة.
وكانت التوترات الداخلية هي الدافع المباشر للانقلاب، لكن الأزمة كانت أيضا
تتويجا لعقد من سياسات تحقيق الاستقرار غير المدروسة التي قادتها القوى الخارجية
في منطقة الساحل. وفي عام 2013، عندما بدا أن الجماعات الجهادية تستعد للاستيلاء
على باماكو، أرسلت فرنسا عدة آلاف من القوات إلى مالي. وتسببت ملاحقتها لهم في
انتشار الجهاديين عبر وسط مالي إلى المنطقة الحدودية إلى جانب النيجر وبوركينا
فاسو.
وفي أواخر عام 2010، وفي مواجهة حركات تمرد ريفية واسعة النطاق، أنشأت
فرنسا شراكات لمكافحة الإرهاب مع المليشيات العرقية المتحالفة مع الحكومة المالية،
ومع تصاعد التوترات الطائفية، فقد ذبح المقاتلون المدنيين، واضطرت المجتمعات التي كانت
تعيش قبل ذلك في سلام نسبي لتسليح نفسها من أجل الدفاع عن النفس.
وأدى انتشار العنف إلى تحول العديد من سكان الساحل العاديين ضد الأنظمة
التي دخلت في شراكة مع فرنسا وأصبح المدنيون ينظرون بشكل متزايد إلى قادتهم على
أنهم وكلاء لباريس. وأدى العنف المتصاعد والارتفاع الحاد في المشاعر المعادية
لفرنسا إلى انقلابات في مالي في عام 2020 وبوركينا فاسو في عام 2022. وفي آب/ أغسطس
من ذلك العام، مع تدهور علاقاتها مع باماكو، سحبت فرنسا قواتها بالكامل من مالي.
لكن باريس لم ترسل جنودها إلى وطنهم. لقد شحنت الكثير إلى النيجر.
وكانت الدول الغربية قد روجت لجولتي الانتخابات في النيجر أواخر عام 2020
وأوائل عام 2021 على أنها معجزة متجاهلة عدد النيجريين الذين نظروا إلى الانتخابات
على أنها مسرحية.
وخرج بازوم، وهو وزير سابق في الحكومة، من الدائرة الداخلية لسلفه محمدو
إيسوفو بعد أن اختاره خلفا له، ولتيسير طريقه إلى السلطة، أمر إيسوفو باعتقال مرشح
المعارضة الرئيسي لبازوم بتهم كاذبة تتعلق بالاتجار بالأطفال. وفي شباط/ فبراير
2021، عندما أعلنت وسائل الإعلام الحكومية فوز بازوم بفارق ضئيل، خرج المئات من
أنصار المعارضة إلى الشوارع ليعلنوا أن النتائج مزورة. وسرعان ما ألقت شرطة إيسوفو
القبض على ما يقرب من 500 شخص وأغلقت الإنترنت لأسابيع.
ولم يتوقع معظم النيجريين تغييرا يذكر في عهد بازوم. لقد تسامح مع الفساد
وأبقى على السياسات القمعية التي تعود إلى عهد إيسوفو، مثل قانون الجرائم
الإلكترونية لعام 2019 المستخدم لمحاكمة الصحفيين والمدونين ونشطاء المجتمع المدني
الذين احتجوا على القمع الحكومي وانتهاكات قوات الأمن. لكن اختيار بازوم السماح
لفرنسا بجعل النيجر قاعدتها الجديدة لعملياتها العسكرية في منطقة الساحل هو الذي
أضر به أكثر من غيره.
ولتعزيز موقعها في منطقة الساحل، نشرت فرنسا في النصف الثاني من عام 2022
ألف جندي في النيجر؛ ومن فرنسا، تلقى بازوم 70 مليون يورو إضافية في شكل منح وقروض
جديدة للأغذية والبنية التحتية التي تشتد الحاجة إليها. كانت هذه صفقة محفوفة
بالمخاطر بالنسبة لبازوم، لكنه راهن على أنه يستطيع إبقاء الوجود الفرنسي سرا.
وقد عزز هذا الرهان مكانته كمحبوب للغرب. والولايات المتحدة أيضا تحتاج إلى
نيجر مستقر وصديق؛ كما أنها طورت مصالح أمنية كبيرة هناك. وتستخدم واشنطن قاعدة
طائرات مسيرة تابعة لوكالة المخابرات المركزية في ديركو للقيام بمهام مراقبة سرية
فوق جنوب ليبيا. وفي الآونة الأخيرة، استثمرت أكثر من 100 مليون دولار في قاعدة
جوية في العاصمة الإقليمية الشمالية، أغاديز، لتوسيع قدرات الاستخبارات الأمريكية
في المنطقة. وتحتفظ الولايات المتحدة بحوالي 1000 من جنودها في قواعد هناك وفي
العاصمة نيامي.
لكن تودد بازوم للغرب جعله بعيدا بشكل خطير عن شعبه؛ فقد استخدمت فرنسا
ممارسات فاسدة وحتى غير قانونية في بعض الأحيان لتأمين الوصول بسعر رخيص إلى
اليورانيوم النيجري لصناعة الطاقة النووية، ما جعل النيجر غير قادر على الاستفادة
من صادراته.
لكن أخطاء بازوم يجب ألا تحجب نجاحاته. فقد بحث عن طرق لمعالجة الأسباب
الجذرية ومنع التصعيد. لقد صمم سياسة أمنية حكيمة فريدة من نوعها أطلق عليها اسم
نهج "اليد المفتوحة"، وتسهيل الحوار السياسي بين المتمردين والحكومة،
والتوسط في وقف إطلاق النار، وتقديم العفو عن المنشقين.
وفي الوقت نفسه، عزز عمليات أمن الحدود الرسمية من قبل جيشه وحصل على الدعم
الجوي الفرنسي والأمريكي. وقد أتى هذا النهج بثماره: فقد شهدت المنطقة الحدودية
للنيجر التي تبلغ مساحتها 200 ميل مربع تقريبا مع مالي انخفاضا بنسبة 80% في أعمال
العنف ضد المدنيين بين عامي 2021 و2022.
تاريخيا، تم استبعاد سكان شمال النيجر من الحكومة، ما جعل المنطقة مضطربة
بشكل خاص. كما أن العلاقات الوثيقة التي أقامها بازوم بعناية مع النخب الشمالية
عززت بهدوء الاستقرار هناك. ومن المؤسف أن بازوم، أستاذ الفلسفة السابق، لم يحصل
على الفرصة للوفاء بوعده بإعادة بناء نظام التعليم في النيجر، وهي حاجة ملحة
للغاية في بلد يعاني من ارتفاع معدل الخصوبة (6.8 ولادة لكل امرأة)، وارتفاع معدل
الأمية (63%)، واستمرار انعدام الأمن الغذائي.
ومن الأهمية بمكان ضمان عدم ضياع التقدم المحرز في عهد بازوم. لكن بعض
اللاعبين الأقوياء يتصرفون الآن وكأن المنطقة لا يمكن إنقاذها إلا من خلال إنقاذ
بازوم. وتقود هذا التحالف فرنسا والمجموعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (
إيكواس)
خوفا من انتشار الانقلابات في المنطقة.. وفرضت الإيكواس عقوبات قاسية وأعلنت عن
استعدادها نشر قوات عسكرية وصرحت فرنسا بأنها ستدعم تلك الجهود العسكرية.
ومع ذلك، فقد انفصلت الولايات المتحدة عن فرنسا في الدعوة إلى استجابة أكثر
سلمية. وجاء موقف واشنطن مفاجئا. وكانت الولايات المتحدة بشكل عام راضية باتباع
خطى فرنسا في منطقة الساحل مقابل دعم المساعي الأمريكية في الشرق الأوسط. لكن
الولايات المتحدة لم تصل إلى حد وصف الوضع بأنه "انقلاب" - وهو إعلان
يتطلب منها، بموجب القانون الأمريكي، قطع المساعدات العسكرية عن النيجر. وبعد
ثلاثة أسابيع كاملة من استيلاء المجلس العسكري على السلطة، كان البنتاغون لا يزال
يصف الأزمة بأنها "محاولة انقلاب".
وقد صرح بلينكن بوضوح بأن أزمة النيجر "ليس لها حل عسكري مقبول".
ودعا هو وغيره من القادة الأمريكيين مرارا إلى حل سلمي والإفراج عن الرئيس،
وليس إعادته إلى منصبه. ويعترف هذا بأن المجلس العسكري قد أطاح ببازوم من السلطة.
لقد بدأ يظهر الآن قطبان: أولئك الذين يعتقدون أن استخدام القوة لإحباط
الانقلاب في النيجر من شأنه أن يعزز الأمن على المدى الطويل، وأولئك الذين يعتقدون
أنه لا بد من تجنب التدخل العسكري. وفي 9 أغسطس/ آب، استضاف بلينكن في واشنطن وزير
الخارجية الجزائري أحمد عطاف؛ والجزائر هي أقوى دولة وسيطة في منطقة الساحل. وأعلن
عطاف في مقابلة أن هدف بلاده هو الحل السلمي للأزمة. وقد نأى الاتحاد الأفريقي
بنفسه عن التهديد الصريح الذي تمارسه الإيكواس.
ووفقا لدبلوماسي أفريقي كبير، تحدث دون الكشف عن هويته لأنه غير مخول
بالتعليق رسميا على الأمر، فإن ذكرى انهيار ليبيا أثرت بشكل كبير على حكم الاتحاد
الأفريقي. وأضاف: "الآن، لديك حكومة سيئة" في النيجر. لكن إذا قصفتهم
فلن تحصل على حكومة. هناك فقط الجهاديون والفصائل". وأشار إلى أنه بعد مرور 12
عاما على تدخل الناتو في الانتفاضة الليبية، لا توجد حتى الآن حكومة رسمية في
طرابلس.
ومع أن أنصار التدخل العسكري يخوفون من احتمال أن تبسط روسيا نفوذها على
النيجر إلا أن المسار الحالي الذي تسلكه واشنطن صحيح، ويجب على صناع القرار
السياسي في الولايات المتحدة مقاومة الدعوات الداعمة للتدخل.
والعقبة الأكبر أمام مواصلة المسار هي أن أي دفعة جدية لحل الأزمة سلميا من
المرجح أن تتطلب اعتراف الولايات المتحدة بالمجلس العسكري. وعلى المدى القريب، فإن الاعتراف يتعارض مع السياسة الخارجية للرئيس جو بايدن. ولكن سيكون من المفيد أيضا
بالنسبة للنيجريين أن يروا قوة غربية تعترف أخيرا برغبتهم العميقة في رؤية نهج
قائم على الدبلوماسية، وليس المزيد من القوات الأجنبية التي تجتاح قراهم.
ولكن لكي يؤدي الحل السلمي إلى أي خير طويل الأمد، فإنه يتعين على الولايات
المتحدة أن تحول انتباهها بشكل عاجل إلى تحديين محددين. أولا، ينهار النهج الأمني
الذكي الذي اتبعه بازوم في منطقة الحدود الثلاثية. ومع تحول انتباه الجنود نحو
العاصمة، يستغل المتمردون الاختراق. وربما يرى القادة العسكريون الجدد في النيجر
أن الاستراتيجية القائمة على الحوار متساهلة للغاية، فيتبعون خطى نظرائهم في
بوركينا فاسو ومالي ويجندون متطوعين للمليشيات. ولأن الولايات المتحدة تدير برامج
تدريب لضباط الجيش النيجري، فإن لديها بالفعل علاقات وثيقة مع بعض قادة المجلس
العسكري. ومن خلال إقناعهم بمكاسب نهج بازوم، فإنه يجب على شركاء الولايات المتحدة
تشجيع استمرارية السياسات الأمنية التي كانت تؤتي ثمارها.
ثانيا، يجب على الولايات المتحدة أن تهتم بمخاطر التمردات في الشمال. وتمتعت
النخب الاقتصادية والسياسية والعسكرية الشمالية بعلاقات وثيقة مع بازوم وسلفه.
ولكن من حيث الأساس، لم تف نيامي قط بمعظم تعهداتها في اتفاق السلام الذي أبرمته
عام 1995 لإنهاء حرب دامت أربع سنوات مع المتمردين الشماليين، وخاصة تعهدها
بمساعدة سكان شمال النيجر على تحقيق المزيد من الربح من موارد اليورانيوم لديهم.
وبالفعل، فقد فتح اثنان من الموالين لبازوم جبهات متمردة جديدة، سعيا للحصول على
الأسلحة والمجندين والدعم الأجنبي لمقاومة المجلس العسكري.
تحركات واشنطن تحمل وزنا كبيرا. وعلى عكس فرنسا، فإن الولايات المتحدة ما زالت تتمتع بسمعة طيبة وحسن نية في جميع أنحاء منطقة الساحل.