أثار إعلان قائد
قوات
فاغنر الروسية شبه العسكرية، يفغيني بريغوجين، التمرد على قيادة
الجيش الروسي،
وعزمه السير نحو موسكو من أجل تصحيح الأوضاع في البلاد، صدمة كبيرة في
روسيا، حيث
تحول حليف
بوتين في يوم وليلة إلى منافس عسكري على الأرض.
غير أن انقلاب
موقف بريغوجين ليس مفاجئا، فقد سبقته تصريحات كثيرة عالية السقف مرارا، قبل أن يقرر أن
يدور بقواته إلى الخلف، ويغادر الأراضي الأوكرانية ليقاتل الدولة الروسية.
وفي آخر مظاهر
الخلاف، اتهم بريغوجين، الجمعة الماضي، الجيش الروسي بقصف معسكرات قواته، ما أسفر
عن مقتل عدد "كبير" منهم، فيما نفت موسكو ذلك.
وتوعد في
رسالة صوتية نشرت على مواقع التواصل الاجتماعي، بالانتقام من الجيش الروسي، قائلا
إن وزير الدفاع سيرغي شويغو هو من أمر بالتصدي لقوات فاغنر.
ودعا بريغوجين
قوات الجيش الروسي للانضمام إلى عناصره، مشيرا إلى أن الخطوة التالية تتطلب
"إقالة" شويغو.
وقال إن هيئة
قيادة مجموعة فاغنر تعتبر أنه "من الضروري إيقاف أولئك الذين يتحملون
المسؤولية العسكرية في البلاد"، في إشارة إلى وزير الدفاع الروسي.
غير أن
السلطات الروسية ردت ببدء تحقيق جنائي مع قائد المجموعة، بشأن تهديداته بعزل وزير
الدفاع.
الموقف من
الحرب في أوكرانيا
ورغم أن قوات
فاغنر حققت انتصارات في الأراضي الأوكرانية، لا سيما على جبهة باخموت، إلا أن رأي
قائد المجموعة ربما تغير في الآونة الأخيرة، بشأن جدوى القتال ضد كييف.
وفي 21
حزيران/ يونيو، اتّهم بريغوجين كبار المسؤولين في موسكو بخداع الروس بشأن سير
الهجوم الأوكراني المضاد وأشار إلى تقدّم كييف ميدانيا.
وقال في تسجيل
صوتي نشره ناطقون باسمه "إنهم يضللون الشعب الروسي"، ولفت إلى خسارة عدة
قرى بينها بياتيخاتكي، مشيرا إلى نقص في السلاح والذخيرة.
وأكد أنه "تم
تسليم العدو أجزاء كبيرة" من الأراضي، مضيفا أن القوات الأوكرانية حاولت
بالفعل عبور نهر دنيبرو الذي يشكّل حدودا طبيعية على خط المواجهة.
وتابع بأنه "يتم إخفاء كل ذلك عن الجميع".
بريغوجين يرفض
الانضمام للجيش
في وقت سابق،
أكد بريغوجين رفض مقاتلي المجموعة توقيع عقود مع وزارة الدفاع، بعد يوم من إعلان
الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أن الاتفاقات ضرورية.
وفي إظهار
مباشر نادر لتحديه للزعيم الروسي، قال بريغوجين: "ليس هناك أحد بين مقاتلي
فاغنر مستعد للانحدار في طريق العار مرة أخرى. ولهذا فهم لن يوقعوا العقود".
وفي اجتماع
نقله التلفزيون، أيد بوتين دعوة من وزارة الدفاع للمقاتلين "المتطوعين"
في أوكرانيا لتوقيع عقود مع القيادة العسكرية في البلاد، في ما يُنظر إليه على
نطاق واسع على أنه وسيلة لتأكيد السيطرة على فاغنر.
وقال بوتين إن
العقود ضرورية للسماح لجميع المشاركين في الحملة الروسية في أوكرانيا بتلقي
مستحقاتهم من مدفوعات الدعم الاجتماعي.
قوة شيشانية
منافسة؟
وفي 12
حزيران/ يونيو الجاري، أعلنت وزارة الدفاع الروسية أنها وقعت عقدا مع مجموعة
القوات الخاصة الشيشانية المعروفة باسم (كتيبة أحمد)، وذلك بعد يوم من رفض يفغيني
بريغوجين مؤسس مجموعة فاغنر العسكرية الروسية الخاصة التوقيع على عقد مماثل.
وجاء التوقيع
بعد صدور أمر ينص على أنه يجب على جميع أعضاء ما تسمى "وحدات المتطوعين"
أن يوقعوا عقودا بحلول الأول من تموز/ يوليو لإخضاعهم لسيطرة وزير الدفاع الروسي
سيرغي شويغو، وذلك في وقت تحاول فيه موسكو إحكام سيطرتها على الجيوش الخاصة التي
تحارب نيابة عنها في أوكرانيا.
وفي المقابل،
سيحصل المقاتلون المتطوعون على جميع المزايا والضمانات التي تحصل عليها القوات
النظامية بما في ذلك تقديم الدعم لهم ولعائلاتهم إذا أُصيبوا أو قتلوا.
خلافات قديمة
في السابع من أيار/
مايو الماضي، أكد بريغوجين أنه تلقى "وعداً" من الجيش الروسي بالحصول على
المزيد من الأسلحة والذخائر، بعدما هدد بسحب قواته من مدينة باخموت الأوكرانية
بسبب نقص في الذخيرة.
وقال بريغوجين
في رسالة صوتية نشرها مكتبه الإعلامي: "هذه الليلة تلقينا أمراً بالقتال
(...). تعهدوا بمنحنا كل الذخيرة والأسلحة التي نحتاج إليها لمواصلة
العمليات".
وهدد بريغوجين
قبل ذلك بسحب مقاتليه من باخموت، مركز القتال في شرق أوكرانيا، بسبب نقص في
الذخيرة اتّهم الجيش بالوقوف خلفه.
ويتّهم بريغوجين
منذ أشهر هيئة الأركان بعدم إمداد مقاتليه بكمية كافية من الذخائر لمنعها من تحقيق
انتصار في باخموت يعجز عنه الجيش النظامي.
كذلك، فإنه طلب الإذن
من موسكو لتسليم مواقع مجموعته في باخموت لقوات الزعيم الشيشاني رمضان قديروف،
احتجاجا على نقص الذخيرة.
واتهم القوات
النظامية الروسية بـ"الفرار" من مواقعها قرب باخموت الأوكرانية.
وقال بريغوجين
في شريط مصور نشر على حسابه عبر تليغرام: "حصل بكل بساطة فرار لوحدات وزارة
الدفاع على أطراف" باخموت، التي تشرف عليها وحدات من الجيش الروسي النظامي
منذ فترة قصيرة.
في وقت سابق من الشهر الجاري، كشف بريغوجين، عن تفاصيل القصف
الأمريكي الذي استهدف رتلا من مقاتلي المجموعة العسكرية في منطقة خشام بريف دير
الزور في سوريا عام 2018، متهما الجيش الروسي بعدم توفير غطاء جوي له.
ونشر صورا لرتل فاغنر المدمر كليا.
وخططت "فاغنر" لقطع الطريق من معمل
كونيكو للغاز، ومقاتلة تنظيم الدولة، ومنع زحف التشكيلات الكردية الخاضعة لسيطرة
الأمريكيين إلى الجنوب السوري.
وذكر بريغوجين أنه ناقش الخطة مع رئيس
هيئة الأركان العامة، ثم مع الضباط على الأرض الذين شاركوا في العملية، وتلقى
وعودا بمرافقة جوية، وحماية من الأرض من منظومة أس-300 وبانتسير.
ووصلت قوات فاغنر إلى خطوط الاشتباك
بعد أن وضعت المدفعية في مواقعها. وبدأت المعركة، لكنها فوجئت بالطيران الأمريكي
يقصفها من السماء مع منتصف الليل.
تجاهل متعمد؟
وفي الـ 28 من أيار/ مايو الماضي قال بريغوجين إنه مقتنع بأن كبار المسؤولين
بالكرملين حظروا نشر أنباء عنه في وسائل الإعلام الرسمية، محذرا من أن هذا النهج
المضلل سيؤدي إلى رد فعل عنيف من الشعب الروسي في غضون أشهر.
واستولت قوات
بريغوجين في وقت سابق هذا الشهر على مدينة باخموت الأوكرانية، لكن التلفزيون الرسمي
قلل من شأن دوره في هذا الإنجاز.
وفي إشارة إلى
المدى الذي يُرى أن بريغوجين بلغه في خرق المحظورات الاجتماعية، فقد تجاهل التلفزيون
الرسمي لمدة 20 ساعة سقوط باخموت ولم يبث خطاب النصر الذي ألقاه بريغوجين.
وعند سؤاله
عن ما بدا أنه حظر على تغطية أخباره في التلفزيون الرسمي، فإن بريغوجين استخدم مجموعة من
الأمثال الروسية للسخرية من المسؤولين: "الممنوع دائما مرغوب".
وأردف: "فاغنر ليست صابونة زلقة اعتاد البيروقراطيون على إلقائها في أنحاء المكان. فاغنر
مثقاب، بل خنجر لا يمكنكم إخفاءه".
وأضاف: "البيروقراطيون رفيعو المستوى، أبراج الكرملين هؤلاء، الذين يحاولون تكميم
أفواه الجميع حتى لا يتحدثوا عن فاغنر لن تكون محاولتهم سوى دفعة أخرى
للشعب".
وقال إن هذا
النهج ستكون له تبعات قوية من الشعب الروسي.
مطالبات بالتحقيق
وفي الـ31 من
أيار/ مايو قال بريغوجين، إنه طلب من الادعاء الروسي التحقيق في احتمال ضلوع مسؤولي
دفاع روس كبار في أي "جريمة" قبل الحرب في أوكرانيا أو أثنائها.
ويمثل طلب بريغوجين
أكبر تحدياته العلنية حتى الآن ضد كبار القادة العسكريين للرئيس بوتين ووزير
الدفاع سيرغي شويغو، ورئيس هيئة الأركان فاليري غيراسيموف.
وقال بريغوجين: "وجهت رسائل إلى لجنة التحقيق ومكتب المدعي العام لروسيا الاتحادية مع طلب
للتحقق من احتمال ارتكاب طائفة من كبار المسؤولين في وزارة الدفاع جريمة في
الإعداد للعملية العسكرية الخاصة وفي تنفيذها".
وأضاف: "هذه الرسائل لن تنشر لأن سلطات التحقيق ستتعامل معها".