نشر
"معهد واشنطن"، محتوى جلسة استشرف فيها عدد من الباحثين مستقبل العلاقة
بين الولايات المتحدة والعراق بعد عشرين عاما من غزو نظام الرئيس الراحل صدام
حسين.
وتطرق
باحثو المعهد خلال الجلسة لمناقشة إرث الحرب والتحديات الحالية التي تواجه
العراق
والمسار الواجب لتطوّر السياسات الأمريكية إزاء ذلك.
وناقش
الباحثون الأوضاع في العراق مع الجنرال الأمريكي المتقاعد ديفيد بترايوس، الذي كان
الإرث النهائي الذي خلّفه الانخراط الأمريكي في العراق على مدى العقدين قائد
"القيادة المركزية الأمريكية" و"القوة متعددة الجنسيات في
العراق".
وأكد بترايوس، أنه لا يزال من السابق لأوانه كتابة الإرث النهائي الذي خلّفه الانخراط الأمريكي في العراق على مدى العقدين الماضيين، ولكنه حتماً لم يرقَ إلى مستوى التطلعات الأمريكية.
وفي
ما يأتي النص الكامل للجلسة التي نشرها "معهد واشنطن":
ديفيد
بترايوس
لا
يزال من السابق لأوانه كتابة الإرث النهائي الذي خلّفه الانخراط الأمريكي في
العراق على مدى العقدين الماضيين، ولكنه حتماً لم يرقَ إلى مستوى التطلعات
الأمريكية، ولا تزال هناك تحديات داخلية مختلفة في ظل حكومة رئيس الوزراء الحالي
محمد شياع السوداني. وينطوي الكثير من هذه المشاكل على مواجهة العوامل المتضاربة
التي تحاول تمزيق البلاد، بما فيها النفوذ الإيراني والتوترات بين بغداد
و"حكومة إقليم كردستان"، فضلاً عن تنامي الاستياء بين الشباب. وفي الوقت
نفسه، لا تزال الحكومة غير قادرة على توفير خدمة الكهرباء بشكل كامل لسكانها على
الرغم من كونها واحدة من كبرى الدول المصدرة للنفط.
لقد
كانت معظم أخطاء أمريكا السابقة في العراق على المستوى العسكري، من بينها أكبر
خطأين: تفكيك الجيش، ودفع عملية اجتثاث حزب "البعث". ومع ذلك، يبقى من
المصلحة القومية للولايات المتحدة الحفاظ على وجودها العسكري هناك ومواصلة
انخراطها في البلاد. فالاستقرار أمر حيوي في بلد متعدد الأعراق كالعراق، وفقدانه
قد يسفر عن تداعيات تمتد إلى بلدان أخرى. والأهداف الرئيسية اليوم واضحة، وهي:
مواصلة محاربة القوى التي تحاول تمزيق البلاد، ومساعدة الحكومة المركزية على تحسين
قدرتها على تخصيص الموارد، ومنع الأراضي العراقية من أن تصبح مجدداً حاضنة
للمتطرفين الإسلاميين.
وفي
الماضي، نجحت حركة "الصحوة" في العراق لأنها ركزت على المصالحة مع
البعثيين السابقين والسُّنة والشيعة على حدٍّ سواء. وقد بدأت هذه العملية في
الموصل، المحافظة الوحيدة التي كانت تملك فيها الولايات المتحدة صلاحية محاولة
القيام بمثل هذه المبادرة. وكانت هذه أيضاً أول شراكة عسكرية أمريكية مع قوة محلية
لهزيمة تنظيم "القاعدة" - وهي نموذج استُخدم لاحقاً لهزيمة تنظيم
"الدولة الإسلامية". ومع ذلك، فلم تحقق الولايات المتحدة نفس القدر من
النجاح ضد المليشيات المدعومة من إيران. وفي حين تمكّنت من تدمير بعض عناصر هذه
التنظيمات في وقت مبكر في النجف والبصرة ومدينة الصدر، وإرغامها على الاستسلام
ووقف إطلاق الصواريخ على المنطقة الخضراء لبعض الوقت، إلا أن هذه المليشيات انضوت
منذ ذلك الحين تحت جناح الحكومة.
ومن
الناحية المثالية، فإن بإمكان الولايات المتحدة استخدام علاقاتها العسكرية
والدبلوماسية الحالية مع العراق للمساعدة في بناء علاقة اقتصادية. لكن يجب أن تكون
هذه الرغبة متبادلة. بالإضافة إلى ذلك، فإنه لا يمكن القيام باستثمارات كبيرة إلا بعد
أن يصبح العراق قادراً على إعطاء الضمانات بشأن سيادة القانون، ونزاهة الحكومة،
والأهم من ذلك، الوضع الأمني.
وفي ما
يتعلق بدور العراق في منافسة القوى العظمى، فلا بد من أن تبقى الولايات المتحدة
منخرطة في المنطقة ككل، لأن ذلك يساعد على تحديد المستوى المناسب من الاهتمام
والاستثمار اللازمين للعراق. ومن أجل منع المشاكل في الشرق الأوسط واحتوائها بشكل
أفضل، ينبغي النظر إلى "التحول" نحو آسيا على أنه بمثابة "إعادة
توازن".
خلال
السنوات العشرين المقبلة، ستتطلب هذه العلاقة شعوراً متجدداً بالمسؤولية، وهو ما
كان مفقوداً على مدى العقد الماضي تقريباً. وقد تكون رئاسة السوداني للوزراء نقطة
تحول في هذا الإطار. وعلى أي حال، فلا يزال الأمريكيون الذين شاركوا في هذا المشروع
على مدى العقدين الماضيين متفائلين.
بلال
وهاب
على
الرغم من أن بعض المشاكل التي يعاني منها العراق منذ عام 2003 لا تزال قائمة حتى
اليوم، إلا أن التحديات الرئيسية التي يواجهها تطال المرحلة المقبلة: وعلى وجه
التحديد، الفساد والميليشيات وتغير المناخ. فقد أصبح العراقيون ينظرون إلى الفساد
على أنه تهديد للأمن القومي، وقد حققت الولايات المتحدة بعض النجاح في معالجته.
على سبيل المثال، ضغطت وزارة الخزانة الأمريكية و"الاحتياطي الفيدرالي"
("البنك المركزي الأمريكي") بشكل فعال على "البنك المركزي"
العراقي للتخلص من نظام مزادات الدولار بما ينطوي عليه من فرص للفساد، والذي كان
يكلف البلاد في السابق ما بين 241 و 312 مليار دولار من الأموال المغسولة.
على
صعيد المناخ، يزيد العراق المشكلة سوءاً مع حرق الغاز بكميات كبيرة، وهو ما تحث
واشنطن على وقفه. فإلى جانب المساهمة في تغير المناخ، تتسبب هذه الممارسة بالهدر
وتُبقي البلاد معتمدة على واردات الغاز والطاقة من إيران. وفي هذا الإطار، من شأن
تكريس المزيد من الاهتمام والضغط لهذه القضية أن يساعد في دفع الاقتصاد العراقي
إلى الأمام.
مايكل
نايتس
إن
المسار الحالي للعراق مثير للقلق. ففي الماضي، استغلت الأطراف الخبيثة فترات
الهدوء للعمل من الظل وتفريغ الدولة، واليوم يتكرر هذا الأمر بشكل أكبر من أي وقت
مضى. فقد شهد العراق على مدى الأشهر الثمانية عشر الماضية تغييراً فعلياً في
النظام، بحيث ألغيت نتائج انتخابات عام 2021، وتم تسييس القضاء بالكامل، واكتسبت
المليشيات سلطة واسعة. وقد تجلت المشكلة الأخيرة مؤخراً في تشكيل "شركة
المهندس للإنشاءات"، وهي تكتل تسيطر عليه المليشيات، ويهدف إلى استنزاف
الدولة العراقية حتى الرمق الأخير من خلال الحصول على الأراضي دون أي كلفة
والاستفادة من المزايا التجارية غير المسبوقة.
لقد
وصف الجنرال بترايوس نظام
صدام حسين بأنه "(كان) مستفحلاً بالفساد
واستبدادياً وقاتلاً". والمؤسف هو أن هذا الوضع يعاود الظهور مجدداً في ظل
شكل جديد من أشكال الدكتاتورية. فالعراق الذي غزته الولايات المتحدة عام 2003 كان
يفتقر إلى أي أمل في إجراء انتخابات ديمقراطية، وكانت حرية التعبير فيه شبه معدومة،
بينما تم نفي المعارضة إلى حد كبير إلى خارج البلاد. واليوم تعود هذه الاتجاهات
بكامل طاقتها، ولن يؤدي استيلاء المليشيات على النظام القضائي إلا إلى تسريعها.
فالمليشيات تقضي على أسس العراق بشكل أسرع من أي وقت مضى، وهذا خطر يسهل التغاضي
عنه لأن الواجهة الجميلة لحكومة السوداني جذابة للغاية. وإذا استمرت الاتجاهات
الحالية، فالصورة التي سيتم رسمها في الذكرى الخامسة والعشرين للغزو ستكون أكثر
سلبية بكثير من تلك التي يتم رسمها اليوم.
ومبدئياً،
تملك الولايات المتحدة الأصدقاء الذين تستحقهم في العراق. وفي حين تجيد الحكومة
الأمريكية شرح الفوائد المتعددة للصداقة الأمريكية، فإنها فاشلة جداً في
الاستفادة من هذه الفوائد. وعادةً ما يتمتع شركاء الولايات المتحدة بهذه الفوائد
بغض النظر عن كيفية تصرفهم. وفي الوقت الحالي، يبحث كل أصدقاء أمريكا تقريباً في
العراق عن أصدقاء جدد في الوطن، وغالباً ما يكون هؤلاء الأصدقاء الجدد مليشيات
مدعومة من إيران. من هنا، ينبغي أن تستخدم واشنطن مزاياها الهائلة - لا سيما في ما
يتعلق بالقدرات الاستخباراتية - بطرق أكثر ابتكاراً لإيذاء أولئك الذين يتصرفون
بشكل سلبي ومساعدة أولئك الذين يتصرفون بشكل إيجابي. ويمكنها الانطلاق من قرار
رئاسي يحظى بقبول الإدارة الأمريكية بأجمعها ويسمح باتخاذ إجراءات سرية لمواجهة
نمو المليشيات المدعومة من إيران - ليس فقط في العراق، ولكن أيضاً في اليمن.
آنا
بورشيفسكايا
لاحظ
العراقيون تحول تركيز واشنطن من مكافحة الإرهاب إلى المنافسة بين القوى العظمى على
مر السنين، لا سيما عندما تسبب ذلك في فراغات أو اختلالات في الانخراط الأمريكي في
المنطقة. وفي الواقع، لم تدرك واشنطن تماماً أفضل السبل للمشاركة في مثل هذه
المنافسة. ويعتقد المحللون الغربيون بشكل عام أن المنافسة مع روسيا تحدث بشكل
رئيسي في أوروبا، في حين أن المنافسة مع الصين تحدث بشكل رئيسي في منطقة المحيطين
الهندي والهادئ. ومع ذلك، فإنه لطالما كان الشرق الأوسط ساحة رئيسية لمنافسات القوى
العظمى.
وفي
حالة العراق، فقد حلّت معظم الالتزامات الأمريكية في دائرة مكافحة الإرهاب والمشاركة
الديمقراطية. غير أن روسيا تركت بصمة اقتصادية كبيرة هناك، لا سيما في قطاع
الطاقة. وعندما يزور وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف المنطقة، فإنه يجلب معه عادةً
وفوداً من ميدان الأعمال، بما يتيح لكلا الطرفين إيجاد لغة مشتركة بسهولة أكبر.
أما
العراقيون، فلا يريدون من جانبهم الاختيار بين الولايات المتحدة وروسيا والصين
عندما يتعلق الأمر بالاستثمار الأجنبي أو السياسة الخارجية - فهم يريدون الثلاثة.
ومع ذلك، فإن السردية الأمريكية الراهنة لا تلقى صدى معهم بقدر السردية الصينية أو
الروسية. وبغض النظر عن ما إذا كانوا محقين أو مخطئين، فيرى الكثيرون منهم أن أمريكا
ليست أهلاً للثقة، وهذا رأي أطراف أخرى في الشرق الأوسط.
وتتوفر
أمام واشنطن عدة خيارات لإصلاح هذا الانطباع. على سبيل المثال، يمكنها بذل المزيد
من الجهود لتبيّن علناً لشعوب المنطقة أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين ليس شخصاً
يعتدّ به، بخلاف الانطباع المحلي الواسع عنه. ومن المفيد أيضاً توضيح الدعم
الأمريكي والتعجيل به. فعلى صعيد التحديات الأمنية الجوهرية، يدرك شركاء واشنطن في
العراق أنه لا يوجد بديل عن المظلة الأمنية الأمريكية، لكنهم يعرفون أيضاً أن
النظام الأمريكي قد يكون بطيئاً جداً في التنفيذ، أو أنه، عندما يفي بوعوده، فإن النتيجة لا
تضاهي طلبهم بالضرورة. وفي المقابل، يسمح نظام روسيا الاستبدادي لشخص واحد
باتخاذ قرارات سريعة بشأن عمليات نقل الأسلحة ومسائل مماثلة. لذلك فإنها يجب أن تعي
واشنطن أنه ليس من الضروري أن تكون الأسلحة التي تقدمها في مثل هذه الحالات هي
الأفضل، بل يكفي أن تكون موجودة فقط.