نشرت صحيفة "
واشنطن بوست" مقالا للزميل الزائر المختص بالدبلوماسية الدولية في معهد بروكينغز، جيفري فيلتمان، قال فيه إن من المحزن أن العنف الذي اندلع في 15 نيسان/ أبريل، وهو الآن ينتشر بين أقوى اثنين من جنرالات
السودان وقواتهما، كان متوقعا.
واعتبر الكاتب أن زواج المصلحة بين أميري الحرب - المبني على الازدراء المشترك لتطلعات المدنيين السودانيين الديمقراطية - انهار وتحول إلى معركة الفائز يأخذ كل شيء من أجل السيادة حيث يكون المدنيون هم الأضرار الجانبية.
وأضاف أن الأمور لم تبدأ على هذا النحو، لكن في أعقاب الثورات الشعبية التي أطاحت بالديكتاتور عمر البشير في عام 2019، قام عبد الفتاح
البرهان، قائد القوات المسلحة السودانية ومحمد حمدان دقلو (المعروف باسم
حميدتي)، قائد قوات
الدعم السريع شبه العسكرية، بتجاوز البيروقراطية والعرقية من خلال إقامة قضية مشتركة.
ولسوء الحظ، كانت شراكتهم مبنية على تقويض وتأخير وعرقلة انتقال السودان إلى حكم مدني ديمقراطي. فقد سعى الاثنان إلى التهرب من المساءلة عن الجرائم التي تعود إلى الإبادة الجماعية في دارفور والمذبحة الأخيرة التي راح ضحيتها أكثر من 120 متظاهرا غير مسلح في حزيران/ يونيو 2019. وفوق كل شيء، استند ترتيبهم إلى الفهم المشترك بأن
الجيش السوداني لن يخضع أبدا للمساءلة المدنية.
وقال إنه إن لم يتم اتخاذ قرار حتى اليوم بشأن أي الجنرالين سينتهي به المطاف في القمة بمجرد تهميش المدنيين بشكل دائم.
فبالنسبة للجيش السوداني وقوات الدعم السريع، كانت الشراكة ناجحة للغاية أثناء استمرارها. لقد تظاهروا بأنهم شركاء للأطراف المدنية السودانية بينما كانوا يزرعون ويستغلون مشاحناتهم.
كما أنهم أرضوا الشركاء الدوليين الذين يدعمون الحكومة الانتقالية المدنية - العسكرية. وتظاهروا بأنهم لاعبون مسؤولون على المسرح العالمي من خلال التعهد بالمشاركة في عمليات مكافحة الإرهاب أو عن طريق الرسائل المعبرة عن دعمهم لاتفاقات أبراهام وتطبيع العلاقات مع إسرائيل.
وظلت لجان المقاومة السودانية البطولية - حركات الاحتجاج اللامركزية التي لا تعرف الكلل والتي كانت المحرك الأساسي للإطاحة بالبشير - تشك عموما في الجنرالات، لكن المجتمع الدولي تبنى ما أقنعنا أنفسنا به، وأن النهج الواقعي الوحيد هو التعامل مع أمراء الحرب أنفسهم، كما يقول.
وكانت القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع راسخة في جميع جوانب الحياة السودانية، وكان حميدتي على وجه الخصوص يثري نفسه، بما في ذلك من خلال مخططات التعدين مع الروس.
وقال الكاتب: "لقد تجنبنا العواقب الصارمة لأفعال الإفلات من العقاب المتكررة التي كان من الممكن أن تؤدي إلى تغيير في الحسابات. وبدلا من ذلك، لقد قمنا باسترضاء واستيعاب أمراء الحرب بدون تفكير. اعتبرنا أنفسنا براغماتيين. ولكن الإدراك المتأخر قد يصف هذا بشكل أكثر دقة بأنه تفكير بالتمني".
ويذكر فيلمان أنه في 24 تشرين الأول/ أكتوبر 2021، و"خلال فترة ولايتي كأول مبعوث خاص للولايات المتحدة للقرن الأفريقي، عقدت أنا وفريقي، جنبا إلى جنب مع الدبلوماسيين الأمريكيين من سفارتنا، سلسلة من الاجتماعات لمعالجة ما أصر البرهان وحميدتي على أنها مخاوفه مع الترتيبات الانتقالية. وفي جلسة ختامية ضمت كلا من الجنرالين ورئيس الوزراء المدني عبد الله حمدوك، قدمنا أفكارا لتخفيف التوترات ومعالجة بعض مخاوف الجنرالين على أمل تجديد الزخم وراء الشراكة المدنية العسكرية في قلب العملية. وقد وافق الجنرالين وحمدوك على الخطة التي اقترحناها".
و"بعد خمس ساعات، على الرغم من دعم الولايات المتحدة للتسويات التي يفضلونها (بما في ذلك عندما يتحول رئيس الحكومة الانتقالية من عسكري إلى مدني)، قام الجنرالات بانقلاب واعتقلوا حمدوك وحكومته وعشرات آخرين. لقد حاولنا العمل مع الجنرالين بحسن نية. أظهر عملهم أنهم لم يقصدوا أبدا الرد بالمثل. منذ ذلك الحين، كرر التاريخ نفسه مرارا: تعهدت قيادة القوات المسلحة السودانية وقوات الدعم السريع بالتزامات فقط لتقوم بكسرها لاحقا".
وفي الآونة الأخيرة، قامت الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي والهيئة الحكومية الدولية للتنمية (إيغاد) بتسهيل المناقشات بشأن تشكيل حكومة مدنية. ساعدت الرباعية - الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والسعودية والإمارات - في التوسط في اتفاقية إطارية لتحقيق هذه الغاية. وشارك الاتحاد الأوروبي والنرويج وغيرهما.
يمكن للمرء أن يناقش ما إذا كان تشكيل حكومة مدنية في أوائل نيسان/ أبريل، كما كان مخططا من خلال هذه المناقشات، سيكون ذا مصداقية كافية في نظر لجان المقاومة. لكن هذا كله في الماضي الآن. فقد قصر الجيش السوداني وقوات الدعم السريع أي نقاش بالتخلي عن المفاوضات وملاحقة بعضهما البعض بدلا من ذلك. وحتى كتابة هذه السطور، فيبدو أن البرهان وحميدتي يخوضان معركة حتى الموت.
وبسرعة مثيرة للإعجاب، اتفق القادة الإقليميون على إرسال فريق من ثلاثة رؤساء دول إلى الخرطوم. ويعرف جيران السودان أنه حتى لو كان الضحايا الرئيسيون للاقتتال بين البرهان وحميدتي هم السكان المحاصرون في السودان، فإن المنطقة أيضا ستعاني في حالة اندلاع حرب أهلية شاملة. كما أن جامعة الدول العربية طالبت بوقف إطلاق النار.
يمكن للمرء أن يتوقع أن يرغب الاتحاد الأفريقي والأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة في دعم هذه المبادرة. سيكون هذا الدعم ضروريا. ولكن بالنظر إلى أن سمعة المجتمع الدولي قد شوهت بشدة بسبب إصراره على العمل مع نفس الجنرالين المسؤولين عن أعمال العنف الأخيرة، فسيتعين على المنطقة أن تأخذ زمام المبادرة.
إن أكبر ضرر يمكن أن يلحق بالشعب السوداني، وسلامة السودان كدولة ذات سيادة، وأمن جيران السودان، والسلم والأمن الدوليين، هو السماح للمفاوضات بين المتحاربين بالتوصل إلى حل وسط معتمد دوليا مرة أخرى يقوم بتقاسم السلطة. يجب أن يكون واضحا الآن على الأقل أن البرهان وحميدتي ليسا إصلاحيين – وليسا قابلين للإصلاح أبدا.
على أي حال، لن يكون وقف إطلاق النار الهش الذي يقوم على تقاسم السلطة بين أمراء الحرب مستقرا. ليس من السهل تجاهل تطلعات الشعب السوداني إلى الديمقراطية والحكم المدني. وحتى في ذروة شراكة برهان وحميدتي، لم تهزم القوة الغاشمة لجان المقاومة.
حتى الآن، يواجه المدنيون في السودان جبهة موحدة في البرهان وحميدتي. وبافتراض استمرارها، فمن المتصور أن سلطة مدنية ستكون قادرة بشكل أفضل على مواجهة جهاز أمني من المحتمل أن يكون منقسما ومهشما أقل قدرة أو استعدادا لفرض حكمه. قد تكون هذه النتيجة غير مرجحة. لكنها بصيص الأمل الوحيد الذي يمكن للمرء أن يجده في هذه المأساة الفظيعة.