أكدت
موسكو، مقتل قائد مجموعة
فاغنر العسكرية الخاصة
يفغيني بريغوجين، بعد تحطم طائرة خاصة كان على متنها شمالي موسكو، لتنتهي حياة الرجل الذي أثار الجدل مؤخرا بعد تمرده على الرئيس الروسي فلاديمير
بوتين.
ويشتهر يفغيني بريغوجين، 62 عاما، بامتلاكه لشركات تموين ومطاعم وتوفير الطعام والشراب للمناسبات الرسمية في الكرملين. وبرز اسمه قبل سنوات، بعد أن فرضت عليه الولايات المتحدة عقوبات اقتصادية، لدور إحدى شركاته في التأثير بالانتخابات الأمريكية، التي أدت إلى وصول دونالد ترامب إلى البيت الأبيض.
وفي عام 2010 ربطت عدة تحقيقات صحفية بريغوجين بوحدة معلومات مضللة تعرف باسم "مصنع ترول" في سانت بطرسبرغ. و ذكرت الأخبار أن المصنع ينتج موادّ وينشرها عبر الإنترنت بهدف تشويه سمعة المعارضة السياسية الروسية وتلميع صورة الكرملين من جهة أخرى.
وذاع صيته عقب الغزو الروسي لأوكرانيا، ومشاركة قواته العسكرية المسماة "فاغنر" في القتال شرق أوكرانيا.
وينحدر كل من بريغوجين وبوتين من مدينة سان بطرسبرغ، ثاني أكبر مدن روسيا، وتعود علاقتهما ربما إلى التسعينيات من القرن الماضي، عندما كان بوتين يعمل في مكتب عمدة سان بطرسبرغ، وكان يتردد حينها على مطعم بريغوجين الذي كان يحظى بشعبية بين المسؤولين المحليين.
وكسب مكانة خاصة في مربع القرار، حتى إنه يصنف ضمن الشخصيات التي تشكل الدائرة الضيقة جدا للرئيس الروسي، قبل أن تتوتر العلاقات أخيرا لتصل حد تحريض بريغوجين للتمرد على الجيش الروسي.
قوات فاغنر
ينتشر عناصر شركة "فاغنر" الروسية في أكثر من بلد حول العالم، في إطار سياسة جديدة تتخذها موسكو لتوسيع نفوذها الدولي في مناطق النزاع والتوتر، لا سيما أوكرانيا ومناطق متفرقة من أفريقيا.
وظل الكثير من الأسئلة تحيط بمليشيا مجموعة فاغنر الروسية، أبرزها من يقف وراء هذه المجموعة التي ساندت نظام بشار الأسد في سوريا، ووفرت دعما عسكريا في مرحلة من مراحل النزاع الليبي لقوات حفتر في شرق البلاد في حربها على حكومة الوفاق في طرابلس؟ إلا أن الكرملين كان دائما يتمسك ببراءته منها، وينفي على لسان الرئيس الروسي فلاديمير بوتين شخصيا علاقته بها.
لكن بعد سنوات من الغموض، تبين أن من يقود "فاغنر" هو أحد المقربين جدا من بوتين، وهو يفغيني بريغوجين، الذي يوصف من طرف وسائل الإعلام الغربية بـ"طباخ" الرئيس الروسي، إذ أقر بنفسه قبل أشهر أنه أسس "فاغنر" في 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في أفريقيا وأمريكا اللاتينية خصوصا، وذلك بعد سنوات من نفي صلته بها.
وفي بيان نشر على حسابات شركته "كونكورد" للمطاعم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، أكد بريغوجين أنه أسس هذه المجموعة لإرسال مقاتلين مؤهلين إلى منطقة دونباس الأوكرانية في 2014.
وأضاف: "منذ تلك اللحظة في الأول من أيار/ مايو 2014، ولدت مجموعة وطنيين اتخذت اسم مجموعة كتيبة فاغنر التكتيكية".
كيف برز اسم بريغوجين؟
ينحدر بريغوجين من مدينة سان بطرسبورغ الروسية، التي عرف بها في مرحلة من سنوات شبابه كمنحرف، حكم عليه خلالها بالسجن 12 عاما، قضى منها عشر سنوات بتهم تتعلق بالسرقة والانتماء إلى عصابة.
ومع انهيار الاتحاد السوفياتي في 1991، وظهور نظام جديد في روسيا، حاول استغلال الفرص المتاحة للعمل في التجارة.
ارتبطت مسيرته التجارية بتسويق الطعام والمواد الغذائية، فبدأها ببيع سندويشات النقانق قبل أن يخلق سلسلة متاجر للبقالة، ثم انتقل بعد ذلك إلى إحداث مطاعم، أشهرها موجود على المياه في مدينته الأصلية سان بطرسبورغ، حيث سبق أن استضاف الرئيس الفرنسي جاك شيراك إلى جانب نظيره الروسي فلاديمير بوتين، الذي فتح له بوابة الكرملين، ليصبح "طباخه" عبر شركته.
وعلاقته بالكرملين، ساعدت شركته "كونكورد" للطعام على الحصول على مئات الملايين من العقود الحكومية، لتوفير وجبات الأكل لأطفال المدارس والموظفين الحكوميين. كما أنه حصد عقودا لتوريد وجبات إلى الجيش الروسي بقيمة تعادل المليار دولار أمريكي على الأقل في عام واحد.
وقال بريغوجين في إحدى مقابلاته: "رأى فلاديمير بوتين أن لا مشكلة لدي في تقديم الأطباق لكبار الضيوف شخصيا.. التقينا عندما جاء برفقة رئيس الوزراء الياباني موري".
زار يوشيرو موري سانت بطرسبرغ في نيسان/ أبريل 2000 ، في بداية مرحلة حكم بوتين.
وثق بوتين في بريغوجين لدرجة أنه احتفل بعيد ميلاده في مطعم نيو آيلاند عام 2003.
لماذا كان بريغوجين مفيدًا لبوتين
ولكن لماذا يريد الكرملين من شخص مثل بريغوجين أن يقوم بحملات تضليل وعمليات عسكرية في جميع أنحاء العالم؟
أحد الأسباب الرئيسية هو ما يسمى بـ "الإنكار المعقول". يتيح استخدام عملاء خاصين للحكومة الروسية إنكار تورطها في عمليات حساسة للغاية.
وفي ما يتعلق بسبب قيام بريغوجين بالأدوار الموكلة له يقول الصحفي إيليا زيغوليف، الذي درس سيرة حياة بريغوجين بالتفصيل، أن هناك عدة أسباب.
ويوضح: "لم يرفض أبداً القيام بأعمال قذرة. ولم يكن لديه ما يفقده من ناحية السمعة".
ويضيف أن ماضي بريغوجين سبب آخر. "بوتين لا يحب الأشخاص الذين يتمتعون بسمعة لا تشوبها شائبة ، لأنه من الصعب السيطرة عليهم. وبناءً عليه يعتبر بريغوجين مرشحاً مثالياً" لتنفيذ المهام القذرة.
في مقابلة نادرة في عام 2011، قال بريغوجين إنه كتب ذات مرة كتابا للأطفال ساعدت فيه "الشخصية الرئيسية الملك على إنقاذ مملكته" ثم قام لاحقاً بـ"شيء بطولي حقًا".
مشاركة قوات بريغوجين في حرب أوكرانيا
دخلت قوات فاغنر على خط المواجهة مع القوات الأوكرانية في عدد من محاور القتال شرق أوكرانيا، وذلك دعما للجيش الروسي الذي تحدثت تقارير عن إخفاق قواته في حسم السيطرة على مناطق شرق أوكرانيا، لا سيما سوليدار وباخموت.
قبل أشهر مضت، تولت فاغنر العمليات في مناطق شرق أوكرانيا، وتمكنت من السيطرة فعليا على مدينة سوليدار، ثم واصلت الزحف نحو باخموت المجاورة، لكن هذه الأخيرة استنزفت قواته، وتسببت في تفجير الصراع بينه وبين وزارة الدفاع الروسية، إذ اتهم بريغوجين غير مرة وزير الدفاع سيرغي شويغو بترك قواته على جبهات القتال دون ذخيرة وعتاد، كما أنه اتهم شويغو مع فاليري غيراسيموف رئيس هيئة الأركان العامة بعدم الكفاءة في منصبيهما.
الصدام مع الكرملين
وفي حزيران/ يونيو الماضي، اتهمت روسيا بريغوجين بالدعوة إلى تمرد مسلح بعد زعمه، "دون تقديم أدلة"، أن القيادة العسكرية قتلت ألفين من رجاله، وتعهد بوقف ما وصفه بأنه "شر".
ومع وصول المواجهة طويلة الأمد بينه وبين وزارة الدفاع إلى ذروتها، أصدرت الوزارة بيانا قالت فيه؛ إن اتهامات بريغوجين غير صحيحة وتمثل استفزازا إعلاميا".
وقال بريغوجين إن أفعاله لا ترقى لدرجة انقلاب عسكري. لكن وكالة تاس للأنباء ذكرت، أن جهاز الأمن الاتحادي الروسي فتح دعوى جنائية ضده لاتهامه بالدعوة إلى تمرد مسلح.
وفتحت روسيا تحقيقا جنائيا ضد بريغوجين بتهمة التحريض على تنفيذ تمرد مسلح، بينما وصف الرئيس بوتين أفعاله بأنها "خيانة".
لكن بعد ساعات مما بدا وكأنها مسيرة لمقاتلي فاغنر نحو موسكو للإطاحة بالقيادة العسكرية الروسية أمر بريغوجين قواته بالتوقف وأعلن أنه وافق على صفقة توسط فيها زعيم بيلاروسيا ألكسندر لوكاشينكو.
وأكد الكرملين تفاصيل الصفقة التي تضمنت إسقاط التهم عن بريغوجين وأفراد "فاغنر" الذين شاركوا في التمرد، مقابل انتقالها إلى بيلاروسيا.
وغاب بريغوجين عن الظهور بعد تمرده، لكنه أطل بلباس مدني على هامش قمة أفريقية-روسية في سانت بطرسبرغ وهو يصافح مسؤولاً كبيراً في جمهورية أفريقيا الوسطى.
آخر تصريحات لبريغوجين
وقبل مقتله بأيام قليلة، ظهر بريغوجين، في مقطع فيديو، قال إنه في أفريقيا، حيث تحدث عن "جعل روسيا أعظم في جميع القارات".
وظهر بريغوجين في فيديو وهو يحمل بندقية يقف في منطقة يبدو أنها صحراوية، تم تصويره في أفريقيا بالفعل.
وقال: "نحن نعمل، ودرجة الحرارة تزيد على الـ50 مئوية، كل شيء يسير بالطريقة التي نحبها تماما، وتقوم شركة فاغنر بإجراء عمليات الاستطلاع والبحث، ما يجعل روسيا أعظم في جميع القارات، وأفريقيا أكثر حرية".
وأضاف: "العدالة والسعادة للشعوب الأفريقية، دعونا نجعل الأمر كابوسا لداعش والقاعدة وغيرهم من البلطجية، نحن نستأجر أبطالا حقيقيين (المحاربين السلافيين القدماء)، ونواصل الوفاء بالمهام التي وضعت أمامنا والتي وعدنا بها".