أثارت الضربات المستمرة للطيران المسير في مدينة
الزاوية غرب
ليبيا حالة من الجدل والاتهامات المتبادلة في الأوساط السياسية والشعبية الليبية، فبينما تقول حكومة الوحدة الوطنية إنها تلاحق وتستهدف الخارجين عن القانون، استنكر مجلسا النواب والدولة عمليات القصف، وقالا إنها تأتي في سياق تصفية حسابات بين رئيس الحكومة وخصومه السياسيين.
وتقع الزاوية على بعد 40 كيلومترا غربي طرابلس، وهي ثالث أكبر مدن الغرب الليبي من حيث المساحة والسكان، وتقع فيها أكبر مصفاة نفط ليبية، وتنشط فيها منذ عام 2011 عدة عصابات تختص بتهريب الوقود المدعوم، والمهاجرين غير الشرعيين.
وفي إطار إصرار الحكومة على استمرار عملياتها، أعلنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية عن انتهاء المرحلة الأولى من العمليات العسكرية التي استهدفت فيها "مواقع تهريب الوقود والبشر"، معلنة "استمرار العمليات الأمنية والجوية حتى تحقيق أهدافها"، مجددة دعوتها للمواطنين بالابتعاد عن أي مواقع مشبوهة، وذلك قبيل انطلاق المرحلة الثانية من العملية.
وحول إحصائية غاراتها الجوية، قالت الوزارة إنها استهدفت 7 قوارب معدة للاتجار بالبشر، و9 صهاريج لتهريب الوقود، و6 مخازن لتجارة المخدرات والأسلحة، بحسب ما جاء في بيانها.
وأكدت الوزارة دقة عملياتها العسكرية واتباعها لكل الإجراءات الاحترازية لحماية المدنيين، مشيرة إلى أن سلامة المواطنين وممتلكاتهم هي غايتها، وفق تعبيرها.
قلق دولي
وأثارت الغارات الجوية التي استهدفت مدينة الزاوية قلق سفارتي الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، اللّتين دعتا إلى تجنب أي تصعيد في المدينة قد يعرض حياة المدنيين للخطر.
وأعلنت وزارة الدفاع بحكومة الوحدة الوطنية الخميس الماضي عن بدء عمليات القصف في مدينة الزاوية ومدن المنطقة الغربية، ضد ما وصفتها بـ"أوكار عصابات تهريب الوقود، وتجارة البشر والمخدرات، بالمنطقة".
استنكار محلي
وأدان مجلس النواب القصف الجوي الذي تعرضت له مواقع بمدينة الزاوية منذ أيام بواسطة
الطيران المسير، معتبرا أن القصف يتم لتصفية حسابات سياسية وليس لمكافحة الإرهاب.
وقال عقيلة صالح رئيس المجلس، إن "النواب" سيتواصل مع برلمان تركيا ومحكمة الجنايات الدولية بشأن قصف الزاوية.
وفي سياق الاستنكار لعمليات القصف، أعلن رئيس المجلس الأعلى للدولة خالد المشري رفضه القصف الذي طال الزاوية، متهما رئيس حكومة الوحدة الوطنية عبدالحميد
الدبيبة بـ"إرهاب الخصوم" و"تصفية حسابات سياسية".
وتواصلت "عربي21" مع المتحدث باسم حكومة الدبيبة، محمد حمودة، للتعليق على عملية القصف وردود الفعل المتباينة حولها، لكنه رفض التعليق دون ذكر أسباب.
من جهته، قال نائب رئيس المجلس الرئاسي، عبد الله اللافي، إن السفير التركي نفى مشاركة بلاده في قصف الزاوية، وأكد حرص أنقرة على استقرار ليبيا وأمنها.
وفي حين طالب حراك "تصحيح المسار" بالزاوية وزارة الدفاع بحكومة الدبيبة بعدم استغلال مطالبهم بمحاربة أوكار الجريمة في الزاوية والساحل الغربي لتصفية الحسابات السياسية، وشدد على ضرورة أن تكون العمليات الأمنية في عمق أوكار الجريمة والتهريب دون تمييز، وبدعم الغرفة الأمنية المشكلة من رئاسة الأركان.
من جهته، قال الناشط والمحلل السياسي من مدينة الزاوية، محمد الهنقاري، إن "كل مواطن شريف يرحب بالحرب على أوكار عصابات تهريب البشر والمخدرات والوقود في الزاوية، لكن الكارثة تكمن في استغلال هذه الحرب لتصفية حسابات الخصوم السياسيين".
وأكد في حديث لـ"عربي21" أن "هذه الأحداث الأمنية إن انحرفت عن مسارها وأهدافها المقصودة، وهي أوكار الجريمة والمهربين، فربما تنقلب سلبا على الحكومة، وربما تؤدي إلى عودة الحروب مرة أخرى، لذا فالحل يكمن في إجراء حوار، كما أنه يجب التخلص من العصابات السياسية التي ترتع في البلاد فسادا ونهبا وسلبا".
"غياب الرؤية"
في حين رأى الأكاديمي الليبي المتخصص في إدارة الأزمات، إسماعيل المحيشي، أن "أحداث مدينة الزاوية وما ترتب عليها من قصف وتباين الروايات حول الأمر يشير إلى أن حكومة الوحدة برئاسة الدبيبة لم تعد تمثل وحدة وطنية، وأن الدبيبة غير قادر على تسيير أمور الدولة، وليس عنده رؤية أو استراتيجية لمعالجة الأزمات".
في المقابل، قال الصحفي الليبي، موسى تيهو ساي، إن "العملية الجوية ضد المهربين في الزاوية تكتسب تأييدا شعبيا واسعا؛ بسبب ما عانته منطقة الساحل الغربي من ويلات سيطرة المجموعات المسلحة غير المنضبطة منذ سنوات، بما في ذلك إيواء مجرمين ارتكبوا جرائم ضد المواطنين كالخطف والقتل والابتزاز والسطو على الأراضي وغيرها".
وأضاف لـ"عربي21": "لا توجد طريقة لإنهاء سيطرة هؤلاء إلا بالمقاربة الأمنية، لكن الأمر لا يخلو من توظيف سياسي من جميع الأطراف، سواء الدبيبة أو الأطراف الأخرى كالمشري ومجلس النواب من جهة أخرى، لكن إذا نجحت العملية في تحجيم الجريمة بالمنطقة وأعادت الأمن، فإنها ستكون عملا وطنيا في نظر أهالي المنطقة كلهم، لكن التوظيف السياسي قد يحول دون ذلك، وقد يتحول الأمر إلى اصطفاف أمني".
بدوره، قال عضو ملتقى الحوار السياسي، أحمد الشركسي، إن قصف الزاوية يترجم ما اتفق عليه الدبيبة خلال لقاء رئيسة الوزراء الإيطالية مؤخرا بشأن الهجرة غير الشرعية.
وأضاف في تصريحات محلية، إن الدبيبة "يُقدم نفسه على أنه المنقذ الذي سيُنهي الهجرة غير الشرعية، إلا أنه سيخسر كثيرًا بسبب هذه المناورة السياسية التي ستؤجج الانقسام والصراع في الغرب الليبي".
وشهدت مواقع التواصل الاجتماعي، حالة من الجدل والاتهامات للحكومة بتسيسس عمليات القصف، في حين رحب آخرون باستمرارها، في إطار ملاحقة الجريمة والاتجار بالبشر.