نشر موقع "
بي بي سي نيوز" التركي تقريرًا استعرض فيه رأي الخبراء
الاقتصاديين حول إلى أي مدى يمكن أن يغيّر وزير المالية التركي الجديد في الاقتصاد التركي.
وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته "
عربي21"، إنه مع الإدارة الاقتصادية الجديدة بقيادة وزير الخزانة والمالية التركي محمد شيمشك، من المتوقع الابتعاد عن سياسة
الفائدة المنخفضة لفترة معينة على الأقل.
ويُعتقد أن هذا التوجه سيؤدي إلى تنويع وزيادة رأس المال الأجنبي الذي يمكن لتركيا الوصول إليه. ومع ذلك؛ يقدر الخبراء الذين تحدثوا إلى "بي بي سي التركية" أن الفترة الانتقالية قد لا تدوم طويلاً، "بالنظر إلى القاعدة الطبقية التي تقوم عليها إدارة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وتوازنات كتلة القوى الحالية".
وأشار الموقع إلى أن هناك أنواعا مختلفة من الاستثمارات الأجنبية في البلاد، والتي تشمل الاستثمارات المباشرة التي تأتي عن طريق إنشاء أعمال تجارية جديدة أو شراء الأعمال التجارية القائمة، والاستثمارات في المحافظ التي تعرف باسم "الأموال الساخنة" والتي تشمل عمليات الشراء مثل الأسهم والسندات، والقروض الأجنبية.
في المقابل، وفي الفترة الأولى من حكم حزب العدالة والتنمية الذي تجاوز 20 عامًا، كان تدفق رؤوس الأموال الأجنبية إلى
تركيا سهلًا نسبيًا، ولكن في الفترة الأخيرة لوحظ أن هناك تباطؤا في كل من الأموال الساخنة والاستثمارات المباشرة.
"مشاكل مدمرة في السوق المحلية"
وذكر محمد كرم تشوبان، أستاذ قسم علم السياسة والإدارة العامة في جامعة قادر حس في حديثه لـ "بي بي سي"، إن التبعية لرأس المال الأجنبي تحولت إلى "مشكلة هيكلية ترتبط بالخيارات السياسية في السنوات العشرين الماضية".
ووفقًا لتشوبان؛ يتم توفير معظم الاستثمارات المباشرة الأجنبية في تركيا من خلال عمليات الخصخصة، ويرجع سبب تبعية تركيا للرأسمالية ونمو اقتصاد استهلاكي قائم على الائتمان إلى نموذج اقتصادي يعتمد على "دائرة مغلقة".
وأشار تشوبان إلى أن الإنتاجية هي إحدى المشكلات الرئيسية في هذا النموذج؛ حيث إن مشكلة إجمالي كفاءة العوامل لنمو مستدام هو الإنتاج ذو القيمة المضافة.
بالمقابل؛ تُحسب استدامة
النمو الاقتصادي من خلال إجمالي كفاءة العوامل، التي يجب أن تزيد كفاءتها فتكون في حدود 1 بالمئة لتحقيق نمو مستدام في الاقتصاد التركي. ووفقًا لدراسة علمية أُجريت في عام 2021؛ حقق الاقتصاد التركي نموًا في إجمالي كفاءة العوامل بمعدل يبلغ حوالي 0.9 في المئة خلال الفترة من عام 2003 إلى عام 2013، ولكن منذ عام 2014، يتحقق نمو سلبي في إجمالي كفاءة العوامل. وهذا يعني أن النمو ليس مستدامًا إذا تم تمويله بزيادة رأس المال.
في المقابل، أشارت فوليا أبايدين، عضو هيئة التدريس في معهد برشلونة للعلاقات الدولية في إسبانيا، إلى أن استراتيجية النمو المرتكزة على زيادة الصادرات والتي تعتمد على المدخلات المستوردة لم تحل مشكلة تركيا فيما يتعلق بالتبعية لرأس المال الأجنبي، وقالت: "حتى لو حاولت زيادة الصادرات وزيادة الاحتياطات والتخلص من التبعية لرأس المال الأجنبي، ستواجه صعوبة في تحقيق ذلك عمليًا، لأن الحرية التجارية أدت إلى تطوير قطاع صادرات معتمد على المدخلات المستوردة في حالة تركيا".
لذلك، ليس من السهل على الحكومات تغيير نموذج النمو الاقتصادي، لأنه يستغرق وقتًا وموارد وقد يؤثر سلبًا على القطاعات التي يدعمها.
اهتمام المستثمرين
وفقًا للخبراء؛ وعلى الرغم من أن حزب العدالة والتنمية يدير اعتماد تركيا على التمويل الأجنبي "بشكل متعرج"، إلا أن الخطوات التي اتخذها عززت يده في السياسة المحلية وكانت فعالة في الفوز بالانتخابات.
وبحسب بيانات البنك المركزي؛ ففي الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2023؛ تم استثمار 2.3 مليار دولار في تركيا، وكانت البلدان الثلاثة الأولى التي جلبت أعلى استثمار مباشر إلى البلاد هي هولندا وفرنسا وألمانيا على التوالي.
من ناحية أخرى؛ انخفض اهتمام المستثمرين الغربيين بتركيا مقارنة بالفترات السابقة. وبحسب بيانات بلومبرغ، قامت دول الخليج بسد الفجوة الناشئة عن تراجع اهتمام رؤوس الأموال الغربية بتركيا في الفترة الأخيرة.
شيمشك والسياسة العقلانية
ووفقًا للخبراء؛ فإن مدى استمرار تدفق رؤوس الأموال الواعدة، خاصة مع مراعاة توقعات مجموعات العمل التي يعتمد عليها حكم حزب العدالة والتنمية، غير مؤكد.
وقال علي رضا غونغين من جامعة يورك: "الدولة التي تضمن انضباط الميزانية، والبنك المركزي الذي ينفذ سياسة نقدية صارمة يجعل سندات تلك الدول جذابة للمستثمرين الدوليين".
وذكر الكاتب أنه من خلال ما قدمه محمد شيمشك حتى الآن والذي تم تسويقه كمرحلة لا رجعة فيها؛ يشير إلى أن سياسة الفائدة المنخفضة والتضخم العالي والتوظيف العالي ستشهد توقفًا.
وأضاف الكاتب أنه "إذا استمرت هذه المرحلة على مدى عدة فصول وعدة سنوات، فقد يظهر التنوع والازدهار الذي وعد به شيمشك. ومع ذلك، أعتقد أن الأساس الطبقي الذي تعتمد عليه إدارة أردوغان وتوازنات الكتلة الحاكمة الحالية لن يسمح بفترة مثل هذه بسهولة".
تعيينات براغماتية
واختتم الكاتب التقرير مع الخبير محمد كرم تشوبان، الذي توقع ألا يحدث تغيير في الاقتصاد مع تعيين محمد شيمشك، معتبرًا أن التعيينات الجديدة "براغماتية لا أكثر" وأنها مرتبطة بحاجة تركيا إلى رأسمال للبقاء على قيد الحياة وفقًا لنموذج النمو المتبع.
ووفقًا لتشوبان: "يحتاج النموذج الاقتصادي إلى وقود؛ حيث إن التوقع بعدم زيادة الطلب مع زيادة أسعار الفائدة في الأسواق الخارجية يعني أن الصادرات ستتأثر. لذلك، عندما تكون احتياطات البلد قد تآكلت والعجز التجاري مستمرًا، فإنك بحاجة إلى إيجاد مصدر تمويل للعجز التجاري لمواصلة نفس النموذج".