مع دخول
الانتخابات التركية مرحلة العدّ التنازلي،
واشتداد المعركة الترويجية هناك، وزخم الجولات المكّوكيّة التي يقوم بها المرشّحون،
أظهرت بعض الشخصيات المعنيّة بالشأن التركي موقفها ورأيها في قائمة المرشحين
الأربعة. واللافت للانتباه في تلك الآراء التي اطّلعتُ عليها إما من خلال الحسابات
الشخصية في منصات التواصل الاجتماعي، أو من خلال التواصل بشكل مباشر مع أصحاب
هاتيك الآراء، أنّ قسماً لا بأس به يؤيد فوز الرئيس التركي رجب طيب
أردوغان، ومن
الجولة الأولى أيضاً، ويعتبرون فوزه هو الحل المناسب لهم ولقضايا بلادهم السياسية،
رغم أنهم كانوا قبل فترة وجيزة من أشد المُبغضين لأردوغان، والكارهين لبقائه وتصدّره
للمشهد السياسي ليس فقط في
تركيا، بل في أغلب قضايا الإقليم.
وأتساءل هنا: ما الذي حدا بهؤلاء إلى الانقلاب على
شرعية رأيهم السابق، الذي نادى بالإطاحة بأردوغان بعد ما اعتبروه أخطاء سياسية
قاتلة محسوبة على أردوغان، ومنهم من عابَ على الرجل سعيه الدؤوب لإعاقة العلاقات
مع النظام السوري، ومنهم من أبدى استياءه واستنكاره الشديدين لوصول العلاقات
التركية الإسرائيلية مرحلة التطبيع الكامل الذي فاقَ مسودات التطبيع العربية
الإسرائيلية، والاستقبال الحافل الذي حظي به الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ في
أنقرة، وحجم الاتصالات بينه وبين أردوغان الذي أدان أكثر من مرة العمليات
الفلسطينية في دولة الاحتلال، بالإضافة إلى ملف اللاجئين، والانضمام إلى الاتحاد
الأوروبي؟ ولم أجد جواباً لهذا التساؤل سوى النقاط التالية:
يدرك هؤلاء القوم، أنّ برنامج المعارضة التركية يفتقر إلى أدنى مقومات السياسة، ولو اطّلعنا على هذا البرنامج لوجدنا فيه نقطة واحدة واضحة المعايير ليس إلّا، وهي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم
أولاً: يدرك هؤلاء القوم، أنّ برنامج المعارضة التركية
يفتقر إلى أدنى مقومات السياسة، ولو اطّلعنا على هذا البرنامج لوجدنا فيه نقطة
واحدة واضحة المعايير ليس إلّا، وهي إعادة اللاجئين السوريين إلى بلدهم، وهذا ما
قاله رئيس الحزب الجمهوري كمال كليتشدار أوغلو الذي تعهد خلال حملته الانتخابية
بإعادة اللاجئين السوريين في غضون سنتين إذا ما فاز بالانتخابات الرئاسية،
مستغلّاً حجم التضييق الهائل على اللاجئين في الآونة الأخيرة، وحالات الاعتداءات
عليهم، حيث جيّش ذلك لمصلحته في الانتخابات، وجعل منهم ورقة مهمة تصب في صالحه، في
الوقت الذي يبدو فيه برنامج حزب العدالة والتنمية أكثر إنصافاً في هذا الملف، حيث
وضعَ الحزب الحاكم بعضاً من المحددات لمسألة إعادة اللاجئين، منها إعادة الإعمار،
والسعي لأخذ تعهّد من النظام السوري بعدم اعتقالهم، وهذا ما قاله وزير الخارجية
التركي مولود تشاويش أوغلو الذي أكد أن تركيا التي تسعى إلى عودة علاقاتها مع
سورية، لن تدخر جهداً في الحفاظ على علاقتها مع المعارضة السورية بشرط إيمان
الأخيرة بالحل السياسي والانخراط في العملية السياسية في سوريا. ولهذا أدركَ
المنتقدون لأردوغان أنّ الملف السوري يبدو أكثر موضوعية عند أردوغان، ولهذا السبب
هم يتمنون اليوم فوزه في الانتخابات.
وكذلك الأمر بالنسبة لبعض اللاجئين السوريين الذي
يشكون من سوء أوضاعهم مؤخراً، والحملة الممنهجة ضدهم من قبل الأمن التركي الذي عمد
إلى ترحيل بعضهم بسبب عدم امتلاكهم بطاقة الكيملك الخاصة بالمدينة التي يقيمون
فيها، لكنّ هؤلاء اللاجئين وبحكم إقامتهم في تركيا لعدة سنوات، أصبحوا على يقين بأنّ
فوز المعارضة التركية في الانتخابات المقبلة سوف يزيد من سوء أوضاعهم، لذلك
يترقبون المشهد هناك وكأنهم على أهبة الاستعداد أكثر من الأتراك أنفسهم.
أمّا في ما يتعلق بالعلاقات التركية الإسرائيلية، فإنّ
كبار الكُتّاب والإعلاميين الفلسطينيين أكدوا أن التطبيع مع الاحتلال الإسرائيلي
مرفوض جملةً وتفصيلاً، أيّاً كان مصدره حتى لو كان المصدر من تركيا الحليفة، وهذا
الرفض كان وما يزال واضحاً في منصاتهم على تويتر وفيسبوك. وقد انضم إلى حملة الرفض
هذه عدد من الصحفيين الأتراك الذين رفضوا هم الآخرون ذلك، ولكنّ الفرق بين هذه
الحالة وحالة التطبيع العربي أنّ تركيا ما تزال تستضيف حركات المقاومة الفلسطينية
ولم تدرجها على لوائح الإرهاب، كما أنّ ذلك يندرج ضمن سياسة صفر مشاكل، التي
انتهجها أردوغان في الآونة الأخيرة، حيث عمدَ إلى تصفية جُل الخلافات مع دول
الإقليم، كالسعودية والإمارات ومصر وسوريا، ولهذا يبدو التطبيع التركي مع الاحتلال
(وهو مُدان قولاً واحداً) أقلّ وطأةً على القضية الفلسطينية..
كارثة الزلزال الذي ضربَ مدن الجنوب التركي، وأوقعَ عشرات الآلاف من الضحايا وحجماً هائلاً في الخسائر، أرخت بظلالها أيضاً على حملة الانتخابات رغم هواجسها الإنسانية.. فأطراف السباق الانتخابي في تركيا يتبادلون الاتهامات اليوم بالتقصير، ولكنْ وبغض النظر عن وجود التقصير أو عدمه، فإنّ حالة الاستنفار القصوى التي فعّلتها الحكومة التركية واضحة للعيان
إنّ كارثة الزلزال الذي ضربَ مدن الجنوب التركي، وأوقعَ
عشرات الآلاف من الضحايا وحجماً هائلاً في الخسائر، أرخت بظلالها أيضاً على حملة
الانتخابات رغم هواجسها الإنسانية.. فأطراف السباق الانتخابي في تركيا يتبادلون
الاتهامات اليوم بالتقصير، ولكنْ وبغض النظر عن وجود التقصير أو عدمه، فإنّ حالة
الاستنفار القصوى التي فعّلتها الحكومة التركية واضحة للعيان، وذلك من خلال
الزيارات الرسمية التي قام بها كبار المسؤولين الأتراك للمناطق المنكوبة، ووجودهم
مع المنكوبين والإصغاء إليهم، وتقديم الدعم اللازم، وبناء البيوت المؤقتة، والمساعدات
العينيّة، وبناء المشافي المتنقلة، وتقديم الدعم الإغاثي، وهذا هو واجب الدولة
الذي وضع بصمته في حملة الانتخابات المُزمع عقدها في 14 أيار/ مايو الجاري.
ويضاف إلى ذلك أنّ أردوغان وعلى مدار عشرين عاماً من
تصدّره للمشهد التركي، أبلى بلاءً حسناً في إيصال تركيا إلى قائمة الدول الكبرى،
سياسياً وعسكرياً واقتصادياً، وذلك مع دخول الدولة مرحلة التطور الملحوظ في صناعة
السيارات والطائرات المقاتلة، وتحسين قدرة المطارات الاستيعابية، وبناء الجسور وتحسين
الطرق، والقدرة السياسية على امتلاك أوراق قوة في جُل القضايا العالمية، لا سيما
الحرب الروسية الأوكرانية، والدور التركي الذي شهد به طرفا القتال هناك، حينما
لعبت تركيا دوراً إيجابياً في اتفاقية الحبوب، وتمكنت هي الوحيدة من جمع وزيرَي
خارجية البلدين المتخاصمَين، الروسي والأوكراني، في مدينة أنطاليا التركية، في
الوقت الذي أبدت دول كبرى في العالم انحيازها الواضح لأحد أطراف القتال هناك،
ناهيك عن حقول الغاز والنفط التي تم اكتشافها في تركيا مؤخراً والتي تسدّ 30 في
المئة من الاحتياجات التركية، ولهذا صدَقَ مَن قالَ مِنْ حملة الجنسية غير التركية:
لو كنتُ تركيّاً لَانتخبتُ أردوغان.