اندلعت في
السودان، السبت، اشتباكات بين الجيش وقوات "الدعم السريع" التي زعمت سيطرتها على عدد من المقرات والمواقع الاستراتيجية في العاصمة
الخرطوم، وهو ما نفاه
الجيش السوداني.
واتهم الجيش السوداني، السبت، قوات "الدعم السريع" بالهجوم على قواته بجوار المدينة الرياضية جنوبي العاصمة الخرطوم، واصفا إياها بـ"المتمردة".
وأضاف الجيش في بيان: "الاشتباكات الآن تدور بين قواتكم المسلحة وقوات الدعم السريع المتمردة في المواقع الاستراتيجية".
وأردف: "قوات الدعم السريع المتمردة تنشر الأكاذيب باعتداء قواتنا عليها لتغطي على سلوكها المتمرد".
من جانبها، قالت "الدعم السريع" في بيان، إنه "امتدادا للهجوم الذي تعرضت له قوات الدعم السريع المتمركزة في مقرها بأرض المعسكرات سوبا جنوبي الخرطوم فإن القوات المسلحة هاجمت في وقت متزامن مواقع ومقرات قواتنا في الخرطوم ومروي ومدن أخرى جاري حصرها".
واستطرد: "قامت قوات الدعم السريع بالدفاع عن نفسها والرد على القوات المعادية وكبدتها خسائر كبيرة وتمكنت من السيطرة على مطار وقاعدة مروي، وطرد المعتدين على مقر القوات بأرض المعسكرات سوبا والسيطرة على مطار الخرطوم".
حميدتي يزعم السيطرة على 90 بالمئة من المناطق العسكرية.. الجيش ينفي
من جانبه، زعم قائد قوات الدعم السريع،
محمد حمدان دقلو "حميدتي"، أن
قواته تسطير على 90% من المناطق العسكرية في السودان، وإنها دخلت إلى المقر
العام للقوات المسلحة، الأمر الذي نفاه الجيش السوداني.
وتابع حميدتي بحسب ما جاء على القناة الرسمية لقوات الدعم السريع على تلغرام، بأنه يتحدث من أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة مؤكدا أن المفتش العام، وعددا من الضباط
انضموا إلى قوات الدعم السريع.
وعن الجنود المصريين المحتجزين في
قاعدة مروي الجوية، قال حميدتي إنهم "في الحفظ والصون"، وإن قواته
مستعدة للتعاون مع الحكومة المصرية من أجل تأمين عودتهم.
ولفت إلى أن الكتيبة المصرية في مروي
ليست عدوا، وإنها استسلمت دون مقاومة.
وعن دوافع القتال ضد قوات الجيش، قال حميدتي
إنهم أجبروا على القتال، وإن قواته لن تستسلم، وإن ما يحدث هو ثمن للديمقراطية من
أجل تسليم السلطة للشعب.
ولفت إلى أن قواته تملك مخزونا كبيرا
من الأسلحة والذخائر، إلى جانب السيطرة على أكثر من 200 مدرعة.
بدورها قالت رئاسة أركان القوات المسلحة إنها لن تتفاوض أو تحاور قوات الدعم السريع قبل حل الميليشيا "المتمردة".
ونفى الجيش تأكيدات قوات الدعم السريع بأنها سيطرت على القصر الرئاسي ومقر إقامة قائد الجيش ومطارات في الخرطوم ومدينة مروي في الشمال.
كما نفت الصفحة الرسمية للجيش على فيسبوك سيطرة قوات الدعم السريع على عدد من الأماكن التي زعمت قوات حميدتي السيطرة عليها، إلى جانب الطلب من المواطنين عدم المشاركة بالقتال.
ونشرت الصفحة صورة لحميدتي وكتبت إلى جانبها "مجرم هارب نناشد جميع المواطنين بعدم التعامل معه والتبليغ عنه وعن مليشياته".
وقالت صفحة جهاز المخابرات العامة السوداني على فيسبوك، إن القائد العام للقوات المسلحة أصدر قرارا بحل قوات الدعم السريع.
كما أظهرت مقاطع ليلية مصورة لا يمكن التأكد من وقتها، قائد الجيش، عبد الفتاح
البرهان يتجول بين قواته ويوجه لهم التحية.
وقالت صفحة الجيش على فيسبوك إن القوات الجوية ستنفذ عمليات "مسح" للمناطق التي يتواجد فيها عناصر الدعم السريع، طالبة من المواطنين التزام المنازل.
في وقت سابق، قال قائد الجيش الفريق أول ركن عبد الفتاح البرهان لقناة الجزيرة إنهم إذا استمعوا لصوت العقل فسوف يعيدون قواتهم التي جاءت إلى الخرطوم ولكن إذا استمر الأمر "سنضطر" إلى نشر قوات داخل الخرطوم "من مناطق مختلفة".
وفي وقت سابق السبت، شهدت الخرطوم اشتباكات مسلحة بين قوات من الجيش وقوات الدعم السريع، حيث تبادل الطرفان الاتهامات ببدء القتال.
ووصف الجيش قوات الدعم السريع بـ"المتمردة"، متهما إياها بـ"نشر الأكاذيب باعتداء قواتنا عليها للتغطية على سلوكها المتمرد".
وأثرت خلافات الجيش والدعم السريع على توقيع الاتفاق النهائي للعملية السياسية في السودان، الذي كان مقررا في 5 أبريل/ نيسان الجاري، قبل إرجائه "إلى أجل غير مسمى".
جنرالان يتصارعان على السلطة
بعد الإطاحة بالرئيس عمر البشير في
السودان العام 2019، احتدم الصراع على السلطة بين العسكريين والمدنيين. وبات
جنرالان يتنازعان على السلطة: الفريق أول عبد الفتاح البرهان ونائبه محمد حمدان
دقلو المعروف بحميدتي.
كان الأول قائد القوات البرية في عهد
البشير وصار قائدا للجيش النظامي. وأسّس الثاني قوات الدعم السريع معتمدا على
الميليشيات التي خاضت حربا دامية في إقليم دارفور.
أثناء انقلاب الخامس والعشرين من تشرين
الأول/أكتوبر 2021 كانا حليفين. فقد ظهر البرهان على التلفزيون ليعلن إبعاد
المدنيين من السلطة ودعم دقلو.
ولكن شيئا فشيئا، بدأ الصراع بينهما
يطفو على السطح.
أخيرا خرج حميدتي ليصف علنا الانقلاب
بأنه "خطأ" أدى الى "إعادة تنشيط الفلول"، في إشارة الى أنصار
نظام البشير. وأكدّ البرهان من جهته أن تحركه كان "ضروريا لإشراك مزيد من
القوى السياسية في إدارة الفترة الانتقالية".
من أطلق الرصاصة الأولى؟
يتبادل حميدتي والبرهان اللوم حول من بدأ القتال في السودان، حيث قال الأول إنه أجبر على القتال، فيما يقول الثاني إن قوات الدعم السريع "تمردت".
وتعهد حميدتي بمواصلة القتال، وتسليم البرهان للعدالة، وتسليم السلطة للشعب، فيما قالت القوات المسلحة إنها لن تحاور أو تفاوض حميدتي قبل حل "المليشيا" التي يقودها.
حميدتي الداهية والمقاتل الماهر
صعد حميدتي، من بدايات متواضعة ليصبح
زعيما لجماعة الجنجويد المسلحة التي أثارت الخوف في النفوس وسحقت تمردا في دارفور،
ليكتسب لنفسه نفوذا وفي نهاية المطاف دورا بوصفه ثاني أقوى رجل في البلاد وأحد
أثريائها.
أدى حميدتي دورا بارزا في السياسة
المضطربة في السودان على مدى عشر سنوات ساعد خلالها في الإطاحة بالرئيس عمر البشير
عام 2019، والذي كانت تربطه به علاقة وثيقة ذات يوم. ثم قام لاحقا بإخماد احتجاجات
السودانيين الطامحين إلى الديمقراطية.
ومع توليه منصب نائب رئيس الدولة، تولى
حميدتي، تاجر الجمال السابق والحاصل على قدر قليل من التعليم الأساسي، عددا من أهم
الحقائب الوزارية في السودان بعد الإطاحة بالبشير، بما في ذلك الاقتصاد المنهار
ومفاوضات السلام مع جماعات متمردة.
ويستمد الكثير من نفوذه من قوات الدعم
السريع التابعة له والتي أتقن مقاتلوها خبرة حروب الصحراء في منطقة دارفور لكنهم
يفتقرون إلى انضباط الجيش النظامي.
حمل حميدتي السلاح لأول مرة في منطقة
غرب دارفور بعد أن قتل رجال هاجموا قافلته التجارية نحو 60 شخصا من عائلته ونهبوا
الجمال، وفقا لما ذكره محمد سعد المساعد السابق لحميدتي.
وانتشر الصراع في دارفور منذ عام 2003
بعد أن ثار متمردون معظمهم من غير العرب ضد الحكومة.
وشكل حميدتي الرجل طويل القامة ذو
الشخصية المهيبة، ميليشيات موالية للحكومة من رجال قبائل عربية، يعرفون محليا باسم
الجنجويد، وذلك قبل أن تتحول تلك الميليشيات إلى قوات الدعم السريع الأكثر تنوعا.
اتهمت المحكمة الجنائية الدولية البشير
ومسؤولين آخرين بارتكاب جرائم إبادة جماعية وجرائم ضد الإنسانية في دارفور بدأت في
عام 2003. وأدى الصراع إلى مقتل نحو 300 ألف شخص وتشريد 2.7 مليون. ولم توجه أي
تهم إلى حميدتي.
وتقول مصادر سودانية مطلعة إنه عندما
أراد البشير أن يحتمي من خصومه خلال فترة حكمه التي استمرت 30 عاما، اختار حميدتي
لهذا الدور. ومع إعجابه بدهاء حميدتي ومهاراته القتالية، اعتمد البشير عليه في
التعامل مع المتمردين على الحكومة في صراع دارفور وفي أماكن أخرى في السودان.
كما أقام حميدتي صداقات قوية في
المملكة العربية السعودية والإمارات العربية المتحدة بعد أن أرسل قوات الدعم
السريع لدعمهم ضد الحوثيين المتحالفين مع إيران في الحرب اليمنية.