قضايا وآراء

عيد العراقيّين و"المَهْدِيّ المُنْتَظَر" والألغاز السياسيّة!

جيتي
تؤكّد كتب الأثر أنّ عيد الفطر هو يوم الجائزة والسعادة والتسامح، وهي أيّام أكل وشرب وذكر لله، وهذا يؤكّد أنّ الدين الإسلاميّ الحنيف يقرّر بأنّ الإنسان يأخذ نصيبه من الدنيا الفانية، تماما مثلما يسعى للفوز بالآخرة الباقية.

ومع حلول عيد الفطر المبارك، تستمرّ في العراق ألغاز السياسة والديمقراطيّة، ومنذ أكثر من عقدين ونحن في مواجهة فعاليّات غامضة من الأطراف المشاركة أو المقاطعة للملعب السياسيّ، وكأنّهم تقاسموا الأدوار فيما بينهم، ولهذا تتواصل معاناة غالبيّة العراقيّين بسبب البَلْبلة السياسيّة والركود والجفاف الحياتيّ والوطنيّ.

وحينما تُوصف الحياة بالجفاف وتتقلّب في الخيال مئات الصور السلبيّة المليئة بالمعاني المُخيفة والذكريات المُمِيتة والأُحْجيّات الغريبة، فهذا يعني أنّ العيد "السعيد" سيمرّ كمرور بقيّة الأيّام.

وهنالك في العراق، منذ سنوات، حالة مزج كبيرة بين إسقاطات السياسة والدين على حياة الناس، وبالذات في المناسبات التي يفترض أنّها محطّات ورديّة وصافية ومنمّقة ومقامات فرح وسعادة ومنها الأعياد الدينيّة.

ومع ترتيبات العراقيّين للاحتفال بالعيد، برزت أمامهم جُملة من الهموم السياسيّة والمجتمعيّة، وربّما يمكن ذكر آخرها وباختصار شديد.

اللُغْز الأبرز تمثّل بظهور جماعة "دينيّة مُنحرفة" تدّعي أنّ "المَهْدِيّ المُنْتَظَر"، الإمام محمد بن الحسن بن علي (وفقا للمذهب الشيعيّ) هو زعيم التيّار الصدري مقتدى الصدر، ويقال بأنّ بداياتها تعود للعام 2014!

وقبل أيّام، ومع هلال شهر رمضان الماضي، وبداية الاعتكاف في مسجد الكوفة حيث مقرّ الصدر، عاد الحديث ثانية عن جماعة "المَهْدِيّ المُنْتَظَر" (الصدري)، ولخطورة الأمر اضطرّ الصدر ليلة 14 نيسان/ أبريل الحاليّ لتجميد تيّاره لسنة، وغلق حسابه في تويتر.

وبَرّر الصدر قراره بقوله؛ "أن أكون مُصلحا للعراق، ولا أستطيع إصلاح التيّار فهذه خطيئة، وأن أستمرّ في قيادة التيّار وفيه أهل القضيّة وبعض الفاسدين والموبقات، فهذا أمر جَلَل".

وبعد ساعات من بيان الصدر، شهدت محافظة النجف اعتقالات بالجملة لجماعة "أهل القضيّة"، وبينهم زعيمها "حيدر الأمين"، الذي سبق أن أعلن بأنّ "أيّام رمضان الأواخر ستشهد إعلان البيعة للصدر باعتباره الإمام المُنْتَظَر".

ويمكننا قراءة بيان الصدر بأنّه ينطوي على بعض الأبعاد السياسيّة، ومنها تأكيد اعتزال تيّاره للعمل السياسيّ، رغم قرب انتخابات المجالس البلديّة بعد أقلّ من ستّة أشهر.

ولكن، بالمقابل قد تكون هذه الخطوة "الإعلاميّة الصدرية" هي مرحلة تصفية وترتيب لأوراق التيّار، والإقرار لاحقا بدخول الانتخابات المحلّيّة، وربّما الفوز بمجالس مدن الجنوب.

وبعيدا عن الكوفة وحكاية "المَهْدِيّ المُنْتَظَر"، وبعد أقلّ من 48 ساعة، واجهنا لُغْزا جديدا، تمثّل بدخول مجموعة من الشبّان الجهلة والحاقدين لجامع أبي حنيفة في الأعظمية ببغداد، وتطاولوا، عبر تسجيل مصوّر ومنشور، بألفاظ طائفيّة همجيّة على الخليفة الراشد عمر بن الخطاب والإمام أبي حنيفة النعمان، وبعد يومين اعتقلت القوّات الأمنيّة بعضهم، بعد أن تسبّب تصرّفهم بردود فعل شعبيّة كبيرة.

فمَنْ الذي لَقّن هؤلاء للتجاوز على رموز الأمّة، ومحاولة نشر هذه السموم الفكريّة؟

ومعلوم أنّ التطعيم الفكريّ السلبيّ سيعود بالدمار والدم على مَن زرعوه وشجّعوه قبل غيرهم، وحينها لا ينفع الندم.

واللُغْز الأخير، تمثّل بهروب رئيس ديوان الوقف السنّيّ الأسبق "سعد كمبش"، ليلة الثلاثاء الماضي، من داخل مركز شرطة كرادة مريم في المنطقة الخضراء المحصّنة في بغداد، بعد الحكم عليه بأربع سنوات حبس في القضيّة الأولى من مجموع 12 قضيّة.

لُغْز هروب كمبش (بصفقة سرّيّة) أحرج الحكومة وأجهزتها الأمنيّة، ولهذا قرّر رئيسها محمد شياع السوداني غلق مركز توقيف كرادة مريم، ونقل المحكومين لسجون وزارة العدل، وإيداع كبار الفاسدين الموقوفين فيه في مراكز توقيف أخرى.

وبعد ربكة أمنيّة، أعلنت الحكومة، أمس الخميس، اعتقال كمبش بمدينة الموصل، ولكنّ المفاجأة كانت بإعلان وفاته بأزمة قلبيّة بعد دقائق من اعتقاله!

ولا ندري هل وفاته طبيعيّة أم لا، ولكنّ المهم بالموضوع، مَنْ الذي هَرّب كمبش؟ وما هذه الرخاوة الأمنيّة في التعامل مع كبار المتّهمين، بينما هنالك قسوة وحراسات مشدّدة على أبسط المتّهمين؟

هذه الألغاز والتصرّفات المُختلّة والخروقات الأمنيّة المتكرّرة، جزء من الحالة الغامضة بعد العام 2003.

التهوّر في السياسة يؤكّد "انفصام" الانتماء للوطن، وما دخل الحِلْمُ والأناة في التعامل السياسيّ إلا جَمّله، ومن أكبر أدوات السياسيّ الناجح، الصدق والشفافية والوقوف على معاناة الناس وهمومهم.

لقد غرْبلت الحياة العراقيّين وغرْبلوها، وسبروا أغوارها وهمومها، وخرجوا رغم كلّ الأحزان والأتراح، ليعبروا عن أفراحهم وسعادتهم بالعيد.

وظهرت شجاعة الإنسان العراقيّ بتمسّكه الكبير، وربّما الغريب، بالحياة والقيم النبيلة والغد والأمل، وصموده أمام سدود اليأس والقنوط، بل ودخوله مُعترك الصراعات مع المثبّطات والمهلكات والألغاز وخروجه منها، رغم جراحاته، مُنتصرا مزهوّا!

إنّ عيد العراقيّين الأكبر يتحقّق بالعدل والقانون، وبحياة آمنة لا مكان فيها للطالحين والفتّانين والمجرمين.

إنّ صبر العراقيّين سيثمر قريبا، وستشرق عليهم شموس الحرّيّة والعدل والتعليم والصحّة والعمل، وحينها سيكون عيدهم مليئا بالأفراح وخاليا من المنغصات، وممزوجا بالأمل ومعدوما من القنوط، ومغلّفا بالنور وبعيدا عن الظلم والظلام.

twitter.com/dr_jasemj67