نشرت صحيفة "
فاينانشيال تايمز" البريطانية تقريرا، تحدثت فيه عن مساعي
الصين للسيطرة على إنتاج
الليثيوم في
أفريقيا.
وقالت الصحيفة، في تقريرها الذي ترجمته "عربي21"، إن منجم أويس في ناميبيا بات نقطة ساخنةً غير محتملة لحرب باردة على المعادن النادرة ستحدد مستقبل السيّارات الكهربائية.
يقع منجم أويس في تلال إيرونغو القاحلة، وهي مقاطعة كبيرة ذات كثافة سكانية منخفضة. ولعقود، كانت العلامات الوحيدة على الثروة المعدنية التي تزخر بها هذه المنطقة الأحجار الكريمة التي كان عمال المناجم الحرفيون يبيعونها للسيّاح.
ولكن قريبًا سيكون موقع هذا المنجم جزءًا من سباق عالمي على الليثيوم، المعدن القلوي الذي يعد مادة أساسية في صناعة بطاريات السيارات الكهربائية. يعد تأمين إمدادات الليثيوم الموثوقة أحد أكبر التحديات التي تواجه شركات صناعة السيارات، التي تسعى جاهدة لإنتاج المزيد من السيارات الكهربائية.
وذكرت الصحيفة أن مصنعًا تجريبيًا لا يزال قيد الإنشاء تابعا لشركة "أندرادا" للتعدين المدرجة في لندن، من المنتظر أن ينتج أول دفعة من الليثيوم المركز بحلول نهاية حزيران/ يونيو. وتقع هذه المنشأة على بعد أقل من 300 كيلومتر من "والفيس باي"، وهو ميناء إقليمي رئيسي.
ويعتقد أنتوني فيلجوين، الرئيس التنفيذي لشركة "أندرادا"، أن المنطقة ستكون "ذات أهمية عالمية"، ليس فقط بالنسبة لإنتاج الليثيوم، وإنما معادن أخرى تعد مهمة في تحول الطاقة، مثل القصدير والتنتالوم.
منافسة شرسة
وأشارت الصحيفة إلى أن المصنع اللندني سيواجه منافسة شرسة، ففي الشهر الماضي، بدأ أول مصنع لتركيز الليثيوم في أفريقيا مملوك للصين في الإنتاج التجريبي في أركاديا في زيمبابوي. وقد اشترت شركة هيوايو كوبالت هذا المنجم في سنة 2021 مقابل 422 مليون دولار، وهو جزء من موجة من صفقات الليثيوم الأخيرة بمليارات الدولارات التي عقدتها الصين في بلد يخشى العديد من المستثمرين
الغربيين الاقتراب منه.
ونبّه فيلجوين إلى أن "انطلاق الموجة الأولى من الاستثمارات الصينية أدى إلى صحوة الشركات الغربية". ومن بروكسل مرورا بلندن وصولا إلى واشنطن، بلغ القلق بشأن الوصول إلى المعادن الحيوية أعلى مستوياته على الإطلاق بعد الغزو الروسي لأوكرانيا وفي ظل التوترات المتصاعدة بين الغرب والصين.
وتهيمن الجمهورية الشعبية على إنتاج العديد من المعادن الأساسية للانتقال الطاقي، بما في ذلك الكوبالت والليثيوم وغيرها من المعادن الأرضية النادرة. ويستعد الغرب لإنفاق مئات المليارات من الدولارات، في محاولة لمجاراة الصين.
وذكرت الصحيفة أن مفوض الأسواق الداخلية في الاتحاد الأوروبي المسؤول عن استراتيجية الكتلة لضمان إمدادات المعادن الهامة، تييري بريتون، زار مؤخرًا أويس، وقد أشاد بالمنجم باعتباره "أحد أكبر مناجم الليثيوم الصلبة المحتملة في العالم" في تغريدة له على تويتر. وبعد الجولة التي أجراها عاموس هوكستين، مبعوث جو بايدن لأمن الطاقة، في أفريقيا، صرح بأن الولايات المتحدة تخطط للبدء في سَنّ استراتيجية للاستثمار في المعادن في القارة، موضحًا أن "
التعدين ينبغي أن يكون في أيدي العديد من البلدان والشركات، ويجب أن تكون هناك منافسة".
وبعد اكتساح زيمبابوي، تعد ناميبيا الوجهة التالية للمستثمرين الصينيين. في الشهر الماضي، اكتسبت شركة هيوايو كوبالت موطئ قدم في إيرونغو باستثمار صغير ولكن رمزي في أسكاري، وهي شركة أسترالية تستكشف احتياطات أويس. وقامت شركة "شينفنغ"، وهي شركة تنقيب صينية نشطة في إيرونغو، بتعدين عشرات الآلاف من الأطنان من الليثيوم الخام وشحنها إلى الصين.
طفرة البطاريات
أوضحت الصحيفة أن الليثيوم، الذي يطلق عليه اسم "الذهب الأبيض"، هو أخف عنصر صلب في الجدول الدوري للعناصر الكيميائية. وتجعله إمكاناته الكهروكيميائية العالية عنصرا مهما في إنتاج بطاريات السيارات الكهربائية. وينتج الليثيوم من المحاليل الملحية في أمريكا اللاتينية أو أجسام خام الصخور الصلبة في أستراليا وأجزاء أخرى من العالم، بما في ذلك أفريقيا والصين نفسها.
ومع أن الليثيوم متوفر بكثرة في جميع أنحاء الأرض، إلا أن التحدي الحقيقي لهذه الصناعة هو التوقيت: من المتوقع أن يؤدي الانتشار السريع للسيارات الكهربائية إلى زيادة الطلب على الليثيوم بخمسة أضعاف بحلول سنة 2030.
وأشارت الصحيفة إلى أن أهداف الاتحاد الأوروبي وعدد متزايد من الولايات الأمريكية مثل كاليفورنيا ونيويورك هو وقف بيع سيارات البنزين والديزل بحلول سنة 2035، ما يُحفّز عمليات اكتشاف رواسب الليثيوم الجيدة وتطويرها. وخوفًا من حدوث نقص أعمق في وقت لاحق من هذا العقد، استثمرت شركات صناعة السيارات مثل جنرال موتورز في المناجم.
وحسب توقعات شركة ترافيجورا العملاقة لتجارة السلع الأساسية، من المحتمل أن تزودّ أفريقيا العالم بخمس احتياجاته من الليثيوم في سنة 2030. وترى سوزان زو، المحللة في مؤسسة "ريستاد إنرجي"، أن القارة "يمكن أن تكون بؤرة لإنتاج الليثيوم".
وأوردت الصحيفة أنه بينما كان المسؤولون الأمريكيون والأوروبيون يروّجون للشراكات الأفريقية ويجمعون قوائم المعادن المهمة، لم يقتصر دور المستثمرين الصينيين على شراء المناجم الأفريقية لإنتاج هذه المعادن، بل قاموا ببناء مصافي في الداخل لمعالجة إنتاجهم. وتحتل الصين الصدارة عندما يتعلق الأمر بتحويل هذا المعدن إلى مواد خام للبطاريات؛ لتبلغ حصتها من طاقة التكرير العالمية 58 في المئة، حسب تقديرات وكالة الطاقة الدولية. وإلى أن يتم تشغيل منشآت مماثلة في أوروبا أو الولايات المتحدة أو أفريقيا نفسها، ستكون الصين العميل الرئيسي لليثيوم في أفريقيا.
لقد استثمرت الشركات الصينية في إمدادات الليثيوم في أفريقيا وأمريكا اللاتينية حتى عندما كانت أسعار الليثيوم منخفضة. وبعد تبني أستراليا مصانع معالجة محلية لثرواتها المعدنية، وطلب الحكومة الكندية من المستثمرين الصينيين التخلي عن بعض شركات التعدين الكندية، ضاعفت الصين استثماراتها في المناطق النامية.
الهجوم الساحر
في مواجهة هيمنة الصين على سلسلة توريد الليثيوم، يروّج المسؤولون الغربيون لعرضهم الاستثماري للدول الأفريقية كبديل أكثر مسؤولية اجتماعيًا. في مانونو في جمهورية الكونغو الديمقراطية، وهي منطقة قديمة لتعدين القصدير مثل أويس يمكن أن تضم أكبر رواسب الليثيوم غير المستغلة في أفريقيا، تخوض شركة "آي في زي مينرالز" الأسترالية معركة قانونية مع شركة "زيجين مينيغ" الصينية المدعومة من الدولة حول هيكل ملكية الامتياز. ونتيجة لذلك، تم تعليق أسهمها منذ أيار/ مايو الماضي.
وأضافت الصحيفة أن ازدهار الليثيوم في زيمبابوي تزامن مع السياسات غير المتوقعة لحكومة الاتحاد الوطني الأفريقي الزيمبابوي - الجبهة الوطنية. في كانون الأول/ ديسمبر، حظرت الدولة تصدير الليثيوم الخام لخنق عمليات التعدين غير الرسمية وتعزيز المعالجة المحلية، لكن هذا القرار قد يزيد من تكاليف المشروع.
وذكرت الصحيفة أن الحكومات الأفريقية تفضل دائمًا الاستفادة من ثرواتها المعدنية، بدلاً من تصديرها إلى الخارج للآخرين. وحيال هذا الشأن، قال توم آلويندو، وزير التعدين في ناميبيا، إن بلاده قد تسير حذو زيمبابوي في حظر تصدير المواد الخام.
سباق ضد الزمن
أشارت الصحيفة إلى أن استثمار أندرادا في القصدير خلق المزيد من الوظائف وساهم في تعزيز شبكات الهاتف المحمول والبنوك وما إلى ذلك. ويمكن أن يجلب تعدين الليثيوم المزيد الامتيازات لهذه البلدان لاسيما أن الشركة تريد العثور على شريك يمكنه بناء مصنع واسع النطاق في ناميبيا لتحويل المعادن إلى العناصر المستخدمة في صناعة البطاريات.
لكن تاريخ أويس يذكّر بأن قطاع التعدين يواجه الكثير من التحديات وأن السياسات الدولية وأسواق السلع متقلبة، خاصة أن هذا المنجم القديم أغلِق في سنة 1990 بعد حصول ناميبيا على استقلالها من جنوب أفريقيا، وأدى انهيار اتفاقية القصدير الدولية إلى تدهور الأسعار.
وأوضحت الصحيفة أن هناك أسبابًا أخرى للمستثمرين للتحوط من رهاناتهم، ذلك أن أسعار الليثيوم متقلبة إذ ارتفعت طوال سنة 2022 وبلغت ذروتها عند 80 ألف دولار للطن في كانون الأول/ ديسمبر، لكنها انخفضت منذ ذلك الحين إلى 55 ألف دولار. ومع أن هذا الرقم لا يزال يقارب أربعة أضعاف المتوسط طويل الأجل البالغ حوالي 15 ألف دولار، أدى التراجع إلى تعرض بعض شركات التعدين الغربية لضغوط من المستثمرين لتعديل خططهم الاستثمارية - حتى مع استمرار الشركات الصينية في المضي قدمًا.
وأشارت الصحيفة إلى أن البعض يعتقد أن الحل النهائي للنقص المحتمل في الليثيوم لن يكون التنقيب في الصخور الأفريقية، وإنما تطوير بدائل مثل بطاريات أيون الصوديوم في المختبرات.