كثف
المسؤولون الأمريكيون من زياراتهم واتصالاتهم مع ولي العهد السعودي، الحاكم الفعلي
للمملكة، محمد بن سلمان، لبحث ملفات عديدة أبرزها حرب اليمن وإيران.
وتأتي
التحركات الأمريكية بعد أن استشعرت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، خطر تراجع نفوذها في منطقة
الخليج، عقب توجه
السعودية نحو تنويع شركائها الاستراتيجيين وعلى رأسهم
الصين، ما
دفع واشنطن إلى إعادة تنشيط تحالفها مع الرياض.
واستقبل
ولي العهد السعودي، في الأسبوع الثاني من شهر نيسان/ أبريل الجاري، خمسة مسؤولين
أمريكيين عن البيت الأبيض والكونغرس، ما يمثل إنزالا دبلوماسيا لتدارك تراجع
النفوذ الأمريكي في المنطقة لحساب الصين، وفق "الأناضول".
وفي
13 و14 نيسان/ أبريل الجاري، زار السعودية منسق مجلس الأمن القومي الأمريكي للشرق
الأوسط وشمال أفريقيا بريت ماكغورك، والمنسق الرئاسي الخاص للبنية التحتية وأمن
الطاقة آموس هوكستين.
وبحث
الوفد الأمريكي مع ولي العهد السعودي "عدة موضوعات، من بينها إيران، والخطوات
الرامية لإنهاء الحرب في اليمن".
وفي الـ12 من الشهر الجاري، استقبل ولي العهد السعودي مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، أي
قبل يوم من وصول الوفد الأمريكي للبلاد، واستعرض المسؤولان "الجهود
الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن"، وفق موقع البيت الأبيض.
ورأت
"الأناضول" أن واشنطن تلقي بثقلها الدبلوماسي في الملف اليمني، لكن الجانب
الاقتصادي يشكل أولوية أخرى للأمريكيين، الذين لا يريدون أن يستحوذ الصينيون على
أغلب الصفقات مع السعودية.
وأوضحت
الوكالة أن الحديث لم يعد عن استعادة دفء العلاقات السعودية الأمريكية كما كانت في
عهد الرئيس السابق دونالد ترامب، بل الانتقال إلى "المستوى التالي" من
العلاقات الاقتصادية.
وبينت
أن ضغوط واشنطن على الرياض، خاصة في ملفي حقوق الإنسان وزيادة إنتاج النفط، لم
تُجد نفعا مع ابن سلمان، لذلك تغيرت لهجة الأمريكيين، وتحولوا نحو خطاب أكثر
براغماتية.
ورأت
أن اقتراب الرياض من المعسكر الشرقي لم يخفف فقط من الضغوط الأمريكية على السعودية،
بل دفع واشنطن للركض نحوها، حتى لا تفقد حليفا استراتيجيا يمكن أن يشكل تهديدا على
زعامتها الدولية إذا ما تحالف مع قوى معادية لها مثل الصين وروسيا.
وأكدت
أن نجاح الصين في تحقيق مصالحة بين السعودية وإيران، شكل صدمة لواشنطن، التي
لطالما اعتبرت نفسها الضامن التاريخي لأمن دول الخليج، وهذه المصالحة لن تعزز
النفوذ الصيني في الخليج فقط، لكنها تجعل السعودية أقل احتياجا للولايات المتحدة
في حماية أمنها القومي.
وبدأت
السعودية تنحو نحو الشرق، من خلال موافقة مجلس الوزراء للانضمام إلى "منظمة
شنغهاي للتعاون" التي تقودها الصين، وتقدمها بطلب الانضمام إلى منظمة
"بريكس" التي تقدم نفسها بديلا عن مجموعة السبع.
ولوحت
السعودية بتسعير جزء من صادراتها النفطية باليوان الصيني، ما يهدد هيمنة الدولار
الأمريكي كعملة تداول تجاري واحتياط، بعدما لعبت دورا في استقراره وعدم انهياره في
العام 1971، عقب تخلي واشنطن عن ربطه بالذهب، وتسعير السعودية ودول الخليج للنفط
بالدولار حصرا.
وبحسب
"الأناضول"، فإن السعودية لم تكتف بلعب كل هذه الأورق للي ذراع الرئيس
الأمريكي جو بايدن، الذي تعهد في حملته الانتخابية بجعلها دولة منبوذة، بل ذهبت
أبعد من ذلك عندما استقبلت وزير خارجية النظام السوري فيصل المقداد، بمدينة جدة،
في مساعي لإعادة دمشق إلى الجامعة العربية، على عكس رغبة واشنطن.
ومنحت
هذه المواقف السعودية أكثر استقلالية عن الولايات المتحدة، التي لم تتمكن من عزلها
دوليا، بفضل تمتين الرياض علاقاتها مع الصين وتعاونها مع روسيا خاصة ضمن
"أوبك+"، وسعيها لتصفير أزماتها مع إيران والحوثيين، والنظام السوري،
وقطر، وتعزيز علاقاتها مع تركيا والجزائر.
فالخروج
من مستنقع حرب اليمن من شأنه أن يسمح للسعودية بتركيز جهودها على تحقيق "رؤية
2030"، وبناء مدن المستقبل، والتحرر من التبعية للنفط، بهدف الوصول إلى
تريليون ريال (266 مليار دولار) صادرات غير نفطية بحلول عام 2030.
وبينت
"الأناضول" أن الولايات المتحدة ليست مستعدة للتفريط في صفقات ضخمة
توفرها السوق السعودية، التي حققت العام الماضي 326 مليار دولار عائدات نفطية، و71
مليار دولار صادرات غير نفطية، وفائضا تجاريا بنحو 222 مليار دولار، ونسبة نمو هي
الأكبر بين دول مجموعة العشرين (8.7 بالمئة).